غباء ديكتاتور
آراء الكاتب
نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
ومن علاماته:
اولا: انه لا يقرأ التاريخ فلا يتعلم منه شيئا، ولذلك فان التاريخ عنده يعيد نفسه، وبأسوء صوره.
ثانيا: انه يستنسخ الاعذار والوسائل والادوات، كلما واجه ازمة.
مثلا:
انه لا يتذكر الاصلاح الا بعد فوات الاوان، ولا يفكر بالتغيير الا بعد فوات الاوان.
بل انه لا يتذكر ربه ودينه واليوم الاخر، الا بعد فوات الاوان، على الطريقة الفرعونية التي
يحدثنا عنها القرآن الكريم بقوله عز وجل {حتى اذا ادركه الغرق قال آمنت انه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين* آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}.
وهو يخون المصلحين اذا طالبوا بحقوق الشعب، فيتهمهم بشتى التهم، كذلك، على الطريقة الفرعونية
التي يحدثنا عنها ربنا عز وجل بقوله في محكم كتابه الكريم {وقال فرعون ذروني اقتل موسى وليدع ربه اني اخاف ان يبدل دينكم او ان يظهر في الارض الفساد} او كما في قوله تعالى متحدثا
عن قصة ابراهيم عليه السلام {فما كان جواب قومه الا ان قالوا اقتلوه او حرقوه}.
وهو يبحث عن كبش فداء لنحره من اجل ان يتشبث بالسلطة، كذلك على الطريقة الفرعونية، كما في قوله
عز وجل {قال فرعون آمنتم به قبل ان آذن لكم ان هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها اهلها فسوف تعلمون* لاقطعن ايديكم وارجلكم من خلاف ثم لاصلبنكم اجمعين}.
وهو يبرر جرائمه اذا ما واجهه بها الناس.
وهو قد يلجا الى الحيلة اذا اسعفه الوقت، فيدعي مثلا، انه رمز وليس حاكم، فهو لا يمتلك من
السلطة شيئا بعد ان سلمها للشعب، على طريقة ديكتاتور ليبيا، او يحمل مستشاريه كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الابي، على طريقة ديكتاتور تونس، وهكذا.
اخيرا، قد يحاول ان يلتقط انفاسه بشتى الطرق، من خلال كسب الوقت الى حين.
ولكن، ولشدة وعي الشعوب ومعرفتها بالاعيب وحيل الديكتاتور، وبسبب خبرتها الطويلة في سياساته التي
انتزعت آخر ذرة من مصداقيته وثقة الناس به، فهي لم تعد تصدقه ابدا، ولذلك لم تشا ان تمنحه يلتقط انفاسه، بل اننا نراها اليوم مصممة على ان تلتصق صفة (المخلوع) باسمه كلما ذكره ذاكر.
لا تصدقوا الديكتاتور اذا تحدث بالاصلاح، ولا تصدقوه اذا وعد بالتغيير، فمن شب على شئ شاب عليه،
كما يقول المثل، ولو كان جادا فيما يقول، وان كلامه ليس للاستهلاك المحلي او للانحناء امام العاصفة الى حين ان تمر عليه بسلام، لو كان جادا وصادقا فيما يقول لفعلها خلال العقود
الماضية من الزمن، فلقد اخذ كل واحد منهم فرصته كاملة بلا زيادة او نقصان، فهل يعقل ان ديكتاتورا قضى في السلطة عقودا من الزمن، واحيانا اكثر من نصف قرن، سيلجا صدفة الى التغيير
بارادته، ان لم يكن ضغط الشارع هو الذي اجبره؟ واذا كان الامر كذلك، فكيف يمكننا ان نامل وعود ديكتاتور اجبر على اطلاقها ولم يؤمن بها؟ انها خدعة الطاغوت لامتصاص النقمة، حتى اذا هدات
العاصفة اعاد الكرة من جديد، ولكن هيهات، فالشعوب اوعى واقوى من الطغاة والديكتاتوريين دائما.
ان الديكتاتور الجاد في التغيير، عن قناعة وليس مجبرا، يفعل ما فعله (فرعون) مصر زمن نبي الله يوسف
عليه السلام، فبمجرد انه احس برياح التغيير، بادر فورا الى تسليم زمام الامور للمصلح الجديد، ليغير ويتغير، اقصد فرعون، من دون لف ودوران، ومن دون اللجوء الى القتل والتهديد والتدمير
والطعن بالنوايا والولاء واثارة النعرات الطائفية والعنصرية كما يفعل، مثلا، آل خليفة وآل سعود في البحرين وفي غير البحرين.
هنا وردت في خاطري القصة الرائعة التالية، التي اراها تنطبق على كل
ديكتاتور، منذ ان خلق الله تعالى عباده ولحد الان، وربما الى يوم يبعثون، لا ادري.
كان ذاك عندما انطوت صحيفة بني امية بمصرع آخر خلفائهم، مروان بن محمد، فقد تمزق جيشهم، وهلكت كثرة
من امرائهم، وشرقت البقية الباقية منهم وغربت، تضرب على غير هدى في الافاق، الى مأمن هنا او ملاذ هناك، يحفظ عليهم الحياة، اذ ذاك انتهى الفرار بعبد الله بن مروان، ولد الخليفة
الصريع، الى ارض النوبة، يلتمس فيها النجاة، وعلم ملك النوبة بنزوله، فامر رجاله ان يكرموا مثواه، ثم اقبل عليه يزوره بعد ايام في وفد من اصحابه، قضاء لحق الضيافة والتكريم، فما ان
رآه عبد الله حتى هب لاستقباله، يتنحى له عن صدر المجلس، ويدعوه للجلوس، لكن الملك آثر اقتعاد الارض العارية، مخليا لضيفه مكان الصدارة، فلما عجب عبد الله ساله:
ما منعك من القعود على الفراش؟ فكان الجواب:
اني ملك، وحق الملك ان يتواضع لله ولعظمته اذا راى نعمة متجددة عنده، وقد رايت تجدد نعمة الله عندي
بقصدكم بلادي، واستجارتكم بي، بعد عزكم وملككم، فقابلت هذه النعمة بما ترى من الخضوع والتواضع.
فكانما خدشت هذه الكلمات بعض كبرياء عبد الله، او كانما حركت اشجانه، فاخلد الى الصمت وهو لا يكاد
يجد ما يقول.
اما الملك، فقد اغضى مليا، راسه مائل على صدره، وعينه ملتصقة بالتراب، ووجهه الاسود اللامع لا تبين
منه الا جبهة مغضنة، قد انعقد فيها ما بين حاجبيه، كانه يدير فيها، على مهل وعناء، فكرة شغلته تحاول ان تجد لنفسها طريقا الى شفتيه، ثم انتبه فجأة وبادر ضيفه:
ايها الامير: لما شربتم الخمر، وهي محرمة عليكم في كتابكم ودينكم؟.
هزت المفاجأة عبد الله، ولكنه تمالك جأشه بعد هنيئة، واجاب:
اجترأ على ذلك عبيدنا بجهلهم.
قال الملك:
فلم وطئتم الزروع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم ودينكم؟.
فعل ذلك اتباعنا وعمالنا جهلا منهم.
فلم لبستم الحرير والديباج والذهب، وهو محرم عليكم في كتابكم ودينكم؟.
استعنا في اعمالنا بقوم من ابناء العجم كتاب، ودخلوا في ديننا، فلبسوا ذلك اتباعا لسنة سلفهم، على
كره منا.
عندئذ لاح طيف بسمة على وجه الملك، وهو يطرق براسه، ويقلب يديه، ينكت في الارض، ثم ما لبث ان قال
بلهجة حاول ان تخفي سخريته:
عبيدنا واتباعنا وعمالنا وكتابنا...كلا... ما الامر كما ذكرت، ولكنكم قوم استحللتم ما حرم الله
عليكم، وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله العز، والبسكم الذل، وان له سبحانه فيكم لنقمة لم تبلغ غايتها بعد.
وانتفض واقفا يقول:
ايها الامير، اني لأخاف ان يحل بكم العذاب وانتم بارضي فينالني معكم.
ثم اردف بهدوء كهدوء السكين لو غاصت عندئذ بطعنة مصممة في قلب الامير المذهول:
الضيافة ثلاث... اطلبوا ما احتجتم اليه، وارتحلوا عني، ثم غادر المكان.
في القصة رسالتان:
الاولى: الى كل ديكتاتور مخضرم.
والثانية: الى كل ديكتاتور جديد، اقصد قيد الانشاء.
فاما كل ديكتاتور مخضرم، فليس في الحديث معه واليه رجاء، لان من قضى عمرا مديدا في السلطة، يمارس
القتل والتدمير وتكميم الافواه وسحق حقوق الناس والاعتداء على كرامتهم وسرقة المال العام واتخاذ الناس عبيدا واماءا، ثم اوغل بالقتل والفتك لمجرد ان الشعب طالب بالاصلاح، ان مثل هذا
الحاكم لا ينفع معه شئ يذكر، لانه لن يقدر على التغيير والاصلاح، فـعندما سال امير المؤمنين عليه السلام قاتله المجرم ابن ملجم عن سبب قتله اياه وفيما اذا لم يكن له خير امام؟ اجابه
المجرم بلغة اليائس قائلا: (أفأنت تنقذ من في النار) فحال هؤلاء يحكيه القران الكريم بقوله تعالى {ومنهم من يستمعون اليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون} او قوله تعالى {ومنهم من
ينظر اليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} او في قوله تعالى {أفأنت تسمع الصم او تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين} ولذلك فليس من وراء امثاله رجاء ابدا.
اما من استخلفه الله تعالى على عباده بعد هلاك ديكتاتور مخضرم، كما هو الحال في العراق تحديدا، فمن
الممكن ان ينفع معه الحديث والتنبيه والذكرى، اذا كان لا يزال يمتلك الارادة على العود الى ما سبق، (والعود احمد) كما يقول المثل.
ان عليه ان يتذكر ماضيه ليصلح حاضره، وان عليه ان يتذكر ماضي الديكتاتور المخضرم، ليتجنب افعاله
واقواله و....مصيره، وان عليه ان يستعيد ذكريات التاريخ السحيق من قصص وعبر وتجارب، لينتبه الى حاله، وليتذكر بان (دوام الحال من المحال) فلو (دامت لغيره لما وصلت اليه) ليترك
محاولاته المستميتة الرامية الى وقف عجلة الزمن من الدوران.
ان سنن الكون تفرض اليوم التغيير في عالمنا العربي تحديدا، فلا يحق
لاحد ولا يستطيع احد ان يوقف عجلة التغيير مهما فعل، فالنظام السياسي العربي الفاسد، بما فيه الانظمة القبلية المتخلفة والوراثية الحاكمة في منطقة الخليج، وتحديدا نظام آل سعود ونظام
آل خليفة المتورطان بدماء الشعب البحريني، هذا النظام السياسي العربي الفاسد، يجب ان يسقط لتستبدله الشعوب العربية بنظام سياسي ديمقراطي يحتكم من يريد ان يصل الى السلطة الى صندوق
الاقتراع فقط لا غير، ليس للاسرة فيه دور وليس للقوات المسلحة فيها دور، نظام يحترم حقوق الانسان ويمنح المواطن حريته ويصون كرامته، نظام يتمتع في ظله المواطن بخيرات بلاده وبالفرص
المتاحة بلا تمييز، وتخطئ الولايات المتحدة الاميركية عندما تصر لحد الان على اعتبار ديكتاتوريات كنظامي آل سعود وآل خليفة حلفاءها في المنطقة، كما حرص الرئيس اوباما على تثبيت ذلك في
خطابه يوم امس حول التغيير الجاري في المنطقة، فكيف يسمح لنفسه رئيس (اعظم) دولة في العالم تدعي حماية حقوق الانسان وتتبنى الديمقراطية حول العالم، لدرجة انها نصبت نفسها شرطيا دوليا
يحمل العصا لمعاقبة من يقتل شعبه الذي يطالب بحريته، كيف يسمح لنفسه، وكيف تقبل مثل هذه الدولة لرئيسها ان يصف مثل هذه الانظمة بالحلفاء؟.
كيف يريد الرئيس اوباما ان يقنعنا بصدق اقواله، فضلا عن افعاله، وهو الذي خاف حتى من ذكر (حلفائه)
من الديكتاتوريين بسوء؟ كيف يريد ان تقتنع الشعوب العربية وتصدق بان التغيير في المنطقة سياسة اميركية، وهو الذي يعتقد بان انظمة استبدادية وديكتاتورية وشمولية مثل نظام آل سعود، لا
زال حليفا قويا واستراتيجيا لبلد هو ام الديمقراطية وابوها، واقصد الولايات المتحدة الاميركية؟ كيف يريد ان يقنعنا بان ادارته بدات تفصل في العلاقة التاريخية الخاطئة المبنية بين
مصالح بلاده والديكتاتوريات في المنطقة، وتغيرها لصالح العلاقة بينها وبين شعوب المنطقة على اساس المصالح المشتركة وهو الذي خشي ان يذكر (حلفائه) بكلمة سوء قد تزعجهم؟ واخيرا، هل من
المعقول ان يتحدث الرئيس اوباما بهذا المنطق الاعوج ثم يدعي انه يحارب الارهاب الذي تغذيه وترعاه وتحرض عليه (حليفاتها) في المنطقة، خاصة نظام آل سعود الذي لا زال يمارس القمع ضد نصف
المجتمع، المرأة، بل كل المجتمع؟.
لقد حاول الرئيس اوباما اقناع الراي العام في المنطقة بانه يحاول تصحيح الخطا التاريخي الذي ظلت
ترتكبه واشنطن بتوأمة المصالح مع الديكتاتوريات، وهو بالتاكيد لم يكن يقصد (الديكتاتوريات) التي وصفها باعداء بلاده، كما انه لم يذكر (الديكتاتوريات) الحليفة بسوء، فعن اي فك ارتباط
يتحدث؟ لو انه ذكر (الديكتاتوريات) الحليفة في خطابه لكان بامكان الراي العام، مثلا، ان يحاول استيعاب ما يريد قوله، اما انه تعنتر على (ديكتاتوريات) هي في الاصل عدوة لبلاده، فاين
الجديد في مثل هذا الخطاب الذي لم يفارق واشنطن طوال العقود الطويلة المنصرمة؟.
ان الذي يريد ان يقنع الراي العام العربي ويقلل من شكوكه ازاء الخطاب السياسي الجديد للادارة
الاميركية عليه ان يسمي الاشياء باسمائها من دون خوف او وجل او تردد، فلا يظل يلف ويدور حول التسمية التي كان عليه ان يذكرها تحديدا، واقصد بها انظمة الاسر الجاهلية الحاكمة في
الخليج.
ربما اقنع الرئيس اوباما الراي العام الاميركي ببطولاته التي حققها في الباكستان اخيرا بقتله لاحد
زعماء الارهاب العالمي الذي صنعته اجهزته الاستخباراتية عندما احتاجته في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي المنهار، الا انه، برايي، فشل في اقناع شريحة واسعة من الراي العام
العربي، الذي يكتوي منذ اكثر من نصف قرن بنيران الانظمة الديكتاتورية، التي لا زال الرئيس اوباما يعتبرها صديقة تقليدية لبلاده، وحليفة استراتيجية لمصالحه في المنطقة.
ان كل هذه المنظومة السياسية الفاسدة يجب ان تتغير مهما بذلت من جهد وحاولت ان تهرب الى الامام،
كما تفعل اليوم من خلال مساعيها الرامية لتوسيع مجلسها الذي بات يعرف بين الناس بـ (مجلس التعاون على الاثم والعدوان) او من خلال ما تسميه بالمبادرة الخليجية الرامية الى نقل السلطة
سلميا في اليمن، هذه المبادرة التي اعتبرها اليمنيون تدخلا سافرا في شؤونهم، لانهم يعرفون ان الطاغوت لا يسقط بمثل هذه المبادرات التي ترعاها ديكتاتوريات فاقدة للشئ، الديمقراطية،
الذي تقول بانها تريد ان تسوقه الى الشعب اليمني، وهي التي تعرف جيدا ان الشارع في اليمن لا تحركه احزاب ومعارضات اكل عليها الدهر وشرب، وانما تحركه قوة الشباب التي تجاوزت النظام
والمعارضة وكل ما يتعلق بالماضي.