Back Home Next


المعروف والمنكر . . . ماذا قصد بهما القرآن الكريم. . . ؟

عبد الجبار العبيدي

jabbarmansi@yahoo. com

 

 

 

يقول الحق :الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين، التوبة 112.


المعروف :

لغةً جاء من كلمة عرف ومنه جاء المعروف والتعريف. والمعروف ضد المنكر، وقيل فيه هو اسم يدل على الأستحسان في افعال الخيرالذي تطمئن اليه النفوس. وفي الحديث الشريف : هو أسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله في الحقوق والاحسان الى الناس، وقيل فيه هو حسن الصحبة مع الناس والأهل. واحسن وصف للمعروف بأنه الجود من اجل الانسانية.
أما المنكر :

وهو خلاف المعروف، وهو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه. ومنه جاءت كلمة النكرة التي تدل على حالتين : الجهل وعدم المعرفة، والمعنى السلبي له هو أنكار الشيء وتجاهله عن سابق معرفة. وتتنوع الكلمة هنا بمعانٍ مختلفة كل لها مقصد معين.  يقول الحق: "يَعرفونَ نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون، النحل 83".

اما قوله عن العذاب بأنه نكر ونكير،  فقد ذكر بهذه الصفة لكونه عذاب لم يألفه الانسان من قبل، وهي صفة المفاجئة لامر غير معروف مسبقا، كقول الحق: " قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا،  الكهف 87".  وقد أنطبقت هذه الحالة على قوم هود بالريح، وقوم صالح بالصيحة والرجفة، وفرعون بالغرق المفاجىء.  أما القول بأن هناك مَلَكَين الأول منكر والثاني نكير يعذابان الميت المذنب في القبر فلم نجد له أي اساس في العقيدة الاسلامية.

فالمعروف هو ما يتوائم مع الذوق العام المقبول، والمنكرهو المستهجن من الاعمال. على هذا الاساس اصبح المعروف والمنكر هو من اهم اسس السلوك الاجتماعي العام.  وهو مفهوم متطور حسب الزمن،  ومتغير حسب المكان، وبغطي كل سلوكيات الانسان وخاصة المسلم حيث تتعلق الاهمية في الحدود.  ومصطلحات المعروف والمنكر تشمل الاهتمام بالضعفاء والمساكين والمعوزين وَمد يد الرحمة والمساعدة لهم اجباريا من المتمكنين ماديا واصحاب السلطة حتى لا يبقى معوزا في المجتمع الاسلامي.

وهذه الصفات طرحها الاسلام في نظرية الامان والاطمئنان والكفاية والعدل وثبتت في دستور المدينة.
ويشمل المعروف طاعة الوالدين وعدم عقوقهما الا في حالة الشرك يقول الحق: " وأن جاهداك على ان تشرك بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا، لقمان15".

ويشمل المعروف العلاقة الاخوية بين الاخوان والاصحاب وعدم الخيانة بينهم او فضح الاسرار التي دارت بينهم أيام الصحبة، فالمجالس أمانات على حد قول الرسول الكريم (ص).  لذا فالصداقة في المعروف كالاخوة يجب ان لا تنتهك لمجرد عاديات الزمن، وهنا تلعب الاخلاق العالية والالتزام بالمعايير الخلقية اساس هذا الألتزام.

وقال حكيم . . . . ؟
ان أسوأ الناس خُلقاً من أذا غضب منك نكرَ فضلك،  وأفشى سرك،  ونسي عشرتك،  وقال عنك ماليس فيك. . .  أنه المُنكر . . . ؟

وان احسن الناس من يعيش لنفسهٍ والأخرين، محباً لهم كاتما اسرارهم لا ينقل عنهم الا المعروف، تصبح الحياة له سعيدة وطويلة . . .  أنه المعروف. . . ؟

وقيل للامام علي (ع): ما جزاء الصديق ان اساء اليك ؟ فقال(ع) الصداقة امانة فلا تعتدي لأن الله لا يحب المعتدين. وقيل لمعن ابن زائدة الحكيم: ما جزاء الصديق اذا خان وغدر؟ فقال أثم كبير لا يغفره الا الله. وقيل لشاعر كبير . . .  فلان قدحك . . . فقال:

 فكلكَ عورات وللناس ألسنُ

 

لسانك لا تذكر به عورة أمريءٍ

 فصنها وقل يا عين للناس أعين.

 

وعينك ان أبدت اليك معايباً

 
وتبقى نقطة هامة وهي يجب ان لا نخلط بين مفهومي الأعراف والاخلاق لأن العرف شيء والخلق شيء اخر،  لكون الاعراف تتغيرمع الزمن، بينما الاخلاق ثابتة لا تتغير.

وتبقى الآيات القرآنية الحدية والالتزام بها في التطبيق هي اساس الفصل بين المعروف والمنكر، ولا يجب ان تخضع للظروف الاجتماعية او السياسية او التباعد بين الاخوة والاصدقاء في المجتمع الاسلامي، حتى لو تغيرت البيئة، وتغيرت معطياتها، فالسُنة النبوية واخلاق الرسول (ص) قد ثبتت المعروف والمنكر دون السماح بالأختراق.