يهدي المؤلف هذا الكتاب الى الانسان الفذ الذي عاش بين الفقراء وضد الفقر،
ومع المحرومين وضد الحرمان، ومع الجماهير وضد الطغاة. الى القائد المقاتل الذي جمع بين اللين والقسوة،
وبين الرحمة والعنف، ودخل ساحة الحرب من اجل الحق قبل أن يبلغ الحُلم.
الى من أغتسل بالألم والعذاب، وتعرض لعواصف التهم والشكوك، وبقي مخلصاً في العطاء،
صامداً بوجه الباطل،
مدافعاً عن الشرف والكرامة والوطن والدين.
الى من قال في صبيحة يوم أستشهاده:
فأن الموت لاقيكا |
|
أشدد حيازيمك للموت |
أذا حل بواديكا |
|
ولا تجزع من الموت |
كذاك الدهر يبكيكا |
|
كما أضحكك الدهر |
الى شهيد الحق
علي (ع) هذا الأهداء.
وتقول المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر عن هذا الكتاب :
ان الطروحات الفلسفية التي أشتمل عليها فكر الامام علي(ع) في نهج البلاغة تُمثل نمطاً من التفكير يغلب عليه طابع
الاعتزال. ورغم ان ما جاء في غالبيته قد خالف النهج الفلسفي المتعارف عليه،
فان روعة العبارة،
وعمق المعنى، وجذالة اللفظ،
وغزارة المادة،
ونوع المواضيع التي تحدث عنها، وهي نفسها التي ترتد اليها محاولات الفلاسفة،
قديمهم وحديثهم على السواء، الا وهي:
الله والكون والانسان،
هذه الامور جميعها، تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن
(فكر الامام) هو في صميم الفلسفة، ومن المراجع الهامة التي يمكن ان يعتمد عليها في البحث عن مبادىء الاعتزال،
وان مؤلف هذا لطرح، وباعث هذا الفكر، أنما هو فيلسوف بمادته
الآيديولوجية وان لم
يعتمد الفلسفة، وان ما صدر عنه من أقوال وخطب، تعبر عن تواصل حقيقي
بين انسان وانسان، اي
انه مُقول في اطار أجتماعي وفي خدمة الغاية المتوخاة منها،
خصوصا اننا نجد مثل هذه الظاهرة عند المفكرين الصادقين في عاطفتهم،
والذي يأتي تفكيرهم تعبيرأً عن حالاتهم النفسية المختلفة، وهم يرسلون كلامهم على سجيتهم،
دونما ألتفات الى ما يعتوره من عدم ترابط في أجزائه بشكل تسلسلي واحد.
يتناول هذا
الكتاب بالبحث والتحليل تلك المواضيع الثلاثة، مُظهرا ما في هذا الفكر
النير للامام من أفكار فلسفية بالمقارنة مع ما صدر عن أهل الاعتزال في هذا المجال،
كاشفاً الحجاب عن جانب هام من جوانب التراث الاسلامي الغني المعطاء،
بأسلوب يوازي بين العمق والوضوح، وأنسياب العبارة وتسلسلها المنطقي.
كتب الامام علي
(ع) خطبه ومواعظه وعهوده ورسائله ووصاياه بلغة ادبية تمثلت باللفظ المنتقى والمعنى المشرف، وبالبلاغة المحكمة والمحسنات البديعية الرائعة، قل نظيرها لغةً وعلماً وفلسفة والتي جمعها
الشريف الرضي في سفره القيم الذي سماه نهج البلاغة.
توزع هذا الجهد
العلوي على 228 خطبة و79 بين كتاب ووصية وعهد، و488 من الكلمات
القصار، والتي احتوت على عوالم وأفاق الزهد والتقوى،
عالم العرفان والعبادة، عالم الحكمة والفلسفة،
عالم النصح والموعظة، عالم الملاحم والمغيبات، عالم السياسة والمسؤليات الاجتماعية، عالم الشجاعة والحماسة.
لكن المهم ان كل ما كتبه كان يهدف من ورائه خدمة العلم والناس أجمعين. واضعاً بين قلمه وعيونه رضا الله والصدق الأمين.
لم يكن نهج
البلاغة كتابا من أجل الأعلان والشهرة، وأنما جاء من أجل تحرير الانسان من ربقة الجهل وانارة عقله بالعلوم والمعارف،
تمهيداً لأيقاضه من سبات عميق ظل يغلب عليه عمر طويل، لبعث روح التأمل والتفكر عنده،
ومن خلال هذا التوجه الكلي للانسان يستطيع ان يتجه بعقله وفكره نحو الايمان بالله فهو خالق الكون وواهب الحياة.
ان منهجية
الكتاب تؤكد على محدودية حياة وقدرة الانسان،
وليس بمقدوره ان يدرك ماهية الحياة مالم يرتفع فوق الصغائر والشهوات،
ويتحرر من قيود المادة التي أوقعته ولا زالت توقعه في خضم الاشكاليات الصعبة التي اصبح الفكاك منها امنية صعبة التحقيق،
لذا ركز على مفهوم التقوى التي تهب النفس القوة والنشاط والحصانة من الخطأ،
وتبعدها عن الانحراف والزلل لتمتعه بالسعادة الابدية.
هذا التوجه الصائب يدفع الانسان ان يعيش لنفسه وللاخرين على حدٍ سواء.
مادام
الاخر أخو له في الدين أو نظيُر له في الخلق، أنها آيديولوجيا العقل
المفكر والفكر الواعي لمجمع الافكار.
ان أهم ما
يواجه كتاب (نهج البلاغة) هي حملة التشكيك به كونه للامام علي (ع) أم للشريف الرضي،
وسواء كان لأحدهما دون الاخر - رغم القناعة الثابتة بأنتمائه للامام علي – فأن هذه
الشكوك
لا تقلل من قيمة الكتاب ومحتوياته الفريدة في خدمة العلم والحكمة وانسانية الانسان على مر الازمان والدهور.
لقد واجه
المؤلف جملة عقبات في تاليف هذا الكتاب القيم، كان أهمها هي فرق الشك
بعدم أنتمائية الكتاب الى علي أمير المؤمنين، لقد أفلح الكاتب بتخطي
العقبات واثبات ألاصل بعد ان طبق المنهج العلمي لمعرفة النص بعد التمحيص الداخلي والخارجي له وفق أصول منهجية البحث العلمي، حين تفحص جوانب القوة والضعف فيه حتى استطاع ان يثبت الاصل
ببطلان النقيض، مما فوت الفرصة على المتشككين في الطعن غير المبرر. لكن الاصرار على البحث لمعرفة الحقيقة هو الذي سهل الامر عليه منطلقاً في تأليفه الى معرفة اثباتات ما قدمه الفلاسفة
والحكماء والعلماء لمعرفة "الله والعالم والانسان" .
يقول المؤلف ان
نهج البلاغة هو الكتاب الذي أستندت علية المعتزلة:
| لـتأكيد
الله وصفاته، |
| والعالم
وفكرة الخلق، |
|
والتربية العملية لأعداد الانسان للحياة.
|
هذه الافكار
الثلاثة أستمدتها حركة الاعتزال من كتاب نهج البلاغة، فصاغت نظريتها القويمة التي اعتمدت على الاصول الخمسة التي وضعتها واصبحت فيما بعد اسس قيام النظرية في معالجة مفردات الحكم الاسلامي
عندها. في التوحيد والقدرة الآلهية المطلقة، والعدل وتنزيه الخالق عن فعل القبيح فهو العدل الذي لا يجور، والوعد والوعيد وربط الايمان بالثواب والعقاب، والمنزلة بين المنزلتين لاصحاب
الكبائر وكيفية كونه لا مؤمن ولا كافر، وفي النظرية تفصيلات نحن بحاجة الى معرفتها لاحقاً، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي فريضة واجبة على جميع الانبياء والرسل
والمسلمين.
كلها وردت في
نهج البلاغة بأجلى صورها مما دفع الحركة الاعتزالية التي قادها واصل بن عطاء في القرن الأول الهجري الى ترجمة فلسفتها والتوسع فيها لادراك مضامينها كقاعدة لكل الناس في عالم الاسلام.
ومنها ظهر الواجب العيني والواجب الكفائي في التشريع، وتقرر على المسلمين تطبيق هذا الواجب لحفظ مصلحة العباد والنهي عن
المنكر ردعاً للسفهاء وسراق المال العام والمتلاعبين بحقوق الناس والخائنين لاوطانهم الذي يصفهم الامام (ع) بنفايات التاريخ.
ان تطبيق هذا الامر هوأحقاق الحق وتطبيق العدالة بأجلى صورها وهذا هو الاسلام.
لقد اجاد
الكاتب بما قصد اليه بعد ان وضعه باسلوب علمي مبسط فسهل على القارىء ادراك النتيجة المتوخاة من الكتاب.