الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، و(حوار الحضارات)
قبل ان يقدم
الباحث الماركسي، والمفكر الفرنسي الكبير، روجيه (رجاء) غارودي الخطوة التالية باتجاه العقيدة الاسلامية، لأن يكتب هذا الكتاب القيم. حادثة اخلاقية، وقعت له بعد ان كان في الجزائر.
واقترب هناك من روح الاسلام ووعوده - - اذ يقول :
( انه شرف عظيم
لي ان اخص قراء العربية بهذه المقدمة لكتابي - حوار الحضارات -
لقد كان اول
احتكاك لي في حياتي الشخصية مع الاسلام في عام 1941 من خلال هذه الحادثة :
في الرابع من
آذار عام 1941 كنا في الجزائر زهاء خمسمائة مناضل من المعتقلين والمسجونين لمقاومتنا الاحتلال النازي لوطننا. وفي ذلك اليوم، وبالرغم من اوامر الضابط الفرنسي الاجير، نظمنا مظاهرة
داخل المعتقل على الرغم من تعليمات هذا الضابط، فاثار عصياننا حفيظة الضابط، قائد معسكر الاعتقال. واستشاط غضبا، وانذرنا بانه سيامر باطلاق النار اذا لم نعد على الفور الى خيامنا.
لكننا مضينا في عصياننا - - فأمر الضابط حاملي الرشاشات، وكانوا من الجزائريين المسلمين. باطلاق النار علينا. فرفض جميعهم ذلك الامر ولم يطيعوا، وعندما هددهم بالعقاب، أصروا على
رفضهم ولم يستجيبوا له.
وانا الان حي
على قيد الحياة بفضل هؤلاء المسلمين.
لقد قال هؤلاء
الجنود المسلمون لضابطهم: ان مما ينافي شرف الجندي من المسلمين، ان يطلق رجل مسلح النار على رجل اعزل من السلاح.
ومنذ ذلك اليوم،
بدأت ابحث عن نور الاسلام الخصيب في كل مكان، منتظرا شروق شمس الاسلام واعاصيره الهادية في كل مكان
(حوار
الحضارات)، كتاب كتبه غارودي قبل ان يعلن اسلامه، بل ان هذا الكتاب كان واحدا من علامات اهتداءه باتجاه اعصار الاسلام الخصيب، كما يقول هو نفسه.
و(حوار
الحضارات) كان كلام غارودي عن الاسلام، كلام المقبل وليس المدبر – وكلام المفكر الذي يتمنى ان يكون في تركيب هذا الاعصار الخصيب. - - في البداية يتساءل غارودي عن سبب هبوب الاعصار
الاسلامي بهذه الشدة على سواحل المحيط الاطلسي؟ - فيجيبب غارودي عن ذلك اجابة علمية واضحة بقوله :
(ان العامل
الحاسم في ذلك هو ان المسلم قد جلب معه اشكالا راقية من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي في عالم كان يغرق في نظام اجتماعي ظالم، وهو في حالة تفسخ تام. - - لقد حمل المسلم معه الى شواطئ
المحيط الاطلسي التنظيم المهني، الذي لم تعرفه اوربا الا بعد سنين طويلة، كما حمل المسلم عدة نظم اقتصادية وادارية وقضائية.)
لقد سحر غارودي
كل هذا. - - - لكن لم تسحره مادية الاسلام ولم تسحره فخامة الاسلام بل سحره خليفة كالمأمون، عندما افتتح دار الحكمة قبل 1200سنة، وسحره احتفاظ احد خلفاء المسلمين في قرطبة بمكتبة
تحتوي على اكثر من 100 الف مجلد، بينما لم تضم مكتبة (شارل الخامس) ملك فرنسا الملقب بالحكيم اكثر من الف كتاب - - سحرته الثقافة الاسلامية وليس السلطة الاسلامية.
سحره علم
المسلمين الذين بنوا المراصد الاولى في العالم في سمرقند ودمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة واختراع المسلمين للاسطرلاب العربي في 770 ميلادي، وظل الملاحون يستخدمونه حتى القرن الثامن عشر
الميلادي. - - - لقد سحره علم الاسلام والاسلام العالم . خرائط الادريسي انطلقت من مبدأـ كروية الارض، ولم تصل اوربا الى معرفة هذه الحقيقة الا بعد مرور خمسة قرون - - صناعة العرب
للورق من القطن احدثت ثورة ثقافية عظيمة - - تأليف العرب لكتاب (تذكرة الكحالين) في بغداد في زمن العباسيين في معالجة امراض العيون والذي ظل المرجع المعتمد في هذا الحقل الطبي حتى
القرن التاسع عشر - - وضع العرب لاساس علم الاجتماع في القرن الرابع عشر الميلادي من قبل المغربي ابن خلدون.
لقد كان الاسلام
في ذلك الوقت منطقة جذب بشري هائل سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
وغارودي كان آخر
الداخلين في منطقة الجذب هذه والتي لم يبق منها غير الذكريات !
لقد كانت
الثقافة دائما – كما هي الان بالنسبة لامريكا واوربا – منطقة مغناطيسية بشرية، استطاعت ان تلف حولها كمّا بشريا هائلا – فلا شئ يجذب الاخرين كالثقافة –