Back Home Next 

 الفقه الأسلامي المعاصر- وكيفية الخلاص من المحنة
 

تأليف الدكتور: محمد شحرور
عرض الدكتور: عبد الجبار العبيدي - بتصرف

jabbarmansi@yahoo.com

 

بعد ان تحدثنا عن الوصايا العشر في القرآن الكريم وأزمتها الحالية في التنفيذ والتي نعاني منها اليوم الفرقة الاجتماعية والنفسية، وتابعنا ما جاء في القرآن الكريم وكيف فسرت الآيات القرآنية بشكل مغاير للحقيقة والواقع، لابد لنا من ان نعطي البديل لحل هذه الازمة ليفهم الناس صدق القول في معالجتها دون قصد معين من الطعن بأراء الفقهاء والمفسرين .
يطرح المؤلف عدة شروط يعالج بوجبها الازمة الحالية التي تواجه الفقه الاسلامي كحل لها وهي:-

  1. فهم اللسان العربي على أنه خالٍ من الترادف، وأن أي نص لغوي من الكتاب او من خارج الكتاب لايفهم ألا على نحوٍ يقتضيه العقل.

  2. أستيعاب الارضية العلمية للعصر الذي يعيش فيه المشرعون. لذا لابد من استبعاد الفقه القديم.

  3. أستيعاب القوانين الاقتصادية والاجتماعية للعصر الذي نعيش فيه.

  4. اعتبار علماء الطبيعة بكل فروعها (هندسة- طب- فلك- رياضيات- فيزياء – كيمياء –علوم انسانية...الخ) هم الساعد الأيمن للمشرع . أنظر الآية (7) من سورة آل عمران.

  5. الأعتماد كلياً قبل أصدار أي حكم بمقياس على توفر البينات المادية. لذا فأن علماء الاحصاء بالذات هم شركاء المشرعين الذين لا غنى للمشرع عنهم.

  6. أذا تغير أحد الشواهد (وهنا هي الظروف الموضوعية)- فيعاد النظر بالأحكام، اي الخضوع لنظرية التطور.

  7. أعتبار ان قاعدة (أن صح الحديث فهو مذهبي) ليست صحيحة دائماً لأن صحة الحديث لا تعني أنه مطلق.

  8. عدم التقيد بأي مذهب فقهي تاريخي مهما كان نوعه. فقد انتهى زمن المذاهب الاجتهادية بأنتهاء عصرها وحلول التكنولوجيا الحديثة.

  9. أعتبار الأعراف التي هي بنية فوقية لبنية تحتية هي العلاقات الاقتصادية والانتاجية هي موجه للتشريع.

  10. عدم النسيان مطلقاً من ان أساس التشريع الأسلامي والحياة الانسانية هو الحرية والأباحة.

  11. يجب عدم نسيان ان الاسلام دين حنيف (متطور) فأي تشريع يعرقل مسيرة التقدم في المجتمع والعدالة النسبية فعلينا ان ننحرف عنه (نميل عنه) دون الخروج عن الحدود.

  12. ألغاء الفتوى وأستبدالها بالقانون، ماعد فتاوى القضايا الشرعية.


يجب على المشرعين المعاصرين تدقيق مبدأين:-
أولا- باب سد الذرائع:

  1. لقد جرى تحت هذا الباب تحريم كثير من الحلال فنحن أذا أخذنا الأسقاطات السياسية لهذا الباب فينتج عنه اعلان حالة الطوارىء والاحكام العرفية. فحالة الطوارىء والاحكام العرفية تطبق عندما تخاف الدولة من أمور قد تحدث، لا حدثت فعلاً وتحتاط لهذه الامورسلفاً. هذا الباب يعتبر من أهم أبواب الفقه الاسلامي الذي يجب تدقيقها واعادة النظر فيها. لأن الاسلام لا يحتاج الى سد الذرائع فيه.
    وقد يقول البعض ان هناك طب وقائي،  أفلا يمكن ان يكون هناك تشريع وقائي؟ ويجيب المؤلف :ان هذا القياس هو قياس خاطىء للاسباب التالية :-
    لم يظهر الطب الوقائي الا بعد بحث علمي وتدقيق بأن عدم تعقيم الأدوات الجراحية يسبب تلوث الجرح، وأن لقاح الاطفال ضد الجدري والسعال الديكي والدفتريا هو مانع فعلاً لا فرضاً، وذلك بعد آلاف التجارب. اي ان الطب الوقائي مبني على بينات مادية موضوعية وصل اليها المشرع عن طريق الدليل العملي لا النظري.

  2. ومع ذلك فأن المشرع لم يضع ثواباً أو عقاباً لمن لا يلقح أولاده، أي ان الطب الوقائي لم يساهم بحجز الحريات الشخصية الامن باب معرفي فقط،،  لا من باب أخلاقي، ولا من باب جمالي، ولا من باب الحلال والحرام.

أما باب سد الذرائع فقهياً فلا يمكن أن يستعمل الا بعد تقديم الدلائل المادية البرهانية عليه. فلا يحق للمشرع ابداً ان يقول: (اذا خشي كذا وكذا وعليكم بكذا وكذا، هذا ليس تشريعاً. فالمشرع عليه ان يثبت فعلا حدوث الفعل ويقدم الاحصاءيات والنتائج المادية التي حصلت فعلاً. وعليه واجب تقديم الحل التشريعي، لذا فعلم الاحصاء هو الشريك المباشر للقانون حيث لا يمكن التشريع بدونه ان يكون فعالاً، لأن أي فتوى فقهية او قانونية فيها حجز لحرية الناس، والحرية هي قدس الاقداس للحياة الانسانية، فلا يجوز العبث بها بسهولة وبدون الشعور بالمسئولية. وعلينا ان نعلم ان التشدد يحسنهُ كل أنسان: الجاهل والعالم والفقيه وغير الفقيه. وهو لا يحتاج الى فقه ولا الى بينات.
لذا يجب ان لا يستخدم باب سد الذرائع الا بعد تقديم البينات المادية المقنعة للعقل البشري من حيث التنفيذ بأحصائية ثابتة.


ثانياً- باب درء المفاسد أهم من جلب المنافع:
هذا الباب هوعيب من عيوب الفقه الاسلامي يجب تدقيقه وأعادة النظر فيه لأنه اذا طبق – وهو المطبق فعلا اليوم- كان من نتائجه فقدان روح المغامرة عند الانسان المسلم. وعند الشيعة يسمونه (درء الخطر). وهنا يجب ان نفهم ان المفاسد والمنافع نسبية تماماً فمثلاً عندما يذهب الشاب العربي الى أوربا، فقد يقع في المحارم، فاذا طبقنا هذا الباب على الحدس والتخمين معناه منعنا شبابنا من التعلم.
ان على الفقهاء والقانونيين جميعاً ان يتخلوا عن هذا الباب كلياً ولو مؤقتا لأختيار النص المناسب للقانون مزودا بالأحصائيات والقرائن التي يقبلها المنطق القانوني، ثم الأفتاء به. وليكن درء المفاسد بالقانون العقابي الملزم ضد من يفسد عمداً.

وهكذا نرى ان الفقهاء والقانونيين هم أكثر الناس أحتياجا للمعلومات المختلفة في الطب وبقية العلوم الاحصائية في كل مجالات الحياة، أي أنهم سيكونون أكثر الناس أستعمالاً واستفادة من الحاسوب الالكتروني. ان خبراء الطب هم الذين يعتمد عليهم في اصلاح ذات البين.


النتائج التي ترتبت على الفقه الاسلامي حالياً: نقول بتصرف،
-----------------------------------------
ان فقهاء المذاهب الفقهية الخمسة الرئيسية " الجعفري والحنفي والحنبلي والمالكي والشافعي" هم أطر تفاعل الاسلام مع مرحلة تاريخية معينة عاشها هؤلاء الفقهاء الأجلاء، بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد قاموا بتقويم السُنة النبوية والخلفاء الراشدين، حيث بدأ النبي(ص) هذا التفاعل، ومن بعده الخلفاء الراشدين(رض). وجاء الفقهاء وأطروه ونهجوه ووضعوا له أسساً تنسجم مع الشروط الموضوعية التي عاشوها هم، لا نحن. ونحن لا نشك ان فقههم اجاب على المسائل المطروحة في عهدهم بأيجابية وفق سياقه التاريخي، وقد كان تفاعلهم مع مجتمعهم تفاعلاً أيجابيا ًووطنياً في نفس الوقت، حتى ان الشافعي كان له مذهبين: القديم والجديد، والجديد جاء به بعد ان أستقر في مصر وتغيرت الاحوال في عهده. لكن عهودهم واجتهاداتهم الفقهية ولى زمانها اليوم بعد ان تغيرت الاحوال وحلت التكنولوجيا بديلاً .
لذا فأن ما جاء بكتاب (العقد الفريد) ان الفقهاء آفتوا بقولهم: "أذا كان الحاكم عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وأذا كان ظالماً فعليه الوزر وعليك الصبر". واستمرت الحالة في العهود التي تلتها والتي اماتت فكرة النهوض بالامة حضاريا، لذا من اجل بناء وطن جديد لابد من استبعاد المذهبية نهائيا في التطبيق.
هذا التوجه الذي جاء في العقد الفريد اصبح بموجبه النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، وأخذت الحياة والعلاقات الواقعية تتغلب تدريجياً على الواقع الاجتماعي الجديد. ونتيجة لهذا الواقع المتردي أصبح الحاكم الظالم وفق التنظير الجديد أفضل من أنعدامه خوفا من الفتنة، وهكذا ظهر الفقهاء الذين ساهموا بتردي الفقه والدولة والقانون وأنسياقها نحو الضعف العام الذي لا زلنا نعاني منه الى اليوم.
أنظر كتاب أصول الضعف لمؤلفه د. علي كريم سعيد


من هؤلاء الفقهاء على سبيل المثال لا الحصر هم:
-------------------------------------------------
الماوردي (ت450 هجرية) الذي اشترط بعدم جواز خلع الامام لصالح مرشح أفضل منه أي لا تفضيل للأفضل، وجاء الغزالي (المولود في 450 هجرية) ليضع نظرية الاعتراف بالسلطة كيف ما كانت دون اعتراض، لان البديل هي الفوضى، وقال :( الضرورات تبيح المحضورات). ثم بدر الدين أبن جماعة (ت1333م) الذي أقر بطاعة الحاكم حتى لو كان ظالما فهو ظل الله في الارض، ثم جاء أبن تيمية (ت728 هجرية) ليقول ان فصل الدين عن الدولة سيعني الفوضى دون اعطاء البديل. وتستمر الحالة في العهد العثماني الى الحرب العالمية الاولى وأنتهاء الدور العثماني ومجيء الانكيز لنرى ان المرجع الشيعي الكبير في النجف الأشرف السيد كاظم اليزدي( 1918-1921) ظل يؤكد عل الخوف من الفتنة. وهو نفس العذر الذي أعتذر به الغزالي وأبن تيمية وغيرهم. والالحاح على الحركة الوطنية العراقية بضرورة التصالح مع الانجليز، والاعتذار لما حصل ضدهم في معارك النارنجية والرميثة،مشجعاً على التقية الاجتماعية والسياسية وما يفرضه الواجب الوطني والديني عليه حسب تصوره الديني، فمهد لسلطة الجور بعد الحرب العالمية الاولى بالاستيلاء على مهام الامور في العراق، مما دفع الناس للعيش خارج الحياة العامة بحجة عدم جدية المعارضة الوطنية. فظل الوطن تحت رحمة المحتل بعد ان أنسحبت الشيعة عام 1921 من المعترك السياسي بحجة التقية وتحريم العمل في الدولة، فأضاع على الشيعة مستقبلهم السياسي لفترة طويلة من عمر الدولة.
وحين تشكلت الوزارة الأولى برئاسة المرحوم عبد الرحمن النقيب فيما بعد بأتجاه واحد كان رغبة من النقيب بالخروج من شرنقة الاحتلال بأية طريقة وليس رغبة منه بالتفرد بالحكم كما هو شائع ومعروف بأستبعاد الشيعة من المشاركة في حكم الدولة، لكن قادة الشيعة هم الذين رفضوا استلام المشاركة فيه بحجة التقية، مما دعا النقيب الى محاولة اقناع بعضهم،  فقبل المرحوم مهدي بحر العلوم استلام وزارة الصحة مثالاً لبرهان حسن النية تجاه الشيعة ولتحفيزهم على الاشتراك بالمسئولية الوطنية مستقبلا،  كون النقيب كان مجبورا على تكوين الدولة والخلاص من الأحتلال،  وهذا موقف وطني محسوب له في ذلك الوقت،  وللمزيد من المعلومات- أنظر الحسني – تاريخ الوزارت العراقية- فظلت الوحدة الوطنية تعاني من عدم أكتمالية العمل الوطني الموحد بفعل التوجهات الفقهية الخاطئة. وظلت الشيعة بعيدة عن تجربة حكم الدولة، لذا اصابها الفشل في التنظيم بعد 2003 لقلة خبرتها وتجاربها في الحكم .
ان من الاخطاء القاتلة التي مرت بها العملية السياسية اليوم وولدت كل هذه الفوضى والتراجع السياسي، هو ان سياقات الحكم بنيت على المحاصصة الطائفية البغيضة المرفوضة شرعا وقانونا والتي جاءت بلا كفاءة في ادارة الدولة، وبتشريع قانون الانتخاب الذي بني على المقسم الانتخابي الباطل وبنظرية التعويض التي جاءت بنواب لا حق لهم بتمثيل مناطقهم، وتوجوا خطئهم القاتل بدستور ناقص كتب من غير المتخصصين بالفقه الدستوري وكتابة الدساتير، ها هو الوطن اليوم يعاني من التخلف والفساد رغم وجود الثروة الهائلة التي اضاعوها ولا زالوا بدون علم وتنظيم حتى ان العراق اليوم يقاس بمقياس دول المتخلفين.
فكانت بداية اسفين الفرقة بين الطرفين والتي استمرت مع الاسف الى اليوم .
 

وتعليقاً منا نقول:
واليوم تتكرر المأساة لكنها أقسى وأمر واشد مما عانينا منه في بداية الحكم الوطني بعد 1921. بعد ان حلت الطائفية والعنصرية والمحاصصية الوظيفية الظالمة التي أقرت لصالح صاحب السلطة واعوانه دون الأخرين،  وتتحمل مسئوليتها التاريخية كل الفرقاء العرب والاكراد والتركمان والاقليات الاخرى التي اشتركت في مجلس الحكم وما سمي بالجمعية الوطنية. وبعد ان شكل الحاكم العسكري بريمر الكيانات السياسية الهزيلة المنبثقة عن مجلس الحكم صاحب الامتيازات الشخصية أنظر كتاب بريمر (سنتان في بغداد) والتي انفردت بحقوق الشعب لصالح الأقلية من قياداتها بما خطط المحتل لاعادة احياء نظرية (فرق تسد) التي اماتها العراقيون منذ عام 1918 لتدميرالوحدة الوطنية والشعب عن قصد. وتتحمل كل الجهات هذه المسئولية الخارجة عن القانون بعد ان وافقت عليها في مؤتمر لندن عام 2002 .
فأين الفقهاء والمرجعيات الدينية من الحقوق الوطنية؟ولماذا سكتت عنها ؟
من هنا بدأ الانكسار وكأن التاريخ يعيد نفسه الآن، حينما وقفت المرجعية الشيعية اليوم موقف المتفرج مما يحصل لشعب العراق من دمار وتخريب متعمد وضياع للمستقبل الوطني ككل بعد الاحتلال البغيض الغير المُشرع في 2003،  وهي مسئولة امام الله والشعب تجاه هذه السلبية. لا بل دخلت في معارك جانبية مهدت للقيادات السياسية من التمادي في الحقوق الوطنية دون مراعاة للثوابت الوطنية بأعلانها التأييد لها في الأنتخابات خوفا من الفتنة كما حصل في موقف الفقهاء في القرن الخامس الهجري وما بعده .ولم نسمع فتوى واحدة ضد هذا الواقع المرالذي يعيشه الشعب العراقي المظلوم اليوم، سوى تمتمات من هنا وهناك لاتنفع المستجير من الرمضاء بالنار. بينما حين أستبد المد الشيوعي الظالم بالعراقيين بعد عام 1959 وبدأ يهدد أمن الدولة ومستقبل الشعب، تقدمت المرجعية الشيعية مساندة للزعيم عبد الكريم قاسم – رحمه الله - من لجم هذا الوباء الشيوعي المجرم بقيادة سماحة المرحوم السيد محسن الحكيم - طيب الله ثراه - بفتوى بتحريم الشيوعية صراحة واتجاهاتها الخطرة وقتذاك متحملة وزر ما قد يقع مضحية من اجل الواجب الشرعي للأمة فكانت هي الحل وهذا هو الموقف الشرعي الصحيح .
أما اليوم فلااحد يحذو حذوه في تحريم الأستبداد وتدمير الدولة ونهب اموال العامة وهروب المسئولين الفاسدين بها خارج الوطن دون محاكمة وتستر القضاء عليهم بعد ان سيس القضاء لصالح السلطة،  وقتل الناس على الهوية وأستباحة الدماء المحرمة دون رادع من ضمير، ولو كانت المرجعية الشيعية عراقية الاصل اليوم لكان لها نفس الموقف ولتبدلت الامور وتغيرت الاحوال لصالح الوطن والشعب، فالمواقف الشرعية لا يستطع احد ردها. وهذا هو التقصير الشرعي منها اليوم ولاعذر لها فيه امام الله والشعب المدمر. ولم يعد الوضع العراقي اليوم فريدا من نوعه في اختراق الثوابت الوطنية التي يجب ان لا تخترق كالدستور والقانون والامن والثروة والارض والمياه والتنازل عن حقوق العراق الحدودية للاخرين، بل تعداها الى تطبيق المحاصصية والطائفية كقانون في الدولة فماتت المسئولية والكفاءة في اجهزت الدولة وحلت محلها الرداءة والفساد والافساد.
لكن الخطر الاكبر هو ان يتعود الشعب على هذه الحالة الخطرة وتصبح عنده قناعة، ساعتها أقرأ على الشعب والوطن السلام،
وهذا هو الهدف الاساس من التغيير بنظرية اعداء العراق.
ان هذه السابقة الخطيرة لم تحصل عند العراقيين من قبل ولا حتى في عهد الاحتلال المغولي عام 656 للهجرة 1258 للميلاد، حين سلم المغول بغداد للعراقيين بعد ثلاثة اشهر من الاحتلال بعد قناعتهم بوطنية العراقيين، ولعب الفقهاء دورا كبيرا في هذا التوجه. فعادت الامور الى مجاريها واخذ المغول الدخول في الاسلام والتقارب من العراقيين بعد ان لمسوا منهم الوطنية والتعاون،  الا في هذا الزمن الأغبر المر الذي لا نسمع من قادتنا الا النقيض في الثوابت الوطنية. حالة فريدة وصعبة سكتت عنها المرجعية الدينية الشيعية اليوم، بلا تبرير شرعي لها. ولا عذر لها أمام الله والشعب ابداً ان هي استمرت في السكوت. ونحن لنا وطيد الامل بأن تلعب الشرعية الدينية دورها في أصلاح الحال الذي وصل الى المنحدر الخطير.
وهكذا نجد ان المفكرين والفلاسفة الفقهاء قد وضعوا الاسس الفكرية الاولى للضعف والتبرير التي شكلت اساسا للسياسة والحكم والتربية السياسية والاجتماعية للمجتمع والسلطة. وها نحن الان نعاني من تلك المسيرة الخاطئة للفقهاء حين فضلوا السلطان والمال على مصالح الأمة. واليوم نحصد ما زرعوا من نظريات فاسدة أحرقت الزرع والضرع، وولدت لنا حكاما من هذا الطراز الفاشل الذين لا يعرفون الا مصالحهم وأمتيازاتهم التي بها يتمسكون حتى لو حلت الكارثة بالأمة ككل، كما نرى اليوم ولانسمع منهم الا التهريج ولملمة المنافقين وتسليط سيف القوة على المواطنين. وهذا مخالف لنظرية المصلحة التي طرحها الامام علي(ع)حين يقول فيها: (أيها الناس ان الله قد أعاذكم من ان يجور عليكم ولم يعذبكم من ان يبتليكم، وان الدنيا لم تستقرالا على ماجعلها الله عليه من النعماء، فعلى أهل الصلاح رعاية مصالح العباد، والمسئولية تقع على موجهيهم من العلماء).
فأين نحن اليوم من هذا التوجه الحق. بعد ان اعدت حتى المناهج الدراسية وفق نظرية الفقهاء الخاطئة؟ فماذا يرتجى من الجيل الجديد ؟ .
والى هذا اليوم لم تثبت المرجعيات الدينية العراقية مجتمعة وجودها في درء الخطر عن الامة، او الافتاء بما ينفع الناس ويزيل الغمة سوى النصائح التي لا تغني من جوع فأين هي الان؟ هي تتقاتل الآن فيما بينها على المصالح الدنيوية بعد ان تعددت المرجعيات غير الوطنية، وهل سيبقى المذهب عند المرجعية افضل من ارواح وثروات الناس والوطن؟ وهل ستبقى المرجعيات محصورة بعلوم لا تنفع،  واجسام لا تتحرك ؟ الا في أزقتهم الخاوية على عروشها، والتي لا نسمع منها الا تمتمات معارضة من هنا وهناك كذر الرماد في العيون .
وها هي محافظات الوسط والجنوب بعد ان رأيتها بعيني بؤس وفقر وتخلف لا نظير له- انظرالأيتام والارامل الذين بلا معيل ودور الرعاية الاجتماعية البائسة، والتدريس داخل المدارس الابتدائية والتلقين والشوارع المهدمة والارصفة المكسرة والأزبال المكدسة -،ولكن عند الحديث ترى قيادتها ومحافظيها ورجال الدين بالملبس والجخ لا يبارون هذا هو التغيير عند رجال الدين وقيادات الجنوبيين؟
فالشمال يبنى ويُعمر، والجنوب يُخرب ويُهدم، وهل سيبقى التغيير مرهونا بهم؟ هؤلاء الذين هم مثل دكك الموتى لا يرجى منها الرجاء. و تبقى وكلائهم يخرجون علينا كل يوم بفتاوى ما انزل الله بها من سلطان لم تثمر عن اية فائدة في ردم الهوة التي تعاني منها العملية السياسية في العراق مثلا. وأتخذت من خطب يوم الجمعة أفيونا لتخدير الناس وحثهم على العمل بقولهم :
(وأستعينوا بالصبر) لما يجري والركون الى الهدوء، بقولهم: (وما تشاؤون الا ان يشاء الله) والقبول لما كان وسيكون، وبهذه الجبرية والهرطقة والديموغوجية يريدون ان يصلحوا الامة بعد ان فسدت الرؤوس، وهم في ثرائهم وقصورهم في لندن وعمان ودبي واربيل والغون، واللاهون بمصالحهم الشخصية يفعلون ما يشاؤون،


فأين فقهاء الدين؟
لقد حاولت المعتزلة منذ القرن الثاني الهجري تقديم أطروحة فلسفية معرفية للكون والحياة والانسان والتنبيه لما قد يحصل للأمة مستقبلاً، حين قالت: ان القرآن ليس نظرية تتعامل مع الفروض، أنه منهج شامل يتعامل مع الواقع، وقالوا ان القرآن محدث لا قديم وشككوا بنظرية النقل، واصروا على نظرية العقل، وجعلوا الحرية المنطلق الاساس للتفكير، وأتفقوا مع نظرية الامام علي(ع) بأن (العقل هو الحجة). وقالوا ان المرجعية الدينية يجب ان تكون نافذة بحكم الشرع، لكنهم بالحركة المناوئة لهم من قبل فقهاء السلف على عهدي المعتصم والواثق، حتى جاء ابو الحسن الاشعري ليجابههم بنفس سلاحهم ثم اكمل الفلاسفة المسلمون هذه الحملة التي انتهت بتجميد الفكر الاسلامي وتشويه نظرية المعرفة. واليوم ينبري لنا اهل المحافظات الغربية ليحتظنوا السلفية والنصرة والقاعدة ليميتوا هذه الامة الى الأبد، تساعدهم دول التخلف النفطية والمال التي ترى في تحرر العراق موتا لها، وهم مصدقون .
وحين وقعنا في خرافات واوهام التصوف، واستبدلت الجامعات والمعاهد بالزوايا والتكايا المليئة بمضيعة الوقت، وحلقات الدراسة المعتمدة على القشور كالطهارة ومفسدات الوضوء واللحى الطويلة والدشداشة القصيرة والسواك وزواج رضاعة الكبير وزواج نكاح الجهاد والمتعة،  وما سمي بعذاب القبر ليزرعوا الخوف في النفوس وليحولوا الاسلام الى طقوس،  فأبُعد المجتمع عن حاجاته الاساسية في التقدم والتطور وترك الدولة للسلطان والعبث بها دون منازع . نحن بحاجة اليوم الى أحياء فكر الوطنية الخالصة متمثلة بعقلية التكنوقراط المحتومة. بمفهومها الحالي. وما لم يتح للدولة العراقية اليوم رجال من هذا الصنف من الرجال لن تكون لنا الا النهاية المفجعة في المصير. والحل اليوم بيد المرجعية ان هي اخلصت لله والوطن وحذرت وحرمت من انتخاب المقصرين.
ان الطرح الذي ينادي به السلفيون الوهابيون والقاعدة التي أحلت قتل الناس على التهمة وأصحاب السلطة الدينية والقائم على فكرة ألغاء الزمان والمكان واغتيال التاريخ وأسقاط نظرية العقل، ما هو الا هروب مقنع من مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين وهزيمة نكراء امام هذه التحديات. وهي البحث عن الذات في فراغ وليس في ارض الواقع بتطبيق أحكام الشريعة اليوم على اساس ان الاسلام هو الموروث من كتب الفقه وكما تراهم اليوم قد أهملوا نظرية التطور وقتلوا المرأة وأفقدوها حقوقها وجعلوها للمتعة الجنسية ولا غير، وحولوا ايام السنة كلها الى مناسبات دينية زادت عن ثلث ايام السنة فزادوا من قوقعتنا وتخلفنا والحِجرِ على عقولنا ووضعونا في سجن حديدي مقفل. وجعلوا التشريع على اساس ان حدود الله هي تشريع عيني وهو طرح غير مقبول، ووهم لا يمكن ان يكتب له التصديق والنجاح..
ان شيوع فكرة ان حياة (الاسلام تصلح لكل زمان ومكان) وفق هذا التنظير الخطير، هذا غير صحيح، فالقرآن ثابت في نصه متحركا في محتواه متماشيا مع نظرية التطور الزمني والأنساني (قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدا الخلق، العنكبوت 20). لكن نظريات فقهاء التنظير خاطئة لا تتوافق وفق هذا التوجه الرباني الكبير .
ان الاسلام يصلح لكل زمان ومكان بمفهومه الحقيقي لا التراثي المبني على اراء الفقهاء ورجال الدين الوهمي. ولكن حين الاقرار بأن الوحي لايناقض العقل ولا يناقض الحقيقة ويسود منطق الحنيفية (نظرية التطور) والاستقامة وفق نظرية الحق والعدل، ساعتها نستطيع ان نبني منهجا ايجابيا للخروج من المحنة الحالية.
نحن نستصرخ اصحاب الفكر الحر والعلماء واساتذة الجامعات من تكوين حركة فكرية علمية ناهضة لمقاومة هؤلاء بالحجة والمنطق، وتغيير مناهج الدراسة لصالح الاسلام الحقيقي لا تفسيرات الفقهاء ورجال الدين هؤلاء المتحجرين. أنظر كيفيفة التدريس في المدارس الابتدائية على يد العجزة ورجال الدين في العراق اليوم ؟
نحن بحاجة الى حركة تصحيحية حقيقية تريهم الخطأ الذي هم فيه سائرون وتعصف بهم الى حيث ينتهون. ونطرح منهجا جديدا في الفقه الاسلامي ونطبقه على احكام المرأة، والوصية والأرث والزواج المتعدد الخاطىء التفسير، وضمان حقوق المرأة المطلقة دون ان نسمح للمُطلقِين ان يرموها في الشارع او عند الاقرباء ذليلة بلا معيل (أنظر القانون الأمريكي في حقوق المطلقات هو القانون الاسلامي الصحيح). هناستنتج ألاحكام التي لم تكن عند الفقهاء كلهم متماشية مع تطور الحياة الجديد. وليبدأ العلماء لا الفقهاء بصياغة نظرية اصيلة في المعرفة الانسانية (جدل الأنسان)، منطلقة من القرآن الكريم، أذ ان المنطلق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الصحيح. وتحويل اموال كل ما يطبع اليوم من كتب التراث الميت القديم الى بناء المدارس والجامعات وسيادة منهج العلم الجديد، والنظر في المناهج الدراسية الخاطئة دون تفريق واستبدالها بالصحيح والثورة على عقليات التخلف عند رجال الدين الذين عبثوا بالعراقيين وفكرهم ورميهم خارج التاريخ لننتج مواطنا يؤمن بالله والوطن والأنسان ولا يؤمن بالطاغوت كما كان عند الجاهليين.


نحن نطالب الدولة اليوم وبقانون حضاري نافذ : الى تعديل الدستوروألغاء المواد الدستورية التي تتعارض مع مصلحة ا الوطن.

والغاء قانون الانتخابات بالكامل واستبداله بقانون ناخب واحد لمنتخب واحد وفق المناطق الانتخابية والغاء المقسم الانتخابي والتعويض الذي اوصل الكثير من النواب لهذا المجلس وهم من غير المنتخبين واعادة النظر في امتيازات النواب المتواجدين منهم والهاربين. وألغاء الاحزاب والكتل التي مزقت الامة وبعثرت المال وأوجدت لها مكانة سياسية على حساب المواطن، واستبدالها بحزبين، احدهما مؤيد للحكومة المشكلة من الأغلبية الفائزة بالأنتخابات، والاخر معارض لوضع الدولة في المسار الصحيح وبفقه دستوري جديد بعد ان اصبحت الكتل وقادتها وسيلة من وسائل الضغط على السلطة التنفيذية لمسامحتها في كسب المنافع والتخريب.
واعادة النظر في قانون المسائلة والعدالة لصالح الحق والقانون فليس كل من كان بعثيا هو عدو للدولة بالضرورة وانما بالقانون، وتحدد مسئولية مرتكب الخطأ من عدمه ومحاسبة كل المقصرين اليوم والبارحة دون تمييزبعد ان سرقوا الدولة ودمروا الوطن والمواطنين، فالعراقيون كلهم شركاء في هذا الوطن دون تفريق كما حصل للألمان بعد الحرب العالمية وسقوط الهتلرية. (أنظر هتلر والنازية في محاكمة النازيين، دائرة المعارف البريطانية-المتحف البريطاني لندن). ).
وعلى الامين العام لحزب الدعوة ان ينتقل الى مرحلة التطبيق ويترأس حزبا سياسيا يتماشى ونظرية المقياس الحضاري في العمل والتطبيق، ولا يبقى يعتمد على فكر المرجعية في التطوير،  فذاك زمان مضى بعد ان انتهى فكر حزب الدعوة الذي كان يمهد للتغيير ( انظر اصول الضعف ص190 وما بعدها)..وجعل نظرية الأمام المهدي المنتظر مربوطة بالغيب اللا مدرك الا من الله حتى لا تستغل من قبل رجال الدين التي جعلوا منها أسفينا للتخدير وهمود الهمة في مواجهة نظريات التطور الحديثة للمواطنين .
كفاية ياسادة بعد ان مضت عشر سنين عل التغيير وأنتم تتجاهلون الشعب وتعبثون كما عبث صدام من قبلكم بالوطن والمواطنين....؟
لقد اصبحنا اليوم نواجه مشهدا ينطق بصوت الكارثة القادم من بعيد، لنأتي بشروط الفقه الالزامي المعاصر الذي هو الحل لتخليص الامة من هذه الآفات التي حلت بوطننا منذ بداية العصر العباسي الثاني على عهد المتوكل وبمرجعية قانونية لا دينية تؤمن بالتغييرلنتخلص من الشحن الطائفي الخاطىء اللئيم..
فهل من مجيب ؟.