Back Home Next

 

الحَسَنُ المُجْتَبى (ع) في مُواجَهَةِ الزَّيْفِ

 

آراء الكاتب

نزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

 

اذا كانت عقيلة الهاشميّين زينب بنت علي عليهما السلام قد واصلت نهج عاشوراء بأدواتٍ ووسائل مختلفة، فان الامام الحسن السّبط المجتبى عليه السلام كان قد هيّأ لعاشوراء، كذلك بأدواتٍ ووسائل مختلفة.

وبرأيي، فانّ أعظم ما انجزهُ الامام المجتبى (ع) هو انّهُ ظلّ يطعن بشرعيّة السّلطة الأمويّة لإسقاطها، حتى حوّل ذلك الى هاجسٍ يؤرّق الأمويّين بشكلٍ مستمرٍّ والى مرضٍ مزمنٍ يعاني مِنْهُ النّظام، فكما نعرف فانّ اهم ما يحرص عليه ايَّ نظامٍ سياسي هو الشّرعية التي يبذل كلّ شيءٍ من اجل ان لا يتعرّض لها او يطعن بها احدٌ،

ولهذا السّبب تعرّض الامام عليه السلام الى الظلم والاضطهاد وسياسة الاغتيال السّياسي من خلال تسقيطِ الشّخصية واثارة الغبار عليها بالدّعايات السّوداء والتّهم الرّخيصة والاكاذيب المُبتذلة بما لم يتعرّض له ايّ امامٍ آخر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، بدءاً من سياسة التّضليل التي كان ينتهجها ويُشرف على رسمها وتنفيذها الطّليق ابْنُ الطّليق ابْنُ آكلة الأكباد مُعاوية والى الان على يد نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية عندما تعرّض حتّى لقبرِ الامام وقبور بقية أئمة الهدى في بقيع الغرقد في المدينة المنورة، عندما هدمَها وحاول محو آثارها في مسعىً منه لمحو ذكر الامام الذي ما ذكرهُ مُنصف الا وشكّك بسلطة الأمويّين الإرهابيّة التي حوّلت الخلافة الى ملكٍ عضوضٍ أَشاع العنف والارهاب والتّضليل وكلّ انواع الانحرافات والبِدع العقديّة والفكريّة والتي تقف على رأسِها نظريّة (الجبر والتّفويض) التي خدعت الامّة بانّ سلطتهم (الأمويّون) تفويضٌ من الله تعالى ولذلك فإنها (الامّة) مُجبرة على الطّاعة والخُضوع لها!.

انّ الطّعن بشرعية سلطة الأمويّين هو طعن بنظريّة التّوريث ولذلك تبنّى (آل سعود) نفس السّياسات الأمويّة التّضليليّة كون الأساس واحد!.

لقد كان الامام الحَسَنُ المجتبى (ع) بالمرصاد للسّلطة الأمويّة ولرموزِها ورجالاتِها، لم يكن ليفوّت فرصة الا وذكّرهم بماضيهم وحقيقتهم، في حربٍ نفسيَّةٍ ظلّ يشكل إِسقاط الشّرعية عن السّلطة حجر الزّاوية فيها ما تحوّل الى عُقدةٍ ظلّ يعيشها الأمويّون طوال حياتهِم.

 فقد نقل تقي الدين الحَمَوي مثلاً ما يلي؛

إجتمع عند معاوية عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وعقبة بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة فقالوا: (يا أمير المؤمنين) ابعث لنا الحسن بن علي، فقال لهم: فِيمَ؟ فقالوا: كي نوبّخهُ ونعرّفهُ أنّ أباه قتل عثمان، فقال لهم: انكم لا تنتصفون منه ولا تقولون شيئاً الاّ كذّبكم النّاس ولا يقول لكم شيئاً ببلاغتهِ إلاّ صدّقهُ النّاس، فقالوا: أَرسِل اليه فإنّا سنكفيكَ أمرهُ! فأرسل اليه معاوية فلمّا حضرَ قال: يا حَسَن! إني لَمْ ارسل اليك ولكن هؤلاء أرسلوا إليك. فاسمعْ مقالتهم وأجِب ولا تحرمنّي، فقال الحَسن (ع): فليتكلّموا ونسمع.

فقام عمرو بن العاص وقال: هل تعلم يا حسَن أنّ أَباك أوّل مَن أثارَ الفتنة وطلب المُلك فكيف رأيت صنعَ الله به؟!

ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فقال: يا بني هاشم، كنتم أصهارَ عثمان بن عفّان فنِعم الصّهرُ كان، يفضّلكم ويقرّبكم ثم بغيتُم عليه فقتلتموه، ولقد أردنا يا حسَن قتلَ أَبيك فأنقذنا الله مِنْهُ، ولو قتلناهُ بعثمان ما كان علينا من الله ذنب!

ثم قام عقبة فقال: تعلم يا حسَن أَنَّ أباكَ بغى على عُثمان فقتلهُ حسداً على المُلك والدّنيا فسلبها، ولقد أردنا قتلَ أبيكَ حتّى قتلهُ الله تعالى!

ثم قام المغيرة بن شعبة فكان كلامَه كلّهُ سبّاً لعلي وتعظيماً لعُثمان.

فقام الحسن عليه السّلام فحَمِدَ الله تعالى وأثنى عليه وقال: 

بكَ أبدأُ يا مُعاوية لم يشتُمني هؤلاء ولكن أنتَ تشتمني بُغضاً وعداوةً وخِلافاً لجدّي، ثم التفتَ إلى النّاسِ وقال: أُنشدكم الله أتعلمونَ أنّ الرجل الذي شتمهُ هؤلاء كان أوّلُ مَن آمن بالله وصلّى للقبلتَين؟ وأنت يا مُعاوية يومئذٍ كافرٌ تُشرك بالله! وَكَانَ معهُ لواء النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يَوْمَ بدرٍ ومع مُعاوية وأبيهِ لواء المشركين؟ ثم قال: أُنشدكم الله والإسلام، أتعلمونَ أنّ مُعاوية كان يكتبُ الرّسائل لجدّي (ص) فأرسلَ إليه يوماً فرجعَ الرّسولُ وَقَالَ: هو يأكل، فردّ الرسول إليه ثلاثَ مرّاتٍ كلّ ذلك وهو يقول: هُوَ يأكلُ، فقال النبي (ص): لا أشبعَ الله بطنهُ؟ أما تعرف ذلك في بطنِك يا مُعاوية؟ ثم قال: وأنشدُكم الله، أتعلمونَ أنّ مُعاوية كان يقودُ بأبيهِ على جمَلٍ وأخوه هذا يسوقهُ، فقال رَسُولُ الله (ص): لعنَ الله الجمَل وقائدهُ وراكبهُ وسائقهُ؟ هذا كلُّهُ لَكَ يا مُعاوية.

وأمّا أنتَ يا عمرو، فتنازعَ فيكَ خمسةٌ من قُريش فغلبَ عليك شبهٌ ألأمهُم حسباً وشرّهم منصَباً، ثمّ قُمت وسَط قُريش فقلتَ: إنّي شانىء محمّداً فأنزلَ الله على نبيّهِ (ص) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَْبْتَرُ} ثم هجَوتَ محمّداً (ص) بثلاثينَ بيتاً من الشّعر فقال النبي (ص): اللهم إِنّي لا أُحسن الشّعر ولكن العَن عمرو بن العاص بكلِّ بيتٍ لعنةً، ثم انطلقتَ إلى النّجاشي بما علِمتَ وعمِلتَ، فأكذبكَ الله وردّك خائباً، فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهليّةِ والإسلام، فلمْ نَلُمْكَ على بُغْضِكَ.

وأمّا أنتَ يا ابن أبي مُعيط، فكيف ألومُك على سبِّكَ لعليٍّ، وقد جلدَ ظهرَك في الخمرِ ثمانين سَوطاً، وقتلَ أباكَ صبراً بأمرِ جدّي، وقتلهُ جدّي بأمرِ ربّي ولمّا قدّمهُ للقتلِ قال: من للصّبيةِ يا مُحمّد؟ فقال: لهمُ النّارُ، فلم يكُن لكم عند النّبي إلاّ النّار ولم يكن لكم عند عليٍّ غير السَّيفِ والسَّوطِ.

وأمّا أنتَ يا عُتبة، فكيف تعِدُ أحدنا بالقتلِ؟ لمَ لا قتلتَ الذي وجدتَّهُ في فِراشك مُضاجِعاً لزوجَتِكَ ثمَّ أمسكتَها بعد أنْ بغَت؟.

وأمّا أنتَ يا أعور ثقيف، ففي أيِّ ثلاثٍ تسبُّ علياً؟ أَفي بُعدهُ من رَسُولِ الله (ص) أم في حُكمٍ جائرٍ أم في رغبةٍ في الدّنيا؟ فَإِنْ قلتَ شيئاً من ذلك فقد كذِبتَ وأكذبكَ النَّاسُ، وإِن زعمتَ أَنَّ عليّاً قتلَ عُثمان فقد كذَبتَ وأكذبكَ النَّاسُ، وأمّا وعيدُك فإنّما مَثَلكَ كمَثلِ بعوضةٍ وقفت على نخلةٍ فقالت لها: إِستمسكي فانّي أُريد أنْ أطيرَ، فقالت لها النّخلةُ: ما علمتُ بوقوفكِ فكيفَ يشقُّ عليَّ طيرانُكِ! وأنت؛ فما شعَرنا بعداوتِكَ فكيفَ يشقُّ علينا سبُّكَ؟ ثمَّ نفض ثيابهُ وقامَ.

فقالَ لهم مُعاوية: ألمْ أَقل لكم أنّكم لا تنتصِفونَ مِنْهُ؟ فوالله لقد إِظلمَّ عليَّ البيتُ حتّى قامَ، فليسَ فيكم بعدَ اليومِ خيرٌ!.

ما أروعكَ أيّها الامام الذي ينطقُ بالحكمةِ والحجّةِ البالغةِ والدّامغةِ وبكلِّ شجاعةٍ وثقةٍ ليفضحَ بها الطُّلقاء ويُعرّي سُلطتهم ويكشفَ القِناعِ عن ظُلمِهم وزيفِهم.

هل عرفتم الان لماذا صبّ الأمويّون جامّ غضبِهم على الامام المجتبى(ع)؟ فظلّوا ينشرونَ ضدّهُ التُّهم المُفبركةِ والافتراءات ويطعنونَ بشجاعتهِ تارةً وبشخصيَّتهِ تارةً اخرى، فكانَ شُغلهم الشّاغل في ماكينتهِم الإعلاميّة التّضليلية والى الآن؟!.

Back Home Next