مابعد النبي: ملحمة الحسين
للكاتبة ليزلي هازلتون
للكاتبة ليزلي هازلتون ذات الخلفية اليهودية مقال: مابعد النبي :
ملحمة الحسين لا بد من قرأته .. لأنه يستحق أكثر من ذلك
ما بعد النبي / هناك حيث تبدوتلك البقعة ذات أعرق تاريخ في العالم وكأنها بلا تاريخ, ذلك أن الماضي هوالحاضر ووقتئذٍ هوالآن ولهذا هذه القصة
لها هذه القوة ... التفاصيل الدقيقة تسقط أهميتها أمام حدث بهذا العمق والضخامة"
في السابع عشر من سبتمبر لهذا العام 2009 إستضافت قاعة مدينة سياتل الأمريكية للحياة المدنية[1]
صاحبة الكلمات أعلاه الكاتبة "ليزلي هازلتون" في أول قراءة عامة لها[2] لكتابها الجديد
"مابعد النبي: ملحمة الإنقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام" لمناقشة أفكاره في سبيل محاولة فهم الوضع العراقي والإسلامي بشكل عام.
في كتابها الأخير "مابعد النبي" والذي يعد محاولة لتنوير العقل الغربي بالقضايا والإفكار الأساسية التي تؤثر في حياة المسلمين, أعطت هزلتون
جزاءً كبيراً من كتابها لقضية عاشوراء كحدث مفصلي تاريخي في التاريخ الإسلامي. تنبع مفصلية أحداث وقيم عاشوراء وفقا للكاتبة في أنها تتعدى
كونها تاريخا قديما وإنما أحداث تُعاش في الحاضر وتُؤثر في الحياة اليومية لشريحة كبيرة من الناس, ومما قالته هوالإقتباس العميق الذي بدأ به
المقال والذي يتحدث عن العراق. فكأنما العراق ذا التاريخ الأعرق في العالم بلا تاريخ وذلك لأن التاريخ بقيمه ومعانيه يتجسّد حيّا حاليّا من
خلال عاشوراء. هذا العامل هوما يعطي قصة عاشوراء عمقا وقوة في المعنى, فعاشوراء أكبر من كونها قصة تُحكى, إنما أحداث تُعاش. يُلاحظ محاولة
الكاتبة لتوصيل القيم والأحاسيس العميقة مخترقة الإختلافات الثقافية والدينية بين العالمين الإسلامي والغربي, فلقد حاولت أكثر من مرّه توضيح
التشابه بين قصة عيسى وقصة الحُسين عليهما السلام لنقل المعاني الإنسانية التي يراها الشيعة في قصة الحُسين عليه السلام.
يبدأ الكتاب بتساؤل كيف يمكن لمحمد رسول الوحدة, الأمة الواحدة والرب الواحد أن يترك خلفه هذا الإنقسام المأساوي والدموي والذي يبدوبلا
نهاية بين السنة والشيعة؟ هذا التساؤل قاد الكاتبة لدراسة التاريخ الإسلامي والذي وجدت فيه -على حسب تعبيرها- قصة حية معروفة لكل السنة
ولكنها مدفونة في قلوب كل الشيعة ورغم هذا تظل هذه القصة غير معروفة في العالم الغربي! وتُرجع هزلتون تميّز هذه القصة بسبب خواصها الفريدة
والتي تقول على سبيل الممازحة بأن الروائي الكولومبي العالمي جابريل جارسيا ماركيز والحائز على جائزة نوبل في الأدب سيشعر بالغيرة إذا قرأها
لما تتميّز به هذه القصة من معاني, فهذه القصة تجمع المتضادات: الولاء ضد الخيانة, الحب ضد الحرب, النبل ضد الفساد, الأخلاق ضد السياسة
والتي زامنت الأحداث بعد وفاة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن سيقود الإسلام من بعده. هذه الأحداث إذا ما ناقشها الغرب ستكون
مناقشتها مختصرة وهذا الاختصار يلازمه عدم التعمق في القضية والذي يكمن فيه الجوهر والعاطفة والمتعة! الكتاب موجه للقُرّاء الغريبيين لمعرفة
القصة بعمقها ومأساتها, ولمعرفة سبب كونها في إلهام الناس إيجابا وسلبا حيث أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يحدث في الشرق الأوسط. هذه
القصة حيّة مع أنها حدثت قبل حوالي 1400 عام, فيبدووكأنها حدثت بالأمس. هذه إحدى مفارقات التاريخ كما تقول الكاتبة.
الطريق إلى فهم الإنقسام يتمحور حول الحُسين
تبدأ الكاتبة بشرح الخلافات الأساسية بين السنة والشيعة بخصوص الخلافة والحروب المدنية التي حدثت بسببها وصولا إلى الحكم الأموي الذي يقود
إلى الحدث المفصلي. في محاولتها لفهم أسباب الإنقسام بين المسلمين تقول هزلتون "كان من الصعب تحديد ما يُقرأ من وفاة الرسول الى الحرب في
العراق الآن لكن حدث واحد في الماضي لم يكن تجنُّب الإنقسام بعد حدوثه ممكنا وهوماحدث في كربلاء .. تسعة عشر عاما بعد وفاة الامام علي وأقل
من خمسين عاما بعد وفاة الرسول....فإذا كان علي هوالرمز الاساسي للمسلمين الشيعة فالحُسين هورمز التضحية, فما حدث له عندما وصل الى العراق
سيصبح قصة عاطفية وروحية, قصة العشق والولع الشيعية ... لا أحد يناقش في صحة الحدث ولكن يناقش لماذا حدث ما حدث؟ "
أسهبت الكاتبة في توصيف تفاصيل الأحداث من خروج الإمام الحُسين عليه السلام من مكة إلى قمع الإنتفاضة في الكوفة قبل بدئها ثم إلى أحداث يوم
عاشوراء وصولا إلى الحاضر.
إحدى ملاحظات هزلتون فيما يخص التشابه بين الثقافات كان يتعلّق بوحشية وجور الحكّام الظالمين لدى الرومان والمسلمين على حد سواء عندما علّقت
على ماحدث لمسلم بن عقيل وكيف تم صلبه في سوق الكوفة بـتعليق " لم يكن الرومانيين الوحيدين الذين إستخدموا الصلب"!
ثم تحاول الكاتبة فهم أسباب إصرار الإمام الحُسين على مواصلة طريقه إلى العراق حتى بعد علمه بقمع الإنتفاضة الكوفية قبل بدئها من قبل
الأمويين.فهولم يكن محاربا ولا رجل دولة سياسي, ولكنه كان عالما ومعروفا بأنه الوحيد في ذلك الوقت الذي يحظى بشرف روح الرسول بين جنبيه.
فتتساءل بفضولها الغربي:
ما الذي يدفع هذا الشيخ الكبير لما قام به؟
لماذا لا يذهب ليعيش آخر أيامه بسلام في مكة أوالمدينة؟
ولماذا ذهب إلى العراق وهوالبلد الذي عانى أباه الإمام علي من أهله أثناء حربه مع معاوية؟ هل ظن الحُسين انهم حقا تغيّروا؟
هل كان يظن ان العدل يمكن ان يغلب السلطة والقوة؟
هل كان يظن أن إثنين وسبعين مقاتلا يستطيعون التغلب على جيش يزيد؟
هل كان فاقدا للواقع أم مليئا بالنبل والعدل والصواب فيما يخص هدفه؟
هل كان يتحرك بيأس أم بنقاء الدافع؟
أسئلة كثيرة طرحتها الكاتبة وحاولت الغوص في أعماق التاريخ لمعرفة إجاباتها ولمعرفة الحقيقة.
خروج الحُسين: بين السنة والشيعة
توضح هزلتون رأي المدرسة السنية وتقول أنهم يقولون بأن تحرك الحُسين كان دليلا لافتقاده المؤهلات المناسبة لإسقاط الإمبراطورية الأموية,
فلقد كان يسعى لمصير سئ لا يجب على الإنسان أن يتخذه. وكان عليه ان يعترف بالواقع ويخضع للتاريخ وتستدل بقول إبن تيمية والذي تصفه بمُعادي
الشيعة[9] والذي وصف حركة الحُسين بالـ "غير فعّالة", فهويرى خطأ الحُسين في أنه بدون الدولة لا يمكن التطبيق الشريعة ولكن هزلتون لا تنسى
التعليق بأن إبن تيمية عندها يعترف بافتراق الشريعة عن الدولة ووهوالأمر الذي لم يكن كذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وآله.
بعد ذلك توضح الكاتبة رأي مدرسة أهل البيت وتقول بأن الشيعة يرون أن نهضة الإمام الحُسين عليه السلام كانت تمثل الشجاعة المطلقة والنبل
المطلق في التضحية بالنفس, فلقد قام بحركته عن وعي كامل ومعرفة تامة بأهميتها. فالحُسين اتخذ الطريق الوحيد أمامه لفضح فساد الحكم الاموي
وإستشهاده سبب صدمة لكل المسلمين ليرجعوا الى الإسلام الحقيقي تحت الحكم الذي أراده الرسول المتمثل في أهل البيت. بهداية إلهية ضحى بنفسه
كما ضحى النبي عيسى قبله بستمائه عام حسب تعبيرالكاتبة- تضحية مقدسة في سبيل الآخرين واستسلامه للموت كان صورة للفداء الأمثل.
في قلب الحدث: كربلاء ورموز لا تموت
في وصفها لأحداث ما بعد الوصول إلى الكربلاء, وبعد منع الماء عن الإمام الحُسين عليه السلام في ذلك الحر الشديد تقول هزلتون "بينما كان جيش
شمر ينتظر أن يحل الضعف بالحُسين جراء العطش ليأتي لهم راكعاً, تكوّنت أحداث تاريخية واحدة تلوالآخرى, أحداث لا يمكن أن تموت ... فالرموز
الشيعية كانت تولد حينها!". تطرقت إلى تفاصيل زفاف القاسم الشاب, عبدالله الرضيع, العباس وغيرها من الأحداث. عندما كانت هزلتون تصف زفاف
القاسم الذي تم على الرغم من عدم إمكانية إتمام الزواج بسبب العلم بالأمر المحتوم الموت- وماسيحدث من بعد ذلك, وصفته بأنه صوره للإحتفال
بالحياة على الموت, والمستقبل على الحاضر.
في توصيفها لليلة عاشوراء ولمحاولة تقريب الصورة للمتلقي الغربي المتأثر بالثقافة المسيحية, وصفت الكاتبة الليلة بأنها موازية لليلة العشاء
الأخير لدى المسيحيين والتي شارك فيها نبي الله عيسى حوّاريه العشاء للمرة الأخيرة قبل موته. وضّحت مدى إخلاص وتفاني أتباع الحُسين برفضهم
طلبه منهم بتركه والتستر بالليل للهروب ومدى تسليم الحُسين لقضاء الله عندما قال لهم "إنا لله وإنا اليه ارجعون"[10]. تم قضاء الليلة
الاخيرة بين الصلاة والتجهيز والدموع
الشيعة اليوم
في القسم التالي تعبر الكاتبة الزمن لتصف حال الشيعة اليوم وتعاملهم مع أحداث عاشوراء. فتوضّح مدى محورية الحدث بالنسبة للفرد الشيعي بحيث
تم إبقائه حيّاً سنة بعد سنة, وقرنا بعد قرنا, ولكن ذلك لم يتم بقراءة القصة كاملة ولكن بالتذكر والتكرار والتمثيل في العشر الليالي الأولى
من شهر المحرم. فتصف مواكب العزاء الضخمة التي تتكرر كل سنة "الكثير من الناس في كثير من الأماكن بشكل يشابه التمثيليات الضخمة التي كان
يقوم بها المسيحيون في العصور الوسطى لكن حتى أكبر تمثيل مسرحي في برودواي أوأي تمثيل غربي آخر يحظى بنفس هذا العدد من الجماهير". ثم تُسهب
الكاتبة في التفاصيل ومدى تأثر الناس وبما يواكب ذلك من لطم وبكاء. تقول هزلتون "قمة المأساة ليست حينما قتل الحُسين ولكنها لحظة القبول
بالموت".
في وصفها لمدى تأثير أيام عاشوراء, تعكس الكاتبة قدرة كبيرة في قراءة أبعاد الشعائر الحُسينية مثل التمثيل واللطم بشكل غاب حتى على بعض
الأصوات الشيعية الحديثة ممن تستنقص من هذه الشعائر وتعتبرها تخلفا أوغير مواكبة للعصر أوشعائر تصلح للمتاحف. فتواصل هزلتون المتخصصة في علم
النفس "إن تجمع الناس في بيوت الحُسين هوفرصة للبكاء, التأمل والتفكير, والعلاج. وعندما تتجمع النسوة لتجهيز زفاف القاسم من سكينة وتجهيز
منام عبدالله الرضيع وما يصاحب هذا التمثيل لاحقا من توزيع للحلوى, فإن هؤلاء النسوة يخلقن رابطاً بين أولادهن والحُسين وقضيته مما يُسهم في
ترسيخ مبادئ تحفظهم من العنف والمخدرات وكل أمراض العصر الأخلاقية".
تواصل الكاتبة وصفها للشعائر الحُسينية والتي تصل ذروتها في يوم العاشر الذي تخرج فيه الناس بالمئات في القرى وبالآلاف في المدن وبصوت باكي
تواصل وصفها للطم على الصدور وما يواكبه من صياح "ياحسين..ياحسين" فتقول " صوت ضخم يمكن سماعه من بعيد وكأنه صوت جرس كاتدرائية في يوم
الإيستر ولكن التعجب يزداد عند معرفة أن مصدر هذا الصوت الضخم إنما هونتاج ضرب الكفوف على الصدور!! وبعضهم تقصد الشيعة- يذهب أبعد من ذلك,
فبعضهم يضرب ظهره وأكتافه بالسلاسل والشفرات حتى تسيل منهم الدماء, وبعضهم يضرب نفسه بالسكاكين حتى تختلط الدماء السائلة من رؤوسهم بدموعهم
في موقف خليط من القدسية والرهبة". يلاحظ في هذا المقطع دقة وصف الكاتبة لمراسم عاشوراء ويُلاحظ أيضا أنها لم تستنقص أوتنتقد هذه الشعائر
وإنما وصفتها بإحترام وموضوعية في تطبيق لمبدئها المُشار له أعلاه "الخطورة تكمن في التفكير أحادي الأبعاد".
وتختم الكاتبة بـ" في اللحظة التي قُتل فيها الحُسين, وما يعتبره السنة تاريخا, وُلد تاريخ مُقدّس لدى الشيعة والذي سيكون شعلة لكل ما سيحدث
لاحقا ... والخلافات حول التفاصيل الدقيقة في المعركة تسقط أهميتها امام حدث بهذا العمق والضخامة.... فموت الحُسين يعبر التاريخ الى تفاصيل
ومكوّنات التاريخ ويدخل مساحة الإيمان والإلهام والعشق العاطفي والديني......
* الكاتبة
ليزلي هازلتون ذات الخلفية اليهودية من مواليد إنجلترا, نالت درجة البكالريوس في علم النفس من جامعة مانشستر الإنجليزية والماجستير في نفس
التخصص من الجامعة العبرية في القدس المحتلة. تخصصت في مجال تقاطع الدين مع السياسة. عملت مراسلة لمجلة الـ Time من فلسطين المحتلة وبعدها
ككاتبة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط لكثير من المنشورات مثلThe New York Times, Harpers, The Nation وغيرها قبل أن تستقر قبل خمسة عشر عاما
في أمريكا وتنال جنسيتها. ألفت أكثر من أحد عشر كتابا وعملت كمحاضرة في بعض الجامعات الأمريكية منها جامعة واشنطن بسياتل وجامعة بنسلفانيا
الحكومية وجامعة باسيفيك لوثرن[5]. من أشهر أقوالها "الخطورة تكمن في التفكير أحادي الأبعاد".
* كتاب "مابعد النبي: ملحمة الإنقسام بين الشيعة والسنة في الإسلام": عاشوراء والمتضادات!!
|
|