نظرة تاريخية لمفهوم الديمقراطية في العالم العربي
مقتبس من كتاب (الفكر العربي في القرن العشرين) لشاكر النابلسي
بقلم الدكتور رضا العطار
بتصرف
ridhaalattar@yahoo.com
يكاد الشعب العربي ان يكون الشعب الفريد في تاريخ الديمقراطية الانسانية من حيث انه لم يمارس الديمقراطية – التي عرفت بالشورى – طيلة
خمسة عشر قرنا الا خلال 29 عاما، وهي فترة الحكم الراشدي الذي ذهب ثلاثة من خلفائه قتلا. وتلك ظاهرة لها دلالة بالغة في علم الاجتماع – فكانت فيها الشورى بدائية عفوية بحكم زمانها
وقصر تجربتها – وفي عهد الخليفة عثمان بدات تلوح رايات الحكم المطلق والتي تجلت في سيرة عثمان في اغداقه الممجوج على بني أمية بلا حساب. وتبديده لمال المسلمين على اهله واقربائه،
وصنعه التاج الملكي الوراثي للامويين.
فعندما احتج
الصحابي الجليل ابوذر الغفاري في الشام على التصرفات غير المسؤولة لمعاوية، والي الشام، منها ظلمه للناس وتبديده للمال العام، ارسل معاوية الى الخليفة عثمان يقول له : ان اباذر افسد
الناس بالشام، فطلب عثمان من معاوية ان يرسل له اباذر الى المدينة المنورة، حيث نفاه الخليفة الى (الربذة) وهي منطقة نائية وسط الصحراء، فمات كمدا - - وكان ابوذر الغفاري اول معارض
في الاسلام، يُعذّب ويدفع حياته ثمنا لمقارعته الظلم والجور - - ولم يكتف عثمان بمصادرة وحرية ابي ذر الغفاري ومنعه من ممارسة معارضته لفساد حكم بني امية، ولكنه اقتص من الصحابي
الجليل المعارض الاخر عمار بن ياسر، وكذلك من الصحابي الاخر المعارض عبد الله بن مسعود- وكتم افواه المعارضة المتمثلة بهؤلاء الزعماء الثلاثة.
لقد درج على سياسة قمع المعارضة الولاة الامويون الذين اسرفوا في قسوتهم على معارضيهم غير مفرقين بين صحابي جليل يجهر بالحق لوجه الحق
وبين مغرض دخيل يريدها فتنة، وظل الامر هكذا حتى انفجرت الثورة على عثمان التي اودت بحياته في القصة التاريخية المعروفة.
وبذا انتهى
مفهوم الديمقراطية او الشورى المزعومة واصبحت حبرا على ورق زمن عثمان. وامتد هذا الوضع السياسي المزري منذ ذلك الحين الى الان. قرابة خمسة عشر قرنا، لم ينعم فيها الشعب العربي بفترة
حكم واحدة، استطاع فيها هذا الشعب المغلوب على امره ان يقول كلمة حق في وجه سلطان جائر، دون خوف من رقيب او حسيب، ناهيك عن السجن والتعذيب والقتل. وانحصرت الديمقراطية في فكر
الخوارج والمعتزلة. التي لم تشترط النسب القرشي في الحاكم، وكانوا يرون ان اي مسلم فاضل يمكن ان يكون حاكما.
ومن هنا كان
الحديث العربي في النصف الثاني من القرن العشرين عن الديمقراطية العربية موضوعا صعبا وقاسيا كما كان حديثا مستجدا. لانه كان بلا جذور ممتدة وبلا اصول قوية. فقد ظل الفكر الفلسفي في
التاريخ العربي هامشيا – وكأنّ التاريخ الحقيقي للديمقراطية العربية قد بدا قي هذه المرحلة اصلا.
اضافة لذلك فان الدولة العربية الحالية لا تختلف عن الدولة العربية الاسلامية كما عرفها التاريخ منذ سلطة معاوية، والتي كررت نفسها وما
زالت تكرر نفسها الى اليوم، فلم تاسس في المجتمع العربي الاسلامي دولة بالمفهوم الصحيح، انما كانت الدولة عبارة عن مؤسسة قهرية يحكمها طاغية، يضع نفسه فوق مصلحة الشعب. ويحكم باسم
الدين او بشعار حزبي براق، ولنا في صدام مثلا – ومن هنا اصبحت المشكلة هي مشكلة من يحكم، وكيف ينبثق الحكم من ارادة المواطنين واختيارهم، وهي محور الديمقراطية.
كما ان الحاكم
طيلة 15 قرنا من التاريخ العربي لم يتغير عما كان عليه زمن معاوية – وما زال الحاكم العربي يحكم بمنطق الواحد الاحد - - - ولا باس ان نتذكر في هذا السياق قول الشيخ محمد المتولي
الشعراوي في مجلس الشعب المصري ايام كان وزيرا للاوقاف للرئيس السادات، مخاطبا اياه :
( والله لو
استطعت ان اقول لك انك لا تُسأل عما تفعل، لقلتها لك )
ومن هنا كان الحديث العربي في النصف الثاني من القرن العشرين عن الديمقراطية العربية موضوعا صعبا وقاسيا كما كان حديثا مستجدا. لانه
كان بلا جذور ممتدة وبلا اصول قوية. فقد ظل الفكر الفلسفي الاسلامي في التاريخ العربي هامشيا – وكأنّ التاريخ الحقيقي للديمقراطية العربية، لم يبدا اصلا، بينما ظهر النظام الديمقراطي
في الغرب، كانت الولايات المتحدة الامريكية في مقدمته، كان ذلك عام 1776
* من كتاب
(الفكر العربي في القرن العشرين) لشاكر النابلسي مع التصرف.