Back Home Next 

البدايات والنهايات المعروفة .....؟
العراق نموذجاً
 

عبد الجبار العبيدي

jabbarmansi@yahoo.com

 

سجلت الحركة الموسوعية الأوربية اول نجاحاتها حين استطاعت ان تطلق حركة التاريخ والحضارة من عقالها، واخراجها من الدائرة المفرغة التي عاشت فيها اجيالا طويلة فرفعت شعارها المعروف: (لكل طموح حدود ولكل توسع مدى). في هذه الفترة ظهرت الصفوة في حكم الدولة. ففي روسيا الشيوعية ظهر ثلاثة من القياديين المفكرين هم: كارل ماركس،  وفردريك انجلس، وهنري لاسال، بعد ان ظهرت الثورة بقيادة أوليانوف الملقب بلنين ثم تروتسكي الذي كان من صناعة لينين. وفئة قلية من القيادات الثانوية والسكرتارية التنظيمية ربما لم يتجاوزا المائة، لكنهم كانوا من المخلصين الذين سموهم بالبواسل في الفكر والرأي والمعتقد. فكانت صفوةً مختارةً بدقة وأمانة وطنية عالية حتى بلغت أقصى ما تستطيع من الأتساع والنهوض. فجعلت همها الاوحد المحافظة على الثورة والقسم والمواطن فلم يكن في ارادتها ميل نحو الذاتية الشخصية ابدا وهي بلا دين،  دينها الوطن والأمانة والشعب والوفاء للقادة المخلصين. حتى ساروا في معارج القوة واصبحت روسيا تقاوم كل جبار عنيد حين دحرت هتلر وموسليني وكل المعاندين من طغاة الارض المجانين.

وفي العراق ظهر فيصل الاول والملك غازي وعبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف ومعهم جمهرة المخلصين، لكن المناوئين بحيلهم أغتالوهم حين ظنوا أنهم للعراق من المخلصين. فلا تكرروا عليكم المأساة فالوطن اليوم محاصر بالمتأمرين. فأغتالوهم فتوقفت عجلة التاريخ قليلاً، فهل ستعود بالمخلصين
؟

في آوربا بدأ الناس يديرون ظهورهم فيها للماضي والتطلع لكل جديد في المستقبل. وكانهم بدأوا يدركوا ان عصرا جديدا اخذ يلوح في الافق بكل امكانياتة المستقبلية، لكن الصدمة التي واجهتهم هو التغيير المفاجىء للثورة الفرنسية(1789)، حين تحولت مبادئها من الحرية والاخاء والمساواة التي جاءت من اجلها الى عهد الظلم والتعسف الذي كان سائدا على عهد ملوك اوربا في العصور الوسطى ونظريات الحكم الالهي في حكم الدولة،  فعادت المذابح والفوضى من جديد بعد ان ساهم بعض قادة التغيير امثال روبسبير ودانتون ومارا، الذين ارادوا ان يحولوا المكاسب التي تحققت على يد العلماء والثوار الى تدمير لهم ولامال الشعب الفرنسي العريضة على العدل القادم المنتظر وكأن تحطيم سجن الباستيل واخراج الابرياء والاحرار منه لم يعد ذي بال.

وهكذا تحولت الآمال عندنا اليوم الى سراب فهل ستعود.....؟

التاريخ لايعيد نفسه ابدا، لكن الحدث هو الذي يتشابه في زمن مغاير، وكأن الامنيات التي راودتنا يوم التغيير في 2003 سرعان ما تبخرت بعد ان انحرفت الاهداف عن مقاصدها، والنفوس عن التزاماتها، فظهر فينا من امثال روبسبير ودانتون ومارا الكثير الذين مالوا لانفسهم ونسوا الله والشعب والوطن والقسم، ولكن اين هم الان ؟ يتمنون لو لم يخلقوا، وفي كآباتهم اليوم ينزون، ولن يبقى اليوم الا المخلصون الذين بربهم يؤمنون وبالشعب والحق والعدل يوفون. ونرجو ان يكونوا على ما ألتزموا به يواصلون.

لم تلبث الا ايام حتى انتهت ايام الفرح لتعود فرنسا مرة اخرى الى حكم الطبقة والطائفة، وعاد المنتفعون القدامى يحصدون ثمار التغيير، وغاب عنها المخلصون الذين أكتووا بنيران الطبقات الدكتاتورية المتحكمة فيهم قبل التغيير، فشكلت الطبقة المتحكمة الجديدة (حكومة المجلس الاداري الاعلى) ثم حكومة القنصلية ليمهدوا الطريق لنابليون بونابرت لتولي السلطة وعودة مسلسل الحروب والطبقة المنتفعة والذين اغرقوا اوربا بها بالدماء وعودتهم لحكم الشعب من جديد. وكأن تضحيات الماضي قد أنطفأت وعادت فرنسا للطريق المغلق من جديد.

وهكذا عندما احس المنحرفون، والقاعدة المجرمة والمنتفعون ان ايامهم شارفت على النهاية، كونوا منهم ومن جيران الوطن عصبة كافرة بالله والوطن فسرقوا ونهبوا وقتلوا وشردوا باسمك يا وطن، وبقوا في وظائفهم مستغلين المحاصصة الطائفية البغيضة التي بها احتمت ظهورهم من كل ما اقترفوه من ظلم بحق الوطن، لكنهم والله ماكانوا الا من الكاذبين، نحن نعرفهم بسيماهم فهم اليوم المفضلون ونحن المبعدون، لا ما هكذا ياقادة التغيير تعملون.

لكن الذي حدث كان عكس التصور، فأن حركة التاريخ لن تعود الى الوراء ابد، فقد زعزعت الثورة الفرنسية اركان البيت القديم وان لم تهدمه. ولم يعد صالحا للسكن على الحالة الاولى التي بدا فيها للناس. لان التغيير ومنافعه حين يستقر في الاذهان يصبح من الصعب نزعه من افكار الناس بعد ان يشعروا ان البديل هو عودة الظلم وفقدان الحقوق مرة اخرى. لم تكفي حساب التاريخ ردة الى الوراء حين أنقلب واخلص نابليون للمبادىء في قيادة الثورة رغم حروبه الكثيرة واستبداده بالسلطة الجديدة حين عزم على:

تحقيق ثلاثة اهداف رئيسة في حكم الدولة هي التي اعادت الدولة الى ما جاء به العلماء وثوار التغيير:
 

  1. فكان الهدف الاول، انشاء المؤسسات العلمية التي اصبحت ترفد من فكر الموسوعيين الجدد والتي اصبح لديها القدرة الخلاقة على تجديد مفردات الحضارة.

  2. والهدف الثاني، اصلاح التعليم بكل مراحله الثلاثة وارفقه القانون في التطبيق، فتحقق ما اراد من ثورة فكرية علمية قائمة على المنهج العلمي الجديد بعيدا عن افكار الكنيسة ورجال الدين، وهنا تحقق على الارض حين تم تحويل (المبادىء الى تشريعات).

  3. والهدف الثالث، كان تلقائيا ونفسيا فلم يعد بمقدوراحد او جماعة بالعودة لما كانت عليها فرنسا قبل التغيير، بعد ان استقر الفكر العلمي في الاذهان، ورغم عودة الملكية لظروف سياسية معينة، لكن سرعان ما انتهت، وانتهت اسرة آل بوربون الملكية وعاد حكم الشعب مرة اخرى ليستقر الى الابد.

أذن ان جذور التغيير في عراقنا الحبيب قد نبتت ولا احد يستطيع أقتلاعها.

وهذا ما اعتفد سيحصل في العراق اليوم رغم عتامة الوضع السياسي الحالي ومحاولات اعداء الديمقراطية والحرية والمتخاذلون الذين في غرف الاعداء يسكنون وفي الجبال بمغاراتهم لابدون، يتماثلون مع القاعدة المجرمة ونزوات المنتفعين السابقين. وهاهم مطاردون وفي فنادقهم في عمان ودبي مختبئون كالجرذان تلفهم الكآبة نادمون، وعلى افعالهم الشائنة يتباكون والى جهنم وبئس المهاد غدا ذاهبون، ويوم لا تنفعهم اموالهم ولا اولادهم التي هي عنهم معرضون وفي الدرك الاسفل من النار محرقون. اما المؤمنون الصادقون فتراهم في قمم الجبال يسكنون وعليهم تعقد الامال التي هي الينا راجعون. وسيحققون ما جاؤا من اجله رغم انفوفكم ايها الكافرون.

 

من هم الافذاذ الذين قادوا حركة التغيير نحو الامام في اوربا واخترقوا الصعاب، وهل كان لدينا نحن العراقيون مثلهم في تاريخنا الحضاري، ان من مفكريهم الافذاذ، هم: المفكر الكبير سان سيمون، ودارون، وهربرت سبنسر، الاقطاب الثلاثة الذين نزعوا من أفكار الغربيين خرافة العصور الوسطى الدينية ليحولها الى نظريات العلم الحديث وليحولوا اوربا من عصر الظلام الدامس الى عصر الانوار، وليثبتوا ان الانسان هو اثمن رأسمال الدولة، فهل سيعي حكامنا اليوم ذلك أم سيبقون يسمحون للاخرين يشردون.

من قال لك ان ليس فينا اليوم مثلهم، لدينا الكثيرون، الم يكن فينا علي وعمر والحسين وعمر بن عبد العزيز وعزالدين سليم ومحمد باقر الحكيم ومحمد باقرالصدر ومن هم على شاكلتهم من المؤمنين الصادقين، وبعدهم، عبد الكريم قاسم وحسن سريع وعدنان الحمداني والاخرين، لكن الرجال الاخرون سيبقون على العهد ملتزمين، فلا خوف على العراق اليوم ولا غدا وسينهزم الخائبون. ولنعد للمفكرين الافذاذ الذين قادوا ركب بلدانهم التي هي اليوم بها تفتخربهم ويفتخرون. وسنبعد من رؤوسنا كل المتخلفين وكل التكفيريين من امثال القرضاوي والعرعور ومن لف لفهم من رجال الدين المتخلفين.

من هو المفكر سان سيمون 1760-1825 م
هو احد المفكرين الفرنسيين الكبار شخصية متميزة بعلمها وتوجهاتها وايمانها المطلق بالوطن والشعب. كان من اسرة فرنسية عريقة مهندسا من الطراز الاول، وكان من افكاره التي سجلها لنا، ان صلاح الدولة لايكون الا باسناد الحكم الى جمهرة العلماء والفنيين ورجال الاعمال المخلصين، وكان ايمانه بالعلم والحرية هو محور تفكيره. لانه كان يؤمن بالانسان الصالح وقدراته ايمانا مطلقا، لقد دون لنا افكاره المعجزة في كتابه الذي سماه (أعادة تنظيم المجتمع الاوربي) والذي ركز فيه على دور العلماء والقضاة العدول والاداريين المهرة لمساعدة الحاكم السياسي في قيادة الدولة . ومع انه كان متعصبا للفرنسيين، لكن تجاربه العلمية قادته للعمل مع الاخرين خارج فرنسا، وهو الذي افترح على محمد علي حاكم مصر بحفر قناة السويس لاهمية القناة التجارية العالمية في نظره. وهكذا استطاع ان يجعل من الفكر اساساً لحركة التاريخ.

ويأتي بعده تشارلس دارون
صاحب النظرية الداروينية الشهيرة، التي اتهموه فيها بأنه الذي قال ان اصل الانسان من القرد. فثارت عليه الكنيسة ورجال الدين لمخالفة نظريته كتبهم المقدسة المهترئة التي بها يسطرون على عقول العامة، لكن الحقيقة ان لم يقل ذلك ولم يكن كافرا بل مؤمنا بالله متحررا من خرافات الكنيسة، لكن الذي قاله ان الاجناس في صراع دائم في قيد الحياة وان البقاء للاصلح. اما التطور فيحصل في حدود الفصيلة الواحدة لا الفصائل المختلفة، ومن يريد الاطلاع على ماقاله عليه ان يعود لكتابه المسمى (أصل الانواع وهبوط الانسان). لقد فتح دارون بابا واسعا لتطور الجنس الانساني والحيواني ومنه جاءت الكثير من العلوم التي فتحت ابواب التطور الحضاري الراقي الذي نشهده اليوم. لكننا سنبقى لا نقرأ.

ومن هؤلاء العلماء الافذاذ هربرت سبنسر
الذي قال ان المجتمع لا يتقدم الا اذا تغير البناء الداخلي له وذلك عن طريق تقسيم العمل بين طبقاته الاجتماعية حين يتحولون الى منتجين لا معتمدين على الاخرين.
ويقول هذا العالم الجليل انه اذا ما تحقق العدل الاجتماعي بين الناس عن طريق القانون وتطور النظم السياسية والاجتماعية فلن يبقى للحكومة من ائر في حكم المجتمع لان المجتمع ستختفي فيه ظاهرة الاعوجاج.

لقد تنبه هؤلاء الى المستقبل وكيفية ضمان مستقبل الاجيال وهذا شيء جديد في التفكير الفلسفي والتاريخ الحضاري في العصور الوسطى، لان الاعتقاد السائد عن المستقبل هو الحياة الاخرى بعد الموت كما فسرته الكنيسة ورجال الدين، ولكن الا نعلم ان الرسول (ص) قال قبلهم (أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا وأعمل لاخرتك كأنك تموت غدا، انها حكمة السعادة البشرية التي نرددها دوما دون ان نفهم معناها.

أيها المتخاصمون في عراق التغيير ...؟ :
ان الوطن لا يصونه الا اهله المخلصون، والسياسة لا تديرها الا العقول المدركة المسبرة لاغوارها الصعبة، وكم نحن الان بحاجة الى نصائح علي لمالك الاشتر وعمر لقادته في فتح العراق. وليعلم من يحكم العراق اليوم، ان كل تقدم حضاري ينبغي ان يسير منذ البداية على خط فكري واضح مدروس، ولا يجوز ابدا ان يسير وفقا لنزعات نفر من ذوي السلطان لا ينظرون الى العواقب بقدر ما ينظرون فيما يعتبرونه أمجادا شخصية من غارات وغزوات وحروب ومنافسات وحيل وتدبيرات لا يجني احد من ورائها شيئا في النهاية، ولا تفكروا بما كنتم انتم فيه تعانون، بل فكروا بما انتم فيه الان تعملون وتقدمون،  فالشعب ظلم من الكثيرين، وحقوقنا مظلومة ولا أحد يلتفت للمظاليم، فالكل لاهي ببهرجة المحيطين، فليس معقولا ان يكون الظلم فاشٍ بابواب القادمين، وفي السابقين عبرة لمن يعتبر.

فهل يدرك السيد المالكي المنتظر .....؟
ان الذين يتقاتلون ويستميتون على الانفصال وكركوك العربية والامارات الوهمية والملكية الجديدة الموهومة ويسعون للفرقة وتدمير الوطن والشعب من اصحاب .......؟ سوف لن يحصدوا الا الريح ولن يحرثوا الا في بحرصعب الركوب، وهم في نهاية المطاف الخاسرون فلا تهادنونهم وكما قال الشاعر:


اذا رأيت اسنان الليث بارزة
   فلا تظن ان الليث يبتسم ُ
 

ياقادة العراق المؤمنون الصادقون، هل مات فيكم الوفاء للوطن؟ هل أنتم غرباء عنه ؟ لا والله أنتم منه، اذن لماذا أهملتموه وسلمتموه بيد الغرباء عنه وجعلتموه ضعيفا مرتجفا من الاعداء، لم نقرأ في تاريخ العراق جبناء منذ عهد السومريين. فاذا أنتم منه: فلا تهنوا ولا تكلوا ولا تعتمدوا على غير ثقة،  ولا تبرموا امرا حتى تفكروا فيه فان فكر العاقل مرآته، ولا تبذروا مالا ليس لكم، فالبلد اليوم مسروق، والآمان مفقود والمواطن مقتول، الا في خضرائكم، والعدل مضروب الا بين أتباعكم، فأنكم الاعزاء مادام بيت مالكم عامراً، ووطنكم آمنا والعدل قائما، والحق مضمون. واليوم هو ليس هكذا ؟

لكن نراكم اليوم فيه تتهاونون ومع من لا يستحق التكريم تكرمون، لقد ترك الله لكم في العراق وفي ارضه مالا ورجالا لا ينضبون، فلا تعتمدون الا على الصالحين، فالسارقون الهاربون الناكثون اليوم في عمان ولندن وأربيل يتحسرون. فلا يصلح السلطان الا بالتقوى، ولا تصلح الرعية الا بالعدل، ولا تعمر البلاد بمثل الامانة والامان، فالظلم بأبوابكم فاشٍ.فألاموال المسروقة لن تنفعكم،والتنازل عن الأرض والماء للاعداء مقتلكم، فلا تناموا ويدخل عيونكم غمض الا وقلوبكم مفتوحة، فالوطن امانة عجزت الجبال عن حملها فحملها الانسان، فلم تتهاونون في ثرواته مع من لم يتهاون مع شعبكم حتى في أقامته عندهم يوم المحنة، اصحوا على زمانكم، نريد منكم وطنا قويا مبنياً لا خرباً، فالتباهي بالوطن لا بغيره كما تتصورون، ونريد منكم أماناً للعراقيين لا خوفا دائماً،  وعدلا لهم، ورعاية لاطفالكم اليتامى من المشردين، والنساء المرملات، ومن تذهبون اليهم اليوم أنتم خاطئون، فالأمير يُزار ولا يَزور، واذا كان ولا بد وثقوا معهم المواثيق ولا تتنازلوا عن المبادىء، فالوطن واحد، وهم يعدون العدة للتمزيق، كما تنازل البعض عن الثوابت الوطنية للمجاورين الأعداء وهو بينكم، فوالله لن ينفعكم الا شعبكم فبه تتفاخرون وبه تحمون الوطن.

والعاقبة لمن آوفى وصدق. والعاقبة للصادقين .......؟ اللهم أشهد أني بلغت ...؟