Back Home Next

 

لماذا وكيف اعتنق الفيلسوف الفرنسي  روجيه غارودي الأسلام ؟

مقتبس من كتابيه (البديل و حوار الحضارات)

 بقلم الدكتور رضا العطار بتصرف

ridhaalattar@yahoo.com

 

 

 لماذا وكيف اعتنق الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي الأسلام ؟

للاجابة على هذا السؤال يجب القول بان هذا الرجل قد ظُلم كثيرا، ظلم عندما كان مسيحيا، وظلم عندما ترك المسيحية. ظلم عندما كان مفكرا ماركسيا، وظلم كثيرا ايام تخلى عن الماركسية، وظلم كثيرا ايام اعتناقه للاسلام - - وهو راض عن كل هذا الظلم في سبيل مشروع حضاري هام.

 

وما كتبه ابتداء في الماركسية كانت (النظرية المادية في المعرفة – ماركسية القرن العشرين – نموذج وطني للا شتراكية – منعطف الاشتراكية الكبير) وهي الكتب التي ابرزته كمفكر ماركسي وقطب اشتراكي كبير في فرنسا وفي خارج فرنسا، الى جانب مؤلفاته (البنيوية، فلسفة موت الانسان – مستقبل المرأة – في سبيل ارتقاء المرأة – مشروع الامل) وانتهاء بكتبه التي وضعها بعد اعتناقه الاسلام واهمها (وعود الاسلام – الاسلام يسكن مستقبلنا – ملف اسرائيل – دراسة للصهيونية السياسية)

 

وهذا الكتاب الاخير كان كارثة على مستقبل غارودي الثقافي، بعد ان بيّن فيه ان عدد  ضحايا اليهود في المعتقلات النازية، ابان الحرب العالمية الثانية،  لم يكن بالحجم الذي تزعمه الصهيونية،  فتعرض غارودي على اثره، للمضايقات والملاحقات والمحاكم تحت تاثير الضغط اللوبي اليهودي في فرنسا، بتهمة معاداة السامية.  وما زال يعاني حتى الان من مقاطعة شديدة من كافة دور النشر الفرنسية لاي انتاج ثقافي يقدمه.  والمسلمون شعوبا والسلطات العربية  تتفرج وكأن الامر لا يعني احدا.

 

ومما جاء في كتابه (وعود الاسلام) : ان واجب المسلم بالدرجة الاولى هو بعث التراث الاسلامي والبحث في مشاكل العالم الراهنة على ضوء تعاليم الدين الاسلامي وايجاد حلول لها من خلال نمط للنمو الاقتصادي الجديد، يستلهم المبادئ الاسلامية ويكون في خدمة ازدهار الحياة وتألقها وليس سببا في دمارها واندثارها كما هي الحال اليوم. – فمن الضروري ان يعرف الغرب الاسلام عن طريق الفن ومظاهره الحضارية، لان الفن هو اقصر الطرق بين البشر. - - كما يجب ان نقبل تحدي اقامة نظام انمائي ينطلق من المبادئ الاسلامية لا يشبه النظام الغربي في صيغته الامريكية او في صيغته الاشتراكية الروسية.

 

قبل بدأ الرحلة الفكرية الروحية مع غارودي لابد وان نكشف القوى الخفية المتضررة من اسلام هذا الرجل ومن هم المنتفعون من بقائه ضمن الفكر الماركسي العالمي ؟ - - المتضررون كثيرون اهمهم معسكر الفكر والفلسفة الاوربي الماركسي – ان اسلام غارودي كان حدثا كبيرا وعظيما لهؤلاء جميعا – فبقدر ما كان فكر هذا الرجل الماركسي صلبا وقويا بقدر ما كان اسلامه صادقا صافيا وعميقا.  - - - لقد شهد العصر الحديث حول ايمان عدد من المفكرين الفرنسيين بالاسلام. واندفاعهم للكتابة عنه،  كان منهم مكسيم رودنسون في (جاذبية الاسلام) ولوئ جاردية في (الاسلام بين الامس والغد) ولكن هؤلاء كانوا يقتربون من الاسلام اقترابا (رومانسيا) وليس اقترابا عقائديا كما فعل غارودي. - - - فغارودي انتقل من (النظرية المادية في المعرفة) الى (الاسلام يسكن مستقبلنا) وهذه نقلة نوعية، قل ّ ان نجد لها مثيلا في العصر الحديث. 

 

ان انظمة متعددة في العالم الاسلامي لم تكن راضية عن اسلام هذا الرجل، لان اسلامه سبب لها ازعاجا – فقد بدات تتضايق من مواقف كثيرة بدا يتخذها منذ عام اسلامه. - - فهذه الانظمة لا يرضيها ان ينتقد غارودي تقاعسها عن اقامة المشاريع الحضارية التي اقترحها غارودي والتي من شانها ان تجعل الاسلام نمطا يحفظ مستقبل العرب- - وهذه الانظمة لا يرضيها ان يقوم هذا الرجل احراجها وكشف عجزها وعوراتها حيال مسؤولياتها التاريخية المناطة بها. وهي غير سعيدة بانتقاد غارودي نمط اقتصادها الاستهلاكي المدمر الذي يؤدي الى ارتفاع نسبة الفقر بين المسلمين.

 

ان الغرب لم يكن راضيا عن اسلام هذا الرجل الذي يعتبر قوة للاسلام وللعرب في وقت واحد - - فالغرب لا يريد مزيدا من منتقديه لا سيما وان الغرب يعرف ويدرك تماما مدى قدرة غارودي العلمية في كشف وفضح سياساته تجاه العالم الاسلامي، والغرب لا يرضى من غارودي ان يقول – ان الاسلام يمكن ان يشكل نواة لانطلاقة عالمية تخلصنا من الوضع الذي نعيش فيه. - -  قوله : كيف يصرف 750 مليار دولار سنويا  على التسلح بينما يموت 80 مليون انسان جوعا ؟  والرئيس الامريكي ريجان يفرض على المزارعين الامريكيين خفض انتاجهم من الحبوب بنسبة الثلث – واوربا ليست اقل سفالة عندما تصرف المليارات لتخزين الحبوب ومنتجات الحليب - - - فهل من مصلحة الغرب ان يقف فيه رجل يقول مثل هذا الكلام ؟ .

 

وعندما اصدر الفيلسوف روجية غارودي كتابيه (وعود الاسلام ) و ( الاسلام يسكن مستقبلنا ) أكرمه عاهل المملكة العربية السعودية المغفور له الملك فيصل، بالجائزة التقديرية في نيل جائزة الملك فيصل العالمية    

 

كما تلقى البحاثة روجيه غارودي دعوة من الجمهورية الاسلامية عام 1995 لزيارتها، واستقبل من قبل رئيسها بحفاوة، والقى في جامعة طهران محاضرة قيمة في فلسفة الاسلام، التي اكرمته بدكتوراه فخرية في علم الاديان، كما ظهر على شاشة التلفزيون في المساء وتحدث للجمهورعن البواعث التي دفعته وشوقته لأعتناق الاسلام.

 

* مقتبس من كتاب - الرجم بالكلمات – لشاكر النابلسي مع التصرف.

 

 

 

 

الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، و(حوار الحضارات)

 

قبل ان يقدم الباحث الماركسي، والمفكر الفرنسي الكبير، روجيه (رجاء) غارودي  الخطوة التالية باتجاه العقيدة الاسلامية، لأن يكتب هذا الكتاب القيم. حادثة اخلاقية، وقعت له بعد ان كان في الجزائر. واقترب هناك من روح الاسلام ووعوده - - اذ يقول : 

 

( انه شرف عظيم لي ان اخص قراء العربية بهذه المقدمة لكتابي - حوار الحضارات -  

 

لقد كان اول احتكاك لي في حياتي الشخصية مع الاسلام في عام 1941 من خلال هذه الحادثة :

 

في الرابع من آذار عام 1941 كنا في الجزائر زهاء خمسمائة مناضل من المعتقلين والمسجونين لمقاومتنا الاحتلال النازي لوطننا.  وفي ذلك اليوم، وبالرغم من اوامر الضابط الفرنسي الاجير، نظمنا مظاهرة داخل المعتقل على الرغم من تعليمات هذا الضابط، فاثار عصياننا حفيظة الضابط، قائد معسكر الاعتقال. واستشاط غضبا، وانذرنا بانه سيامر باطلاق النار اذا لم نعد على الفور الى خيامنا. لكننا مضينا في عصياننا - - فأمر الضابط حاملي الرشاشات، وكانوا من الجزائريين المسلمين.  باطلاق النار علينا. فرفض جميعهم ذلك الامر ولم يطيعوا، وعندما هددهم بالعقاب، أصروا على رفضهم ولم يستجيبوا له.

 

وانا الان حي على قيد الحياة بفضل هؤلاء المسلمين.

 

لقد قال هؤلاء الجنود المسلمون لضابطهم: ان مما ينافي شرف الجندي من المسلمين، ان يطلق رجل مسلح النار على رجل اعزل من السلاح.

 

ومنذ ذلك اليوم، بدأت ابحث عن نور الاسلام الخصيب في كل مكان، منتظرا شروق شمس الاسلام واعاصيره الهادية في كل مكان

 

(حوار الحضارات)، كتاب كتبه غارودي قبل ان يعلن اسلامه، بل ان هذا الكتاب كان واحدا من علامات اهتداءه باتجاه اعصار الاسلام الخصيب، كما يقول هو نفسه.

 

 و(حوار الحضارات) كان كلام غارودي عن الاسلام، كلام المقبل وليس المدبر – وكلام المفكر الذي يتمنى ان يكون في تركيب هذا الاعصار الخصيب. - - في البداية يتساءل غارودي عن سبب هبوب الاعصار الاسلامي بهذه الشدة على سواحل المحيط الاطلسي؟ - فيجيبب غارودي عن ذلك اجابة علمية واضحة بقوله :

 

(ان العامل الحاسم في ذلك هو ان المسلم قد جلب معه اشكالا راقية من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي في عالم كان يغرق في نظام اجتماعي ظالم، وهو في حالة تفسخ تام. - - لقد حمل المسلم معه الى شواطئ المحيط الاطلسي التنظيم المهني، الذي لم تعرفه اوربا الا بعد سنين طويلة، كما حمل المسلم عدة نظم اقتصادية وادارية وقضائية.)

 

لقد سحر غارودي كل هذا. - - - لكن لم تسحره مادية الاسلام ولم تسحره فخامة الاسلام بل سحره خليفة كالمأمون، عندما افتتح دار الحكمة قبل 1200سنة، وسحره احتفاظ احد خلفاء المسلمين في قرطبة بمكتبة تحتوي على اكثر من 100 الف مجلد، بينما لم تضم مكتبة (شارل الخامس) ملك فرنسا الملقب بالحكيم اكثر من الف كتاب - - سحرته الثقافة الاسلامية وليس السلطة الاسلامية.

 

سحره علم المسلمين الذين بنوا المراصد الاولى في العالم في سمرقند ودمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة واختراع المسلمين للاسطرلاب العربي في 770 ميلادي، وظل الملاحون يستخدمونه حتى القرن الثامن عشر الميلادي. - - - لقد سحره علم الاسلام والاسلام العالم . خرائط الادريسي انطلقت من مبدأـ كروية الارض، ولم تصل اوربا الى معرفة هذه الحقيقة الا بعد مرور خمسة قرون  -  -  صناعة العرب للورق من القطن احدثت ثورة ثقافية عظيمة - - تأليف العرب لكتاب (تذكرة الكحالين) في بغداد في زمن العباسيين في معالجة امراض العيون والذي ظل المرجع المعتمد في هذا الحقل  الطبي حتى القرن التاسع عشر - - وضع العرب لاساس علم الاجتماع في القرن الرابع عشر الميلادي من قبل المغربي ابن خلدون.

 

لقد كان الاسلام في ذلك الوقت منطقة جذب بشري هائل سياسيا واجتماعيا وثقافيا.

 

وغارودي كان آخر الداخلين في منطقة الجذب هذه والتي لم يبق منها غير الذكريات !

 

لقد كانت الثقافة دائما – كما هي الان بالنسبة لامريكا واوربا – منطقة مغناطيسية بشرية، استطاعت ان تلف حولها كمّا بشريا هائلا – فلا شئ يجذب الاخرين كالثقافة –