المبادئ العامة للمعتزلة
وقوة المعتزلة حيث الخلافة العباسية
من الانترنت
http://islamstory.com/
المبادئ العامة للمعتزلة
جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعتين:
الأولى: القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل، فهو يخلق أفعاله بنفسه،
ولذلك كان التكليف. ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي، الذي أخذ يدعو بمقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز حتى عهد هشام بن عبد
الملك حيث كانت نهايته.
الثانية: القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنًا ولا كافرًا، ولكنه فاسق، فهو بمنزلة بين
المنزلتين، هذا حاله في الدنيا. أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة؛ لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة، بل هو خالد مخلد في النار، ولا مانع
عندهم من تسميته مسلمًا باعتباره يظهر الإسلام، وينطق بالشهادتين، ولكنه لا يُسمى مؤمنًا.
يقول الشهرستاني: الذي يعمُّ طائفة المعتزلة من الاعتقاد القول بأن الله تعالى
قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلاً فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات
قديمة ومعانٍ قائمة به؛ لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الإلهية.
|
واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محل، وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه، فإن ما وجد
في المحل عرض قد فني في الحال.
|
|
واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ومحامل
معانيها.
|
|
واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه: جهة ومكانًا،
وصورة وجسمًا، وتحيزًا وانتقالاً، وزوالاً وتغيرًا وتأثرًا. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها، وسموا هذا النمط (توحيدًا).
|
|
واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها مستحق على ما يفعله ثوابًا وعقابًا في الدار
الآخرة، والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا كما لو خلق العدل كان عادلاً.
|
|
واتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب -من حيث الحكمة- رعاية مصالح العباد، وأما
الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف وسموا هذا النمط (عدلاً).
|
|
واتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض. والتفضل معنى آخر وراء
الثواب.
|
|
وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار،
وسموا هذا النمط (وعدًا ووعيدًا).
|
|
واتفقوا على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع، والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل،
واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى أرسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء عليهم السلام
امتحانًا واختبارًا؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]. واختلفوا في
الإمامة والقول فيها نصًّا واختيارًا.
|
سبق أن ذكرنا أن بدايات نشأة المعتزلة كانت حين اعتزل واصل بن عطاء حلقة شيخه الحسن البصري، كان ذلك في عهد الدولة الأموية، والتي كان
لشيوخ الفكر الاعتزالي الأوائل من القدرية والجهمية دور كبير في كثير من الحركات التي خرجت عليها، فلقوا جزاءً شديدًا نتيجة الموقف
المعادي للدولة الأموية، فقد خرج معبد الجهني -وهو أول من قال بالقدر- على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث في حركته التي
كادت تقضي على حكم الأمويين، وقد قتله الحجاج بن يوسف الثقفي بعد فشل الحركة عام 80هـ.
تأتي مرحلة
قوة المعتزلة حيث الخلافة العباسية،
فقد برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق
الاعتزال عن طريق بشر المريسي، وثمامة بن أشرس، وأحمد بن أبي دؤاد، وهو أحد رءوس بدعة الاعتزال في عصره، ورأس فتنة خلق القرآن، وكان
قاضيًا للقضاة في عهد المعتصم، وفي فتنة خلق القرآن امتُحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة،
فسُجن وعُذِّب وضُرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون، وبقي في السجن مدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة
المعتصم ثم ابنه الواثق.
ولما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ أظهر الانتصار للسُّنَّة، فأمر بالمنع من الكلام في مسألة الكلام، والكفِّ عن القول بخلق القرآن،
وأن من تعلّم علم الكلام لو تكلم فيه فالمطبق[31] مأواه إلى أن يموت، وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، وأمر
بإكرام الإمام أحمد إكرامًا عظيمًا، وقتل محمد بن عبد الملك بن الزيات الذي سعى في قتل أحمد بن نصر وكان سببًا في محنة الإمام أحمد،
وأمر بدفن جثمان أحمد بن نصر الذي كان ما زال معلقًا مصلوبًا منذ قتله الواثق. وهكذا انتهت تلك السنوات التي استطال فيها المعتزلة
وسيطروا على السلطة وحاولوا فرض عقائدهم بالقوة والإرهاب خلال أربعة عشر عامًا كاملة.
وفي عهد دولة بني بويه عام 334هـ في بلاد فارس -وكانت دولة شيعية- توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل
هذه الدولة، فعيِّن القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضيًا لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة
البويهي، وهو من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي: "وكان شيعيًّا معتزليًّا مبتدعًا"[33]. ويقول المقريزي: "إن مذهب الاعتزال فشا
تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر". وممن برز في هذا العهد: الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي: "وكان من
الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد". وبعد ذلك كاد ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما
تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم.
ثم
تأتي مرحلة انحلال وذوبان المعتزلة في التشيع،
وقد بدأت تلك المرحلة منذ بدأ التزاوج بين الرفض والاعتزال، ومن الواضح أن الرافضة قد تأثروا بمناهج الفكر الاعتزالي بشكل قوي، فنقلوه
وهضموه خاصة في مسائل الصفات والقدر، كذلك في محاولتهم الإيهام بتعظيم دور العقل، مع أن أصل مذهبهم يقوم على أمور غير معقولة -كالإمام
الغائب الذي ينتظرون رجعته كل ليلة- وكذلك تبني المعتزلة تدريجيًّا فكر الشيعة المنحرف؛ ليضمنوا القوة والاستمرار في ظل دول الرافضة،
فذاب الاعتزال في التشيع، وانتهت المعتزلة كفرقة مستقلة منذ ذلك الحين.
الفكر الاعتزالي في العصر الحديث
انتهت المعتزلة كفرقة -كما ذكرنا- لكن بعض أفكارها بدأت بالظهور مرة أخرى في العصر الحديث في آراء بعض المفكرين في عدة قضايا. ويمكن
للباحث من خلال كتابات عديد من الكتاب في بضع العقود الماضية أن يتلمس آثار مدرسة فكرية مميزة ينتمي إليها فكر هؤلاء الكتاب وآراؤهم،
يُستدل عليها بوحدة الآراء، وتقارب المفاهيم، وتميُّز بتشابه الموضوعات، وتلاقي المقاصد والغايات.
ونجد أن بعض الكتاب والمفكرين في الوقت الحاضر يحاولون إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفا عليه الزمن أو
كاد، فألبسوه ثوبًا جديدًا، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل: العقلانية، التنوير، التجديد، التحرر الفكري، التطور، المعاصرة، التيار
الديني المستنير، اليسار الإسلامي.
وقد قوّى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي
العقلاني المادي، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وَفْق العقل الإنساني، فلجئوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل، ثم أخذوا يتلمسون
في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية، وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك
أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل إلا من هذا القبيل.
وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، حتى لو
كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر.
وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسُّنة، مثل عقوبة المرتد،
وفرضية الجهاد والحدود، وغير ذلك.. فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث... إلخ. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في
ذلك كله، وتحكيم العقل في هذه المواضيع. ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه
القضايا في الوقت الحاضر.
ومن
دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول
الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية، وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة والمرأة الجديدة، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه "أستاذ
الجيل"، وطه حسين الذي أسموه "عميد الأدب العربي"، وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا. هذا في البلاد العربية.
أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان،
الذي منح لقب (سير) من قبل الاستعمار البريطاني، وهو يرى أن القرآن الكريم -لا السنة النبوية- هو أساس التشريع، وأحلّ الربا البسيط في
المعاملات التجارية، ورفض عقوبة الرجم والحرابة، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز؛ لأنهم عانوا
كثيرًا من جهاد المسلمين الهنود لهم.
وجاء تلميذه "سيد أمير علي" الذي أحلّ زواج المسلمة بالكتابي، وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة.
ومن هؤلاء أيضًا مفكرون علمانيون، لم يُعرف عنهم الالتزام بالإسلام، مثل زكي نجيب محمود صاحب (الوضعية المنطقية)، وهي من الفلسفة
الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي.. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحيِّيه، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف
المعتزلة من المشكلات القائمة.