Back Home Next

 

لنتعرف على المعز لدين الله الفاطمي، بطل الوحدة العربية الكبرى

من كتاب فيه مصادر مختلفه

 بقلم الدكتور رضا العطار بتصرف

ridhaalattar@yahoo.com

 

 

 

 وصلت الدولة الفاطمية الى قمة مجدها في زمن المعز لدين الله الفاطمي بعد ان حققت الانتصارات العسكرية الباهرة على كل الجبهات التي خاضتها، فقد فتحت هذه المعارك صفحات رائعة في البطولات من تاريخ الحروب العربية، مثلما فتح الفاطميون حقل العلوم والاداب والفنون من اوسع ابوابها، اذ ازدهرت ازدهارا الفت النظر.

 

مساجد شارع المعز لدين الله الفاطمي

كان العالم الأسلامي انذاك يمر بمرحلة سياسية عصيبة فقد تفرقت كلمة المسلمين وتمزقت بلدانهم وكادت ان تتلاشى, فغدوا يتطلعون الى من ينقذهم من براثن البيزنطيين بعد ان تعاظمت قوتهم واحتلوا مناطق شاسعة من البلاد الاسلامية حتى ان امبراطورهم نقفور موقاس هدد بالزحف الى الحجاز واحتلال الديار المقدسة بما فيها  مكة المكرمة. وكان الموقف العسكري انذاك حرجا  يتطلب وجود  دولة اسلامية  قوية ذات قدرات عسكرية فائقة للوقوف في وجه تلك الأخطار، فكانت الدولة الفاطمية الفتية خير من يتصد للاعداء بالمرصاد, فتمكنت بفضل قوتها العسكرية الحديثة من ضم دول شمال افريقيا في كيان واحد وقيادة واحدة وقضت على التجزئة وجعلت منها وحدة متماسكة بعدما كانت عبارة عن دول متطاحنة متقاتلة.

 

هكذا نهضت الدولة الفاطمية الفتية من بين الزعازع وقامت شديدة حازمة،  لتواجه الخطر البيزنطي الداهم, بعد ان اخذت اطراف الوطن العربي تنتقص الواحدة تلو الاخرى مثلما وصفها شاعر العصر هاني الاندلسي في القصيدة التالية:

وطريقة من بعد اخرى تقتفى

 

فمدينة من بعد اخرى تستبى

وزلزلت ارض العراق تخوفا

 

حتى لقد رجفت ديار ربيعة

الا قليلا والحجاز على شفا

 

والشام قد اودى واودى اهله

 

وكان تعبير الشاعر تعبيرا صادقا يعطي الصورة الواقعية ويبين بجلاء حالة الدنيا في ذلك الزمان - - -

 

ولهذا اتجهت سياسة الدولة الفتية في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي الى تحرير المدن السورية التي احتلها البيزنطيون والذين وصلوا في هجماتهم الى حمص وبعلبك ودمشق وصيدا وبيروت . لكن الفاطميون لم يكونوا في غفلة من امرهم انما كانوا يعززون مواقعهم على التخوم الشامية باستمرار وادركوا ان جيوشهم البرية وحدها لا تكفي لحماية العالم الاسلامي وانقاذه من خطر الروم, لذا انشأوا اسطولا ضخما يضم اكثر من مائتين سفينة حربية وعندما تهيئوا واستعدوا، اصطدموا بالبيزنطيين في بلاد الشام والحقوا بهم هزائم منكرة متكررة اجبرتهم على الانسحاب  شمالا. وبذلك حقق الفاطميون نصرا مبينا في البر والبحر حتى شملت سيادتهم على البحر الابيض المتوسط من بيروت شرقا حتى مضيق جبل طارق غربا. وفي اعقاب ذلك بعث امبراطور الروم الى القاهرة احد قواده وهو  باسيل حاملا للخليفة المعز لدين الله الفاطمي هدية اشتملت على ثمان وعشرين صينية من الذهب الخالص, عارضا عليه طلب الصلح, فاستجاب الخليفة لطلبه وعقد مع الدولة البيزنطية صلحا لمدة عشرة اعوام لكن بشروط. وعلى اثر هذا الانجاز العسكري المنشود نظم كثير من الشعراء قصائد تمجد بهذا الفتح العظيم، كان منهم محمد هاني الاندلسي اذ يقول:

لا تنقضي غرر له وحجول

 

يوم عريض في الفخار طويل

ولقد تبل التراب وهي همول

 

مسحت ثغور الشام ادمعها به

ملك لما قال الكرام فعول

 

وجلا ظلام الدين والدنيا به

للكفر منها رنة وعويل

 

مكتشف عن عزمه علوية

ماء الهدى في صفحتيه يجول

 

يجلوا البشير ضياء بشر خليقة

ان الاله بما تشاء كفيل

 

لو ابصرت الروم يومئذ درت

 

بعد هذه التحولات الكبيرة والانجازات الخالدة غدت الدولة الفاطمية امبراطورية واسعة الارجاء، مترامية الاطراف فقد ضمت تحت جناحيها جميع الدول العربية وحققت الحلم التاريخي المنتظر في بناء صرح الوحدة العربية الكبرى، نعم لقد جرى كل هذا قبل اكثر من الف عام، على يد المسلمين العرب الشيعة، فكان العربي يومذاك فخورا بعروبته، معتدا بنفسه، شامخ الراس، مزهوا بوطنه ذو المساحة الفسيحة، تضمن جميع الدول العربية الاسلامية، بينما غدا تحقيق هذه الامنية في العصر الراهن في حكم المتعذر.    

 

بعد ان ارست الدولة الفاطمية دعائم السياسة العامة واطمأنت الى استقرارها وامنها اتجهت نحو العمران وبدأت ببناء المؤسسات الحكومية الفخمة وانتهت بتشجيع العلوم والأداب والفنون وحركة الترجمة بكفائة عالية،  فقد استطاع الفاطميون ان يرتفعوا بالقاهرة في عصرهم الى مرتبة لا تقل عن مرتبة بغداد العباسية في عصرها الذهبي، فقد بنوا فيها القصور الفخمة والمساجد الضخمة وزركشوا هذه القصور والمساجد بضروب مختلفة من الزخارف الرائعة لحمتها الفن الجميل وسداها الذوق الرفيع.  لا نغالي اذا قلنا انها كانت منتزعة من اسلوب حياتهم المتسمة بالرفاه والرخاء تزهو بالتأنق والتألق، الى جانب ثراء مصر الذي يبالغ المؤرخون في وصفه.

 

 لقد اضحت القاهرة في عهد الفاطميين من حكم الشيعة مطمح انظار العالم اجمع,  فقد استطاعت الدولة ان تنتزع زعامة العالم العربي في المجال الثقافي, فضلا عن الجانب السياسي, فقد اهتم الفاطميون  بدراسة العلوم الفلسفية في الوقت الذي كانت البلدان الأسلامية الأخرى ترمي من يشتغل في الفلسفة بالزندقة والألحاد .

 

اما في المجالات العلمية والأدبية والدينية,  فقد تعددت وتشكلت حلقات الدرس في مساجد القاهرة والأسكندرية واسوان وبقية المدن الكبيرة وبدؤا يستدعون العلماء من كل حدب وصوب بصرف النظر عن معتقداتهم المذهبية فهذا الامام الغزالي يفد الى القاهرة ويؤلف كتاب (مشكاة الانوار) وهذا العالم الشهير ابن الهيثم يستقدم من العراق ويستقبل من قبل الخليفة الفاطمي ويكرم، وابن الهيثم هذا يمتدحه الكاتب الامريكي المعاصر ميشيل هاملتون مورغان لنبوغه، معتبرا اياه انشتاين زمانه،  قوله: ان ابن الهيثم قد اوجد  نظريات علمية، ساعدت بعد 600 سنة من رحيله  كل من كوبرنيكوس ونيوتن وغاليلوا غاليلي من تحقيق اكتشافاتهم العلمية.

 

اسس الفاطميون جامع الازهر، سموه بهذا  الاسم تيمنا باسم فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وتم بنائها عام 361 للهجرة - - -  ثم خصصوا فيها لكل مذهب اسلامي كرسيه الخاص به, وكان للمذهب الشيعي كرسيه ايضا.  طبقا لروح التسامح العقائدي التي  انتهجتها السياسة الفاطمية قبالة المذاهب والاديان،  مما دفعت بالكثير من اعلام الفكر في مختلف الدول الأسلامية الى ترك اوطانهم والهجرة الى مصر الشيعية هربا من الأضطهاد العقائدي في بلدانهم فضلا عن التخلص من محنة الفقر.

 

 

الأزهر بالقاهرة

 

 

لقد رحبت الدولة الفاطمية  بالوافدين من الخارج وهيأت لهم وسائل العيش الكريم واحاطتهم بالمال والجاه, نعم وحتى اغدقت عليهم الخلع والألقاب.

 

لقد تفرد الفاطميون في بناء المؤسسات التعليمية وتفننوا في انشاء المكتبات العامة وتاسيس خزائن الكتب داخل قصر الخلافة وحرصهم على ان تزخر هذه الكتب بالطرائف والنفائس في كل العلوم والاداب والفنون ومن مختلف الثقافات وكانت مكتبة القصر تضم اكثر من نصف مليون كتاب,  ودار العلم كانت بمثابة جامعة فيها اساتذة للتربية والتعليم، فكانت نقطة جذب للراغبين في تحصيل المعرفة والبحث العلمي.

 

 كان الفاطميون اسبق من غيرهم الى انشاء الجامعات حتى بلغت الحياة العلمية في مصر الفاطمية درجة كبيرة من النمو والازدهار لكثرة العلماء الذين وفدوا اليها، لوجود من يشجع حرية الفكر والقلم, هذه الرعاية الحكومية التي لم يحظوا بها في دولهم التي لم تعرف للعلماء قدرهم ولم توفيهم حقهم.

 

فأذا درسنا الحياة العقلية في العالم الأسلامي في القرن الرابع الهجري وما بعده لاحظنا ان معظم العلماء الأعلام كانوا متأثرين بالعقائد الفاطمية الى درجة ما:  فكان الكثير منهم على صلة دائمة مع اصحاب الشأن في القاهرة امثال ابن حوقل والفارابي وابن سينا وكذلك جماعة اخوان الصفا في البصرة فقد كان ميلهم الى التشيع واضحا وتعاونهم مع القاهرة امرا عاديا, حتى ان ابو العلاء المعري كان متأثرا بعقائدهم، فقد لوحظت هذه السمة في اشعاره. اقول , لقد كان التشجيع في نشر الثقافة العامة بين ابناء الشعب والتحلي بروح التسامح العقائدي تجاه بقية المذاهب والأديان هما السمة المتأصلة في العقيدة الشيعية في كل زمان ومكان, فلا عجب لو لاحظت ان اهتمام الفاطميين بالثقافة العامة،  كان دائما موضع دهشة المؤرخين.