Back Home Next


اولويات نبوية
 في ذكرى المبعث النبوي الشريف في السابع والعشرين من شهر رجب الاصب:
آراء الكاتب

نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

 

ترى، بماذا سيبدا رسول الله (ص) لو بعثه الله تعالى اليوم من جديد؟ وما هي اولوياته؟.

قبل الاجابة على هذا السؤال ينبغي الفات النظر الى حقيقة في غاية الاهمية، وهي: ان رسالة النبي الكريم وسيرته اهتمت بالواقع المعاش والظروف المحيطة حسب الاهمية والاولوية، فالتشريع لم يكن اعتباطا، والايات القرآنية الكريمة لم تنزل عبثا او صدفة، وانما ظلت تترى حسب اولويات التشريع وضرورات الواقع الاجتماعي.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان جوهر البعثة النبوية الشريفة تجلى في الرحمة الالهية، فالرسول رحمة والرسالة رحمة تعتمد الحب والرافة والانسانية بابهى صورها، ولذلك وصف القران الكريم رسول الله (ص) وبعثته بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} والرسول وصف نفسه بقوله {انا الرحمة المهداة}.

كما تجلت رحمة الرسالة والبعثة النبوية الشريفة من خلال المهمة التي انيطت به الا وهي التبشير والانذار والتزكية والتعليم، كما في العديد من الايات القرانية الكريمة كقوله تعالى:

{انَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}

{يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}

فلم تكن من مهام النبي السيطرة على الناس او الوكالة عنهم، كما تشير الى هذه الحقيقة الكثير من آيات القران الكريم، كما في قوله تعالى:

{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}

{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ}.

وتتجلى الرحمة، مرة ثالثة، في ان منح الله تعالى الانسان حرية الاختيار قبل ان يحاسبه، ثم زادت رحمته ان بعث انبياءه ورسله لتبيين الطريق الصحيح قبل ان يحاسب، فقال تعالى:

{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}.

ومن خلال فهم هذه الاسس الثلاثة التي اعتمدتها رسالة النبي الكريم (ص) نستنتج ما يلي:

  1. الف: ان كل من يوظف الدين للقتل والتدمير والغاء الاخر ولزرع الحقد والكراهية بين بني البشر فهو كذاب وليس من الدين في شئ، مهما كان زيه وانتماؤه واسمه ورسمه، ففقيه موزة، مثلا، لا يعبر عن حقيقة الدين باي شكل من الاشكال، لانه يحرض على الحرب، كما ان نظام الاسرة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية لا يعبر عن جوهر الدين لانه يحتظن (فقهاء) يصدرون فتاوى الحرب باسم الدين والدين منهم براء.

ان القتل والتدمير والتكفير والقتل على الهوية والتمثيل بالجثث كلها وسائل ضد الرحمة، فهي ضد الدين.

  1. باء: وكل من يتاجر بالدين فيسعى لفرض سيطرته على عقول الناس ومصادرة اراداتهم واجبارهم على شئ، كذلك فهو ليس من الدين في شئ، فاذا كان الرسول الكريم المسدد بالوحي ليس بمسيطر على الناس، فكيف يكون غيره كذلك؟ وهو الذي لم يسدده لا وحي ولا كتاب منزل ولا هم يحزنون؟.

ان كل من ينصب نفسه قسيما للجنة والنار، او للكفر والايمان، يقف ضد الدين، اذ لا يحق لاحد ان يقاضي الناس على دينهم ومعتقداتهم وقد قال تعالى {فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}.

  1. جيم: وان كل من يجتزئ الايات القرانية الكريمة ليوظف ما يحلو له من آراء باسم الدين، لتضليل الناس وخداعهم، هو الاخر لا يمثل الدين في شئ، لان الدين علم ومعرفة وتزكية وتعليم، وهو ليس خرافة وتضليل او خداع او تشويه للحقائق، انه يثير العقل ليتفكر ولا يثير العاطفة لتجمح فتضل وتضل.

نعود للاجابة على السؤال الذي صدرنا به المقال، فبرايي، فان اولويات رسول الله (ص) ستكون كالتالي:

  1. اولا: الوحدة، لان الامة اليوم ممزقة الى درجة كبيرة، وان حالها اليوم يشبه حال عرب الجاهلية قبل البعثة، فهي اليوم طرائق قددا {فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} ولقد اخذ التنافس السلبي والاختلاف في الاراء والمقاصد وتشتت الولاءات منها ماخذا، ولهذا السبب فستكون قضية الوحدة بالنسبة للرسول قضية مصيرية تتمتع باولوية قصوى، فكما انه (ص) بذل جهدا كبيرا وجبارا من اجل توحيد صفوف المسلمين حال هجرته الى المدينة المنورة، لعلمه بانه لن يقدر على فعل شئ ابدا اذا كانت الجبهة الداخلية ممزقة ومشتتة ومتناقضة الميول والاهواء، كذلك حالنا اليوم، فان بقاء الامة على ما هو عليه امرها من تمزق وتشتت وتفرقة واختلاف، اشلها عن الحركة الايجابية ومنعها من تحقيق اي من اهدافها الرسالية والالهية العظيمة، بل جعلها امة متخلفة تضحك على ذقونها بقية امم الارض، ما يعني ان الاسلام لم ينفعها في شئ على هذا الصعيد، ان بقاءها على هذا الحال سيقودها الى الهاوية اكثر فاكثر.

  2. ثانيا: التعليم، فالامة اليوم في ادنى درجات التربية والتعليم والوعي، وان حالها يشبه الى حد بعيد حالها يوم البعثة النبوية الشريفة، ولذلك فهي اليوم امة مستهلكة بكل معنى الكلمة، تستهلك ما ينتجه الاخرون.

لقد بذل الرسول (ص) جهدا مضاعفا لتعليم الناس، فلقد اقسم القران الكريم بادوات العلم عندما قال {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} فيما خاطب الوحي الرسول بقوله {اقرأ} اما رسول الله (ص) فقال {طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة} لانه يعي جيدا بان امة متخلفة لا تقرا ولا تكتب، لا يمكنها ان تنهض برسالتها ابدا، وان امة نصفها جهلة واميون لهي امة مقهورة وذليلة، ولذلك فسيركز الرسول (ص) على التعليم وبشتى علومه لينتشل الامة من جهلها واميتها، والذي يعتبر اليوم احد اهم اسباب تخلفها، وان ما نراه اليوم من عمليات غسيل دماغ للشباب المغرر بهم والذين يدفعون الى الارهاب دفعا، انما سببه الجهل والتخلف وانعدام التعليم والوعي، وبسبب خفة عقولهم التي وظفتها مجموعات العنف والارهاب لتحقيق مآرب دنيئة.

لقد وصل الانحطاط بالامة الى ان تعلم اطفالها طرق قطع الرؤوس، كما اشار الى ذلك تقرير دولي صدر مؤخرا، فكيف سننتظر من مثل هذه الامة ان تتحمل رسالتها السماوية وتغير العالم؟.

  1. ثالثا: الاخلاق، والتي لا تقتصر على تزكية النفس فحسب، وانما تعني بمفهومها الاوسع والاعمق، فالعلاقة مع الاخر تعتبر على راس اولويات الاخلاق الحميدة التي سيزكيها رسول الله (ص).

اننا باحوج ما نكون الى اعادة النظر في علاقاتنا، سواء مع بعضنا او مع الاخر، من اجل ان نحقق مبدا التعارف من اجل التعايش والشراكة في الحياة وفي خيرات البلاد وبما خلق الله تعالى وسخر لعباده الذين خلق، ولقد لخص القران الكريم هذا المفهوم في آية عظيمة بقوله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} فهل ان سياسات التكفير والغاء الاخر وزرع الحقد والكراهية والحكم على الناس باديانهم ومذاهبهم وقومياتهم، تحقق هذا المفهوم القرآني الرائع؟.