الانتظار..جهادا
في ذكرى مولد الامل في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم
آراء الكاتب
نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
كالعديد من المفاهيم، فقد غير الناس وبدلوا في مفهوم (الانتظار) الذي يتعلق بالامام الثاني عشر من ائمة اهل بيت النبوة والرسالة والوحي عليهم السلام، والمولود في الخامس عشر من شهر
شعبان المعظم.
ولا اريد هنا ان ابحث في اصل قضية الظهور عند كل الامم والاقوام والاديان والمذاهب، خاصة عند المذهب الاثنا عشري، ولا في شروطه وعلاماته ووقته وغير ذلك، فلكل هذه الموضوعات ابحاثها
الخاصة التي ملأ بها الباحثون بطون الكتب والمجلدات على مدى اكثر من ثلاثة عشر قرنا.
انما الذي اريد ان ابحثه هنا هو فلسفة الانتظار كمفهوم حضاري وتاثيره على شخصية الانسان ــ الفرد والانسان ــ المجتمع، ونحن نعيش القرن الواحد والعشرين وفي خضم كل هذا التطور المدني
والاجتماعي والسياسي والتكنلوجي وفي العلاقات العامة.
فماذا نعني بالانتظار؟ وكيف ينبغي علينا التعامل معه كمفهوم تاريخي وحضاري في آن؟ وهل من طريقة لتوظيفه في عملية التغيير التي يشهدها العالم في كل شئ؟.
لعل من ابرز ما ورد من احاديث شريفة عن رسول الله (ص) بشأن (الانتظار) هو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) {جهاد امتي انتظار الفرج}.
في الوهلة الاولى يتصور المرء ان هناك تناقضا بين مفهومي (الجهاد) و (الانتظار) فالجهاد لغة اصله، كما ورد في معاجم اللغة، المبالغة واستفراغ الوسع، اما الانتظار فهو اقرب الى التامل
منه الى الحركة وبذل الوسع، فهل عنى الحديث الشريف ان يجمع بين المتناقضين؟ ام ان هناك معنى آخر اراد ان يصل اليه الحديث من خلال الجمع بين المفهومين؟.
بالتاكيد لم يشا الحديث الشريف المراد الاول، لانه ليس من البلاغة في شئ، كما انه بعيد عن الحقيقة المتوخاة من مفهوم الانتظار.
وبرايي، فان الحديث الشريف سعى، بجمع مفهومي (الجهاد) و (الانتظار) في حديث واحد الى ان يصل الى لب مفهوم (الانتظار) والذي هو (استفراغ الجهد في زمن الغيبة والانتظار) بمعنى آخر فان
الحديث يشير هنا الى (الانتظار الايجابي) وليس الى (الانتظار السلبي) الذي شاع كثيرا بين الناس، خاصة بعد كل فشل او هزيمة يمنى به المجتمع.
انه اراد ان يكون (الانتظار) جهادا، ولا يمكن تحقيق ذلك الا بالانتظار الايجابي، فاذا تمثلت الانتظار السلبي في حياتك وجلست في بيتك تتنظر اليوم الموعود من دون حركة او فعل ايجابي،
فليس في كل ذلك اي جهاد او مشقة او تعب، اليس كذلك؟ فالانتظار بهذا المعنى هو جهد العاجزين الفاشلين، انما الجهاد يصدق عندما تنتظر ايجابيا، في قول او فعل او حركة تغييرية وتجديدية
وتحديثية.
انه يصدق عندما تعاني وتتحدى وتبذل جهدك، واحيانا مالك ونفسك وروحك وما تملك، من اجل شئ ما.
ومن الواضح جدا فان هناك فرق شاسع بين النوعين، فبينما يعني (الانتظار الايجابي) الاستعداد والتهيؤ واعداد العدة والظروف اللازمة وادوات التمكين للموعود المنتظر، يعني (الانتظار
السلبي) ان تضع يدا على يد، او يدا على خد، بانتظار اليوم الموعود، فلا تحرك ساكنا ولا تعد شيئا ولا تهيئ امرا، انما تجلس في دارك او على قارعة الطريق تنتظر الموعود ليغير ويبدل،
وربما تنهى الاخرين اذا تحركوا او تعيق حركتهم او تحرض ضدهم او تشي عليهم عند السلطان الجائر، كما يفعل كثيرون ممن ينتظرون (سلبيا).
فهل في هذا النوع اي معنى من معاني الجهاد؟ بالتاكيد لا.
في الانتظار الاول يكون لك كل الدور، اما في الانتظار الثاني فليس لك اي دور، وفي الاول انت جزء لا ينفصل من مشروع التغيير اما في الثاني فانت على الهامش، وفي الاول انت فاعل وفي
الثاني انت خامل، وفي الاول انت حركة وفي الثاني انت سكون.
ان الانتظار في جو الجهاد هو (الانتظار الايجابي) اما الانتظار في جو السكون والسكوت والخمول فهو (الانتظار السلبي) ومما لا شك فيه فان الحديث عنى الاول ولم يعن الثاني البتة، لانه
ليس من المعقول ان يدعو رسول الله (ص) الناس الى يوم القيامة ان يجلسوا في بيوتهم بانتظار اليوم الموعود من دون ان يبذلوا اي جهد للمساهمة في الاعداد له، كيف يدعو الى مثل هذا المفهوم
وهو (ص) القائل {كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته}؟ او قوله (ص) {من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الايمان}؟.
والان، وبعد ان عرفنا ما عناه الحديث الشريف من قوله الانف الذكر، عندما جمع بين مفهومي الجهاد والانتظار، فان ذلك يفتح لنا افقا لوعي المعنى بشكل افضل.
فالمرء عندما يكون في حالة الانتظار، فهذا يعني عدة امور:
-
الاول: انه غير مقتنع بالواقع ولذلك فهو ينتظر من يبادر الى التغيير
نحو الافضل ليكون معه مساهما ومساندا.
انه يعيش حالة الرفض الدائم للواقع مهما كان شكله ونوعه، متطلعا نحو مستقبل افضل واحسن، وهذا هو عين الايمان بالتقدم والكفر بالتاخر او حتى التوقف عند لحظة زمنية معينة، ولقد اشار
الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الى هذا المعنى بقوله {من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان امسه خيرا من يومه فهو ملعون، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقيصة، ومن كان
في نقيصة فالموت خير له}.
لذلك يمكن القول ان من يؤمن بعصر الظهور هو من اكثر الناس تطلعا الى التغيير نحو الافضل، او على الاقل هكذا يجب ان يكون، والا لما انتظر شيئا او امرا ما، فالذي يقتنع بواقعه، مهما كان
مرا او منحرفا، لا ينتظر احدا ليغير، اليس كذلك؟.
-
الثاني: انه يبذل اقصى جهده ليكون شخصيا بمستوى التصدي مع (المغير)
نحو الافضل ليلتحق بمشروعه الحضاري، وهو يسعى بكل ما اوتي من طاقات ليتقمص شخصية من ينتظره ليكون في عداد اصحابه، فاذا كان التغيير في اليوم الموعود شاملا وجذريا كيف يمكن ان يكون
المرء، اي امرئ، جزءا منه اذا لم يكن قد استعد لمثل هذه المهمة واخذ لها عدتها؟.
انه يستعد شخصيا على كل المستويات، ليكون الافضل والاحسن والاقدر والاكفأ، ان على الصعيد العلمي او التكنلوجي او الصحي او الجسدي او الاقتصادي او الاجتماعي او ما الى ذلك، فتراه يواكب
التطور العالمي ولا يتأخر عنه، ويكتسب من المهارات ما يجعله في المقدمة، ويقرا ويطالع ويتعلم ويثقف نفسه بكل علم مشاع، كما انه يربي نفسه روحيا وايمانيا ليكون صالحا في مجتمعه، جاهزا
ليكون جنديا في مشروع التغيير الحضاري المرتقب.
-
الثالث: انه يسعى دائما لان يعمل بروح الفريق، لان التغيير في اليوم
الموعود لا يكون فرديا وانما جماعيا ليشمل العالم كله، فاليوم الموعود لا تحده الجغرافيا او الاثنية او اللغة او الخلفية او اي شئ آخر، وانما هو للناس كافة كما كانت رسالة الاسلام
التي بعث بها رسول الله (ص) للناس كافة، فكيف يمكن لاحد ان يكون جزءا من الفريق الذي سيتصدى لعملية التغيير الشاملة اذا لم يكن مستعدا ومتعلما ومتدربا على العمل مع الاخرين كفريق
واحد؟.
فالاناني لا يمكن ان يتصور نفسه مع مثل هذا الفريق ابدا، كما ان الذي يحب الخير لنفسه ولا يحبه لغيره، او انه مشبع بحب الظهور والاستعراض لا يمكن ان يكون جزءا من هذا الفريق الذي
سيعتمد التعاون والتجانس والتناسق في الافكار والحركة، في المبدا والمنتهى.
انه يتسلح بكل شروط العمل كجماعة، ويتعلم فنون واخلاقيات هذا النوع من العمل، فيزرع الثقة اين ما حل وارتحل، ويشيع روح التعاون والايثار بين الناس، كما انه يشيع ثقافة العفو والتجاوز
والصفح في المجتمع، ما امكنه الى ذلك سبيلا.
-
الرابع: انه يعيش الرقابة الذاتية على مدار الساعة، لانه يستشعر حضور
الموعود في حياته، يراقب حركاته وسكناته، قوله وفعله، ما يدفعه لان يحسب لكل شئ حسابه، فلا يلفظ بقول قبل ان يزنه، ولا يقدم على فعل قبل ان يتثبت منه، ولا ينقل خبرا او يشيع معلومة
قبل ان يتاكد من صحتها، انه يستحضر الرقيب الذاتي دائما، وشعاره قول الله عز وجل {ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} ولذلك فهو مشروع (احسن) الذي كرره القران الكريم في العديد من
الايات القرانية، كقوله عز وجل {ايكم احسن عملا}.
ان الرقابة الذاتية تساهم بشكل فعال في تحسين اداء المرء، ما يجعله الاقرب الى النجاح، بغض النظر عن حال المجتمع الذي يتحجج به البعض لتبرير ذنوبهم ومشاكلهم الاخلاقية والسياسية وغير
ذلك، فتراه يتحجج بانحراف المجتمع اذا انتقدته على خطا، قائلا (وهل بقيت علي انا والمجتمع كله على خطا؟) او قول بعض المسؤولين اذا عاتبته على فساد مالي او اداري (ان كل السياسيين
يفعلون الامر ذاته، فلماذا علي ان اتطهر وغيري يفسد ويسرق؟) او كتمثل بعضهم بالقول المعروف (اذا لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب) اذا عاتبته على اخلاق الذئاب التي يتصف بها في علاقاته مع
الاخرين بدءا باسرته وليس انتهاءا بالمجتمع.
ولقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى اهمية االرقابة الذاتية بقوله {من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف امن، ومن اعتبر ابصر، ومن ابصر فهم، ومن فهم علم} فهي اساس كل
خير.
-
الخامس: انه يتمتع بقدرة فائقة على استيعاب الاخرين، يتعاون معهم اذا
اتفقوا معه في الراي والهدف والوسائل ويتحاور معهم اذا اختلفوا معه في الرؤى والافكار، لا يعتدي على احد ولا يكفر احدا ولا يبيح دم احد اذا اختلف معه في راي او موقف او تشريع كما يفعل
فقهاء التكفير الذين يحرضون على البغض والكراهية والحقد والاعتقاد بالحقيقة المطلقة من دون سائر الناس.
يسوق الباحثون فكرة ان واحدة من اسباب وفوائد ولادة الامام الثاني عشر ومن ثم غيبته عن الانظار وعدم بقائه في الارحام ليولد عندما يشاء الله، هو ان طول العمر سيمكن الامام من ان يعيش
حياة الاجيال المتعاقبة ويشهد تجاربهم ولذلك فهو عندما يظهر في اليوم الموعود سيكون حاملا لتجارب كل الاجيال التي مرت على وجه البسيطة، ما يعني انه سيكون مستوعبا لتجارب الحياة كلها
وكانه عاشها بتفاصيلها مع الاجيال المتعاقبة، فلم يظهر في محيط غريب عنه، كما يتصور البعض فيتساءل كيف له، عندما يظهر، ان يعيش الزمن الحالي وهو من الزمن والجيل (الحرس) القديم؟.
ان هذه الفكرة هي التي يجب ان تحكم علاقة من يؤمن بفكرة (الانتظار) مع الاخرين، اذ عليه ان يستوعب كل الاراء والافكار والتجارب ليكون بمستوى الحدث التاريخي عندما يقع، اما الذي يرفض
الاخرين ولا يقبل الحوار وانما يلجا الى القتل وسفك الدماء لفرض آرائه ومعتقداته، كما هو حال (الوهابيون) مثلا، فان مثل هذا المنهج سيضيق عليه خناق المعرفة، لان اللاحوار يحبس صاحبه
في صندوق مغلق ومظلم يحول بينه وبين ان يسمع الراي الاخر، وبالتالي المعرفة والوصول الى الحقيقة.
لقد تجاوز القران الكريم هذه المعضلة التي يعيشها كثيرون في كل العصور، ما يحول بينهم وبين الاطلاع على الحقيقة فضلا عن قبولها، بقوله {الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه، اولئك الذين
هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب}.
-
السادس: هو ان (الانتظار) استعداد من جنس اليوم الموعود وهويته
وماهيته، فانتظار الفلاح ليوم الحصاد يستعد اليه بالحرث والبذر والسقي، اما انتظار الطالب ليوم النجاح فيستعد له بالحضور اليومي والتحضير المستمر والقراءة والمطالعة والبحث وسهر
الليالي على طلب العلم، فيما يستعد السياسي ليوم الانتخابات باعداد البرنامج الحكومي مثلا او اطلاق الوعود الى الناخب بما قد يقنعه بانه يحمل الحلول لمشاكله، ما يعني ان جنس الانتظار
من جنس اليوم الموعود بالنسبة لكل انسان.
ولان (المنتظر) في اليوم الموعود سيكون من جنس التغيير الاجتماعي الشامل، بما فيه الابعاد السياسية والاقتصادية والاخلاقية وفي العلاقات العامة، وفي كل شئ، لذلك فان الاستعداد له يجب
ان يكون من جنسه، يعمل (المنتظر) على تغيير شخصيته بما سينسجم مع (المنتظر) في اخلاقياته واهدافه وادوات التغيير التي سيستخدمها وغير ذلك.
ولذلك لا يمكن ان نتصور ان كذابا مثلا او لصا او سئ الخلق او فاشلا او حقودا او قاتلا او ظالما او كسولا، يمكن ان يدعي بانه (ينتظر) اليوم الموعود ليلتحق بركب (المنتظر) في عملية
التغيير، فان مثل ادعائه هذا كمثل الفلاح الذي يدعي انه ينتظر يوم الحصاد من دون ان يحرث او يبذر او يسقي، فهل يمكن ان نصدق ما يدعي؟ بالتاكيد كلا.
-
السابع: هو ان (الانتظار) يتطلب ايمانا عميقا بالامل، والذي يدفع
صاحبه الى التمسك بعملية التغيير مهما طال الزمن، ومهما كثرت التضحيات، ومهما استخدم الطاغوت من وسائل التدمير والتعذيب والقتل والتضليل للقضاء على اي بصيص امل للتغيير المرجو.
ان الياس لا يشجع على الانتظار كل هذه المدة الزمنية الطويلة، كما انه يدفع بصاحبه الى الاستسلام والقبول بالامر الواقع، ولذلك فان الياس ضد فلسفة (الانتظار) الذي يعني الاستعداد
الدائم للتغيير في اجواء الجهاد.
يمكن القول، اذن، ان (الانتظار) يعتمد على مبداين اساسيين، هما الرفض والتطلع، رفض الواقع المر بكل ما يحمل في طياته من تمييز وتخلف وقهر وظلم وسحق لحقوق الانسان واغتيال الفرص وسوء
العلاقات الاجتماعية سواء في الاسرة الواحدة او بين ابناء المجتمع الواحد، وغياب العلم والمعرفة واعتماد الخرافة للحشد الديني والمذهبي والعنف والارهاب وغير ذلك من الامراض التي
ابتليت بها مجتمعاتنا.
وبالتاكيد فان من يرفض هذا الواقع المر وبكل هذه التفاصيل واكثر، فانه سيكون في حالة حرب وجهاد، اذ ان المجتمع، خاصة السلطة الظالمة والجماعات المتطرفة والظلامية والمتخلفة التي تحن
الى الماضي دائما او تلك التي تعتمد مبدا (السلفية) المتزمتة، سوف لن يتركوا المرء وشانه يسفه احلامهم ويعري مناهجهم المتخلفة، ولذلك نرى اليوم، مثلا، كيف ان النظام السياسي العربي
الفاسد لجا الى مخازن اسلحته المملوءة بمختلف انواع السلاح الفتاكة ليواجه بها حركة الثورة الشاملة التي انطلقت بها الشعوب العربية من اجل التغيير الجذري الشامل، لتحقيق مبدا الحياة
الحرة الكريمة.
اكثر من هذا فان بعضها، كما هو الحال بالنسبة الى نظام اسرة آل سعود الفاسدة، راحت تصرف المليارات من دولارات الفقراء والمعوزين لشراء احدث الاسلحة الفتاكة من عدد من دول الغرب، ليس
من اجل الدفاع عن مصالح الشعب او عن عز الامة وكرامتها او لتحرير القدس وفلسطين التي طالما تاجر بها الحكام العرب، ابدا، وانما من اجل قمع شعب اعزل مسالم طيب كشعب البحرين الابي الذي
تعرض الى واحدة من ابشع صور القمع الوحشي على يد الاسرتين الفاسدتين الحاكمتين في الجزيرة العربية والبحرين، واقصد بهما آل سعود وآل خليفة، وامام مرآى ومسمع العالم باسره.
اما المبدا الثاني، مبدا التطلع، فان (الانتظار) الذي يعني رفض الواقع لابد ان يتكامل مفهومه بمفهوم آخر هو (التطلع) فالرفض لوحده عبث ولا ينتج شيئا، اذ ماذا يمكن ان ينفع المجتمع اذا
رفض الانسان الواقع المر من دون ان يقدم حلا للاصلاح والتغيير والتبديل، من اجل حياة افضل في ظل الحرية والكرامة وتكافؤ الفرص والغاء التسلط والقمع ومصادرة حرية التعبير؟.
ان (الانتظار) يعني ان يكون لك مشروعا تغييريا حقيقيا وليس من اجل الوصول الى السلطة فقط بعد ازاحة الطاغوت، لتعود الكرة مرة اخرى، ولكن هذه المرة على
يدك وليس على يد طاغوت مدحور او ظالم مخلوع، كما هو الحال مع الكثير من السياسيين في العراق الجديد من الذين طالما ناضلوا وجاهدوا ضد الطاغية الذليل صدام حسين حتى اذا قيض الله تعالى
للعراقيين من يساعدهم على ازاحته واسقاطه عن عرشه وانهاء فترة حكمه المظلمة، ليتبوأوا مقعده، اذا بهم يمارسون نهجه ويلجأون الى عهده ناسين او متناسين ان الدنيا دول وهي تشبه دولاب
الهواء تارة يكون المرء في اسفله واخرى في اعلاه، في القمة، واذا صادف انه في القمة فهذا لا يعني انه سيظل ابد الابدين فيها، ابدا، اذ لابد من ان يدور الفلك ليعود هو في القاع وغيره
في القمة، وهكذا هي حال الحياة، فلماذا يسعى بعضهم الى ان يكرروا اخطاء الطاغية والكثير من جرائمه؟.
ان الذي (ينتظر) اليوم الموعود لا يمكن ان يستبدل طاغوت بآخر، ولا يزيح ظالم ليحل محله ثم يمارس نهجه، ابدا، لانه بهذه الحال سوف لن يكون ممن (يجاهد) منتظرا اليوم الموعود، وانما
يمارس العبث بهذه الطريقة التي لا تنتج حلا ولا تقدم بديلا صالحا وسليما ابدا.
هذا على صعيد الانسان ــ المجتمع، اما على صعيد الانسان ــ الفرد، فينبغي لمن يؤمن بفلسفة (الانتظار) ان يكون في جهاد دائب من اجل تغيير الذات اولا، وهو الذي يسميه حديث رسول الله (ص)
بالجهاد الاكبر، لانه اصعب بكثير من الجهاد الاصغر، جهاد العدو، لما يعتري هذا الجهاد من معوقات كثيرة كما وصفها الشاعر في قوله: نفسي وشيطاني ودنيا والهوى كيف الخلاص وكلهم اعدائي
انها بالفعل تحد عظيم يواجهه المرء وهو يمارس الجهاد الاكبر، من اجل تغيير الذات، ولطالما سمعنا وقرانا عن قصص الذي سقطوا في اول امتحان تحدي بعد عمر مديد قضوه بالطاعات والعبادات،
فقد نقل لي ثقاة انهم كانوا يتمنون ان يصلوا جماعة خلف احدهم لشدة تقواه وقوة ايمانه ايام كان يقيم في العاصمة البريطانية لندن، حتى اذا دار الفلك واستوزر في الحكومة التي خلفت نظام
الطاغية الذليل، اذا به يتحول الى لص منحرف يسرق قوت الفقراء ويتجاوز على المال العام، وهو عادة لا ينسى ان يتوضأ قبل ان يسرق، ليحلل (لقمة الحرام).
ان مثله يشبه حال قول الشاعر: صلى وصام لامر كان يطلبه فلما انقضى الامر لا صلى ولا صاما
والتاريخ ملئ بمثل هذه النماذج التي اشبهها بابن آوى الذي قرر يوما ان يتوب الى الله تعالى فلا يعتدي على الدجاج ولا ياكلها ظلما وعدوانا، حتى اذا جاءته احداها سال لعابه فهجم عليها
لياكلها وعندما سالته عن توبته واين حل بها الدهر، اجابها بالقول: ساتوب بعد ان اشبع معدتي، او لم يقل قائد جيش بني امية عمر بن سعد الذي خرج لقتال السبط الشهيد في كربلاء في عاشوراء
عام 61 للهجرة عندما ذكره بعضهم بحقيقة سيد شباب اهل الجنة سبط رسول الله (ص) الامام الحسين بن علي بن ابي طالب ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله: يقولون ان الله خالق جنة ونار وتعذيب
وغل يدين
فان صدقوا مما يقولون انني اتوب الى الرحمن من سنتين
ان (الانتظار) بمفهوم الجهاد هو الذي يبعث كل هذه الروح الثورية التي يشهدها اليوم العالم العربي، بعد طول سبات وخضوع وخنوع للظالم والطاغوت.
انه هو الذي اسقط كل النظريات الزائفة مثل (عدم جواز الخروج على السلطان مهما انحرف او كان ظالما) و نظرية (عبادة الطاغوت الذي يمثل ظل الله في الارض) او طاعته لانه ولي الامر مهما
فعل من منكرات ومظالم بحق الناس، او نظرية تاليه الحاكم، او ما اشبه من النظريات الزائفة التي شرعنتها فتاوى البلاط الاموي منذ قرون، ثم اصلتها، في العصر الحديث، فتاوى البلاط السعودي
الفاسد، واشباهه.
اللهم عجل بظهور الامام (ع) واجعلنا من انصاره واعوانه، ومن المستعدين ليوم لقائه.