Back Home Next 

هل تأصلت الفردية فينا دون الأخرين ...؟

 

عبد الجبار العبيدي

jabbarmansi@yahoo. com

 



منذ عصر الخلافة الاولى، ظهر التأسيس القرآني للمجتمع العربي، برؤية تختلف عن تلك الحقبة التي سبقتها في عصر الجاهلية، فتغير المفهوم الاجتماعي للمجتمع من وجهة نظر جدلية، فأصبح وكأنه ظاهرة لميلاد مجتمع حديد، وبأكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الجديدة، وبظهور الشكل العام الذي فرض نفسه على المجتمع الجديد تكونت دولة المدينة.

بهذا الميلاد التوجهي اصبح لزاما عليها استخدام القوانين أو السنن، التي تكتشف لمعرفة كيفية تأسيس المجتمع، وفقا للتأسيس القرآني، وأمكانية تسريع الميلاد وفقاً لقوانين محددة ملزمة التنفيذ. اي دراسة الظاهرة الجديدة  ─ظاهرة الحق المطلق وقوانين العدالة الاجتماعية─  في أنقى أشكالها، وفي أكثر أوضاعها تحررا من أي تشويش خارجي يمنع المجتمع من التمتع بالحقوق والانظلاق نحو عالم التجديد.
لقد ارادت السماء للمجتمع العربي الجديد ان يبني النموذج الذي يحقق التكامل ولو بدرجات متفاوتة. فأصبح الله المثل الأعلى، ورسوله الأمين الاسوة الحسنة في التطبيق.

فهل بعد هذا الطرح القرآني نستطيع العودة الى الوراء بدوافع شخصية او اجتماعية (والعودة عبر الزمن مستحيلة). هكذا اراد الاسلام لمجتمعه ان يظهر بشروط وخصائص للنفس الانسانية في مرحلة الميلاد. ودوما البناء السليم يظهر من اساسه.، وقد ارادت رسالة السماء لهذه الخصائص التي بنيت على نظرية الحق المطلق بين الناس ان تستمر وتتكرر في كل مرحلة او ظروف المجتمع، والمجتمع ينمو ويستمر كلما وجدت له شروط وخصائص نفسية تقبلها النفس الأنسانية حتى يتكامل ويصبح عقيد ومنهج حياة.
وسيبقى القانون الذي يحكم الظاهرة والسنن التي بها يتعايش المجتمع مع عدالة القانون، هي الضمانة لنشر الحق والعدل بين مجتمعها الذي اراد الله لها ان تكون خير امة اخرجت للناس، رغم ان النص بحاجة الى تأويل. ولكن كم منا من تقبل الحالة وطبق السنن باعتبارها الامثل للنظرية الجديدة التي اراد ها الرسول(ص) ان تكون المثل والأسوة، وهدى الانبياء والرسل قدوة.
 

مع الاسف كنا لا نتمنى ان يموت الرسول (ص) في السنة (الحادية عشرللهجرة ) لتموت الدعوة والمبادىء معا، بعد ان نقلت الخلافة من قضية فروع الى قضية عقيدة، فكانت الضربة القاسمة التي نزلت بالفكر السياسي اذ باتت الخلافة تعالج كعقيدة لا كمنهج سياسي في دولة الاسلام. بعد ان اصبح علم الكلام يمثل ذروة الفكر الاسلامي العظيم، من هنا تحول الى ثقافة نخبة وليس الى ثقافة كل، فضعف وتقوقع الفكر بين جدران الغرف المغلقة فلم يتمكن من ان يصبح تيارا قويا لينشأ لنا دولة ونظام كما ارادته الدعوة المحمدية.

فاصبحت الخلافة دينا صارللنخبة عقيدة لا تحيد عنها فنست القيم والمبادىء التي من اجلها جاءت الدعوة. ولأن السلطة اصبحت غاشمة فقد تبعتها العامة خوفا لا أقتناعاً فأخذ الحكم الاسلامي ينحدر نحو الضعف والانكماش والسقوط، بعد ان الغيت الشورى والثوابت القرآنية في الآيات الحدية والحدودية. وهذا بالضبط ما حدث في نخبتنا المثقفة العراقية بعد سنة الفين وثلاثة حينما تحولت الى سلطة غاشمة تحكم بلا مبادىء ولاقيم ولاقانون...؟

لقد جرَ علينا هذا التوجه الخاطىء ما نعانية من حكم فردي كان وما يزال يشكل بؤرة الازمات السياسية المتراكة علينا اليوم . ومن يعتقد ان الفردية لا يمكن ان تعيش زمنا طويلا فهو واهم وخاصة اذا ملكت الاسباب القوية التي تتحصن بها ضد عوامل التغيير ستستمر .

من هنا بقيت الفردية والدكتاتورية السلطوية معشعشة في وطننا العربي دون العالم الاخر، لكون ان الفردية او الدكتاتورية اصبحت دين الحاكم المؤيد من فقهاء السلطة، وطقوسها العامة التي لا تدرك حقيقة التغيير، بعد ان اصبحت المغالاة فيها المؤيدة من العامة نوعا من التقوى.

هنا اصبحت الظاهرة محكومة بظروفها، لذا علينا ان نهتم بعامل الزمان والمكان دون أهمال للتاريخ والمستقبل لعلنا نخرج من المأزق .

يبدو نحن نمر اليوم بمحنة التاريخ التي مرت على شعوب أخرى فتجاوزتها كما في ماليزيا وأندونيسيا... اما نحن فقد اصبحنا اسرى لها.

تخطأ السلطة ان أعتقدت انها تتمكن من الاستمرار بخلق ظروف الأزمات المتلاحقة لألهاء الوطن والمواطن بها...؟ وها هي اليوم تعاني الأمرين .فلا فكاك لها الا اذا أدركت الحقيقة ولو بعد حين...؟