Back Home

 

حُدودُ اللهِ من حُدودِ النَّاسِ

 

آراء الكاتب

نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

في ذكرى رحلة رسول الله (ص) الى عالم الحياة، والتي تصادف يوم الاحد القادم، قد نمرُّ على كلّ شيء يخصّها الا اننا قد لا نمرّ على واحِدَةٍ من اعظم المواقف التي ختم فيها الرسول الكريم (ص) حياته الشريفة، والتي تلخّصها القصّة التالية:

عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس قالا: لمّا نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخر السورة، قال رسول الله (ص): يا جبريل؛ نفسي قد نُعيت، قال جبريل: الآخرةُ خيرٌ لك من الأولى ولسوفَ يُعطيك ربّك فترضى، فأمر رسول الله (ص) بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار في مسجد النبي فصلى (ص) بالناس, ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطبَ خطبةً وجِلت منها القلوب وبكت منها العيون،

ثم قال: أيها الناس أيّ نبيّ كنت لكم؟

قالوا: جزاك الله من نبي خيراً، فلقد كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح المشفِق. أدّيت رسالات الله وأبلغتنا وحيَه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبياً عن أمّته

فقال لهم (ص)؛ معاشر المسلمين أنا أُنشدُكم بالله وبحقّي عليكم، مٓنْ كانت له قِبَلي مظلمة فليقُم فليقتصّ مني قبل القصاص في يوم القيامة، فلم يقم إليه أحد،

فناشدهم الثانية فلمْ يقُم إليه أحدٌ

فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين من كانت له قِبلي مظلمة فليقم فليقتصّ مني قبل القصاص في يوم القيامة، فقام من بين المسلمين شيخٌ كبيرٌ يقال له عكاشة، فتخطّى المسلمين حتى وقف بين يدي رسول الله (ص) فقال:

فداكَ أبي وأمي لولا أنّك ناشدتنا مرّة بعد أخرى ما كنتُ بالذي أتقدم على شيء منك، كنتُ معك في غزاة، فلما فتح الله علينا ونصر نبيه (ص) وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك فنزلتُ عن الناقة، ودنوتُ منك لأقبّل فخذك، فرفعتَ القضيب فضربت خاصرتي، فلا أدري أكان عمداً منك أم أردتَ ضرب الناقة؟ فقال رسول الله (ص): يا عكاشة أُعيذك بجلال الله أن يتعمّدك رسول الله بالضرب، يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب الممشوق.

فخرج بلال من المسجد ويدَه على أُمٌّ رأسه، وهو ينادي: هذا رسول الله (ص) يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة (ع) فقال: يا ابنة رسول الله ناوليني القضيب الممشوق! فقالت فاطمة (ع): يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب؟ وليس هذا يومُ حج ولا يوم غزاة؟ فقال: يا فاطمة؛ إن رسول الله (ص) يودّع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القصاص من نفسه، فقالت فاطمة: يا بلال ومن الذي تطيبُ نفسه أن يقتصّ من رسول الله (ص)؟ يا بلال إذاً فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرّجل فيقتصّ منهما، ولا يدعانه يقتصّ من رسول الله (ص).

ودخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول الله (ص) ودفع الرسول (ص) القضيب إلى عكاشة فقام علي بن أبي طالب (ع) فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول الله (ص) ولا تطيبُ نفسي أن تضربَ رسول الله (ص) فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مائة ولا تقتصّ من رسول الله (ص) فقال النبي (ص): يا علي أقعد فقد عرف الله عز وجل مقامَك ونيّتك.

وقام الحسن والحسين عليهما السلام فقالا: يا عكاشة؛ أليس تعلم أنّا سبطا رسول الله (ص)؟ فالقصاص منّا كالقصاص من رسول الله (ص)؟ فقال لهما النبي (ص): اقعدا يا قرّة عيني لا نسيَ الله لكما هذا المقام.

فقال النبي (ص): يا عكاشة اضرب إن كنت ضارباً، فقال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف رسول الله (ص) عن بطنِه وصاح المسلمون بالبكاء وقالوا: أترى عكاشة ضارباً بطن رسول الله (ص)؟.

فلمّا نظرَ عكاشة إلى بياضِ بطن النبي (ص) كأنّه القباطي لم يملك أن أكبّ عليه فقبّل بطنه، وهو يقول: فداك أبي وأمي ومٓنْ تطيق نفسه أن يقتصّ منك؟ فقال له النبي (ص)؛ إمّا أن تضرب وإمّا أن تعفو، فقال: قد عفوتُ عنك رجاءَ أن يعفو الله عني في يوم القيامة. 

فقال النبي (ص): من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنّة فلينظر إلى هذا الشيخ، فقام المسلمون فجعلوا يقبّلون ما بين عينيه ويقولون: طوباك طوباك نلتَ درجاتِ العُلى ومرافقة رسول الله (ص).

هذه القصّة العظيمة تلخّص فلسفة الرسالة بكل تفاصيلها.