في الناس من يلتقط لفظة من كلام كاتب بعيدة عن مراميه، لكنه غالبا ما يرفعها ويشيعها، ليندب ويولول صائحا : (
ضاع الدين - - ضاع الدين )
مثل هذا التظاهر بالورع لا يفهم من الدين الا الفاظا ولا يدرك بافقه المحدود ان الدين لا يخشى عليه من لفظة. وان
الكتاب والشعراء في كل العصور ينتفعون بكل ما في الكتب القديمة من صور دون ان يرتاب في عقائدهم القارئ الحصيف.
من ذا الذي يستطيع ان يرمي بالوثنية شاعرا، يناجي آلهة الشعر، او يرى في هتافه – باله الحرب. او إله البحر –
شركا بالله. الواحد الاحد. الذي لا شريك له. - - وانما هي صور من الاداب القديمة يستعيرها الشعراء والكتاب في
اساليبهم دون ان يخطر في بالهم ان من الناس من يضيق عقله فيخلط بين الصورة الشعرية والعقيدة الدينية !
ولكنني مع ذلك أحيي كل من يعنيه جوهر الدين. واحث الناس على ان يفخروا بالدين، فأني دائما اومن ان الدين هو الذي
يرفع الانسان فوق مرتبة الكائنات جميعا.
وفي هذا السياق يخبرنا كاتب السطور ان شيخ فلاسفة الانكليز برنارد شو يعتقد :
( ان من لا دين له، لا شرف له ).
فالذكاء
ليس بالمزية التي اختص به الانسان وحده، والنظام
الاداري المحكم او الاقتصادي الكامل ليس وقفا على المجتمع البشري، فان مجتمع النحل لأدق منا نظاما في الادارة –
وان مجتمع النمل لأتم منا احكاما في الاقتصاد. - - - ولكن الذي يحيرنا، نحن معاشر البشر – هو الايمان. الديني –
لان حياة الروح لم يلج بعد بابها غير الانسان ! !
اذا اهدرت دينك ايها الانسان فاعلم انك قد اهدرت آدميتك، واذا خلعت ردائك الديني، فقد خلعت رداءك البشري.
وانقلبت دابة تسعى الى رزقها في الارض، ولا تقوى على التطلع الى السماء - - - الدين هو الذي يرفع بصرك الى اعلى
ايها الانسان - - - الى اعلى من اقدامك وارضك وطعامك وشرابك - - - واذا استطعت ان ترفع بصرك الى اعلى من فمك،
فانت ارقى من الحيوان - - - واذا ارتفعت الى حيث تدرك وجود (الله)، فانت سيد الكائنات.
كل شئ قد يعرفه الحيوان الا (الدين) - - - لو عرفت جماعة من الحيوان يوما معنى الدين لاصبحت في الحال بشرا
ساجدين - - - ما من شئ نفخر به نحن الادميين الا اننا نسجد من اجل فكرة عليا - - - ونتحمس من اجل معنى مقدس - -
وتعرف قلوبنا ما هو (الايمان) ! !
* تحت شمس الفكر لتوفيق الحكيم