لقد اجمع علماء التاريخ السياسي ان
الشعب في الدولة العثمانية كان يقسم الى طبقتين:
-
طبقة حاكمة (قابضة الضرائب)
-
وطبقة الرعية (دافعة الضرائب)
فمن المعروف ان الدولة العثمانية اعتبرت
الرعية مكونة من مسلمين ومسيحيين ويهود، وهم متساوون امامها في دفع الضرائب المتوجبة. فالدولة العثمانية التي
حاربت تحت لواء الاسلام، وسمّت حروبها فتوحات اسلامية، لم تقم باي محاولة للدعوة الاسلامية في المناطق المسيحية،
اذ ان ذلك من شأنه ان يسلب الفوائد المالية المترتبة للدولة على طبقة (الكفرة) - - - ولم يكن دخول بعض
الاقطاعيين المسيحيين الاسلام، نتيجة جهد عثماني انما طمعا في الحصول على مناصب سياسية رفيعة في جهاز الحكم،
وهذا ما كان يحصل على وجه الخصوص في البوسنة.
ان الرعايا المسلمين لم يكونوا كلهمم
متساوين في الحقوق والواجبات وفرص العمل. فالعربي المسلم في الدولة العثمانية كان محروما من استلام المناصب
الحكومية، في حين ان التركي المسلم كانت تتاح له مثل هذه المناصب.
فالمعروف عن السلطة السياسية في نظام
الدولة الاسلامية، لا تقوم الا برضا الشعب وذلك باختيار الخليفة من قبل الشعب، ويشترط ان يلتزم الحاكم بتطبيق
شرع الله الذي اتى به القرآن، واذا خرج الخليفة عن حدود الشريعة، يكون للامة الحق في خلعه من منصبه. - - فهل
كانت الدولة العثمانية على هذا النحو من المفاهيم ؟
لقد كان السلطان العثماني حاكما مطلقا،
فهو الامام وامير المؤمنين وخادم الحرمين وحامي حمى الاراضي المقدسة. لا يعترف باي سلطة للشعب – وكان يعتقد انه
يستمد قوته من الله وليس من الشعب، وان الله هو الذي اختاره لحكم الرعية، وليس لاحد ان يحاسبه عما يفعل، وان
الله هو وحده الذي يحاسبه عما يفعل، ولذا لم يكن هناك دستور في الدولة العثمانية او برلمان. يحدد تصرفات
السلطان. وكان السلاطين يزعمون ان القرآن هو دستور المسلمين، لكنهم لم يكونوا يعملوا بما جاء فيه من عدل وحق
وانصاف
ومن الملاحظ ان الخلفاء الذين يمارسون اللهو المحرم وانواع المجون
في معظم الحالات، لا يجوز الخروج عليه، خشية الفتنة، كما اجمعت المذاهب السنية الاربعة على ذلك، ومنها الحنفية /
مذهب العثمانيين التي اكتفت بالقول بوجوب الهداية والدعاء للخليفة الفاجر، ما عدا المسلمين الشيعة الذي نادوا
بالخروج عن الخليفة الفاجر وعزله.
ولهذا نرى ان سلاطين آل عثمان قد ناصبوا العداء لشيعة العراق، وفي
الوقت الذي يشكل فيه الشيعة اغلبية سكانه، الا ان السلاطين اعتبروهم اقلية وحرموهم من التعليم الاولي ومن
المناصب الادارية طيلة 400 سنة من حكمهم البغيض، هذا ما صرح به الاستاذ كامل الجادرجي، زعيم الحزب الوطني
الديمقراطي.
من غرائز الحكومات الدينية
المتطرفة،
انها لا تثق بالذكاء الانساني ولا تأنس له، ولا تمنحه فرصة التعبير عن مؤهلاته، انها تخافه وتخشاه. وهي لكي تقنع
الناس بضرورة قيامها وبقائها تُهيب بجانب الضعف فيهم. فتلقي في روعهم ان رواد الحرية والفكر والاصلاح ليسوا الا
اعداء الله ورسوله - - وان امورنا لا تصلح بالابداع، بل بالتقليد والاتباع، لذلك فان الحكومة الدينية المستبدة
تفضل ان تستعين باولئك الذين ليست لهم موهبة سوى التجرد من كل موهبة، والذين يتمتعون بمناعة ضد الفهم الواسع
والادراك الفطن، تلك هي غريزة من غرائز الحكومات الدينية القمعية في كل العصور.
كانت الدولة العثمانية تمارس الخطف العلني في
وضح النهار و بشكل رسمي، فمن المعروف ان الخطف كان مصدرا كبيرا للاستعباد. وهذا ما كان العثمانيون يقومون به في
دول البلقان وباقي دول اوربا الشرقية –وكانوا يفعلون ذلك بوحشية– كما كان الاوربيون
يفعلون في دول افريقية بكل همجية، ضاربين بتعاليم الاسلام –الذي يحاربون تحت رايته–
عرض الحائط. فلقد أبى الاسلام السمح اباء شديدا، خطف الاحرار.
وقد جاء في سورة الانفال ما امر الله رسوله في
موقعة بدر:
يا ايها النبي قل لمن في ايديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ
منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم |
ومن هنا جاءت استعانة الادارة العثمانية بالعبيد البيض والعبيد السود الجهلة، الذين كانوا يرقون الى اعلى
المناصب، ومنهم كان الوزراء وقادة الجيش والولاة وكبار المسؤولين في الدولة العلية.
وفي النهاية لم يترك الاتراك وسيلة يستغلون بها
الرعايا التي حكموهم قسرا، واذا كان شعبنا متدينا، عميق التدين، فقد استغلوا فيه هذه الفضيلة اسوأ استغلال.
فالسلطان سليم الاول استولى شخصيا على اكثر الاراضي خصوبة في بلاد الشام. والسلطان سليمان القانوني جرد الامة
الاسلامية من جميع اراضيها واملاكها، لكنه ابدى حرصه في بناء المساجد ليظهر نفسه امام الملة مدى تعلقه بالدين،
فوقع فرمانا سلطانيا يطلب فيه من الناس:
(السير بمقتضى الشريعة والعمل بموجب السنة)
وقبل ذلك قام السلطان محمد الفاتح بمصادرة اراضي الاوقاف بشكل عام.
فهل كان سلاطين آل عثمان يحكمون الامة الاسلامية بشريعة الله وسنة رسوله؟
* التكايا والرعايا لشاكر النابلسي مع التصرف