في قول ِالامامُ جعفر بن مُحمَّد عليه السَّلام {كُونُوا لنا دُعاةً بِغَيْرِ أَلسِنَتِكُم} و {كُونُوا لَنا دُعاةً صامِتِينَ} يَكُونُ الامامُ جعفر بن مُحمَّد الصَّادق (ع) تُصادف
اللَّيلة ذِكرى ولادتهِ [في (١٧ ربيعُ الأَوَّل سنة ٨٣ للهِجرةِ) مع ذِكرى المَولد النَّبوي الشَّريف] قد أَسَّس لمفهومِ ما يُعرف الْيَوْمَ بالقوَّةِ النَّاعِمة والتي تعني [القُدرة
على الاقناع بالرَّغبة في أَن يفعل الآخر ما أُريدُ فلن أَضطرَّ إِلى إِستخدامِ العَصا] وهي النَّظريَّةُ التي تعتمد الإنجاز للإقناعِ وَلَيْسَ القوَّة!.
لقد إِعتمدت مدرسة أَهلُ البيت (ع) [على العكسِ من مدرسةِ الخُلفاء] على الأَخلاقِ كقوَّةٍ ناعِمةٍ للإقناعِ في الحِوارِ والجِدالِ وفِي المشروعِ من
دونِ اللُّجوءِ إِلى القوَّةِ أَبداً! وهو المفهوم الذي رسمَ معالمهُ رَسُولُ الله (ص) بقولهِ {إِنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخلاقِ} والمُستمدُّ من قولِ الله تعالى يصفُ
نبيَّهُ الكريم (ص) بقولهِ {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
إِنَّ المدرسةَ التي تعتمد الأَخلاق في علاقاتِها مع الآخر، أَيّاً كانَ، لا تحتاجُ إِلى أَن تتحدَّث عن نفسِها [دينِها] لتُقنعهُ بما عندها من قِيمٍ ونظريَّات ومشاريع
ونماذجَ! وإنَّما تدع سلوكيَّاتها وإِنجازاتها تتحدَّث عَنْهُ! وإِلى هذا المعنى يُشيرُ قول الامام الصَّادق (ع) أَعلاهُ فهو يُوصي شيعتهُ ومَن يلتزم بنهجهِ أَن لا يُشغلُوا أَنفسهُم
بالحديثِ عن دينهِم وتقواهُم والتزاماتهُم وأَخلاقهُم ليُثبتوا إِنتماءهُم! وإِنَّما يدعُوهُم إِلى إنجاز الشَّيء الصَّحيح في المُجتمع وفِي أَيِّ مِرفقٍ من المَرافِق ليتحدَّثَ
[الشَّيء الصَّحيح] عن شخصيَّتهِم وإِنتمائهِم! وبذلك يكونون دُعاةً للمدرسة بصمتٍ بعيداً عن التَّهريج والضَّوضاء وصخب الخطابات كما يفعلُ كثيرون!.
ولقد ثبُت بالتَّجربة أَنَّ الذي يتحدَّث للنَّاسِ عن دينهِ لا دينَ لَهُ! وأَنَّ الذي يستعرِض أَخلاقهُ أَمامَ النَّاسِ لا أَخلاقَ لَهُ! وأَنَّ الذي يتفاخر بالتَّقوى
أَمام العامَّة لا يمتلكُ ذرَّةً من تقوى!.
الصَّادقُ هو الذي تحدِّثُنا أَفعالهُ عن دينهِ وسلوكيَّاتهُ عن التزامهِ وإِنجازاتهُ عن تقواه!.
ولقد رأَينا من يدَّعي الانتماء لمدرسةِ أَهل البيت (ع) ماذا فعلَ عندما اعتلى السُّلطة في بغداد! فلقد تناقضَ فعلهُ مع قولهِ وإِنجازهُ مع إِنتمائهِ!.
يتحدَّثونَ عن النَّزاهةِ وهم أَفسدُ النَّاسِ! ويتحدَّثونَ عن النَّجاحِ وهم أَفشل من رأَينا وسمِعنا! ويتحدَّثون عن التَّقوى والورع والإيمان
وهم لا يحمِلونَ من كلِّ ذلك شروى نقيرٍ!.
كان بإِمكانهم أَن ينشغِلوا بالانجازِ السَّليم والصَّحيح ليُثبِتوا لنا صلاح [التَّجرِبة الاسلاميَّة] كما يسمُّونها، خيراً لهم ولنا من أَن ينشغِلوا بالحديثِ عنها
وعن إِمتيازاتِها وأَهمِّيتها وخصوصيَّاتها وفوائدها الدنيويَّة والاخرويَّة! من دونِ أَن نعيشها واقعاً حقيقيّاً ملموساً على الأَرْضِ!.
يَقُولُ الامامُ الصَّادق (ع) بهذا الخصُوصِ {كُونُوا دُعاةً للنِّاسِ بِغَيْرِ أَلسِنَتِكُم، لِيَرُوا مِنكُم الوَرع والاجتِهاد والصَّلاح والخَير، فإِنَّ ذَلِكَ
داعِيَةٌ}.
السُّلوك الْحَسَن والعمل الصَّالح والإنجاز السَّليم، إِذن، هو الدَّاعية الذي يقنع الرَّأي العام بصوابِ االمشروع، وليس الادِّعاءات الخاوِية والخِطابات الفارِغة مِن
المُحتوى والشِّعارات البرَّاقة المُخادعة التي لا تُغني ولا تُسمن مِن جُوعٍ!.
وفِي هَذِهِ المعادلةِ طرفان، إِذا تغيَّرا تغيَّرت المُعادلة وإِلّا فنحنُ نسيرُ إِلى الأَسوء يوماً بعد آخر؛
-
الطَّرف الأَوَّل؛ هو المسؤُول المتصدِّر للشَّأن العام الذي عَلَيْهِ أَن يستعيدَ وعيهُ
فيعتمد الإنجاز لاقناعِ النَّاسِ في صحَّةِ مشروعهِ فيبتعد عن الثَّرثرة في الكلامِ بِلا طائِل.
-
الطَّرف الثَّاني؛ هو المُواطن الذي يجب أَن يتعلَّم بأَنَّ المِقياس في التَّقييم لمنحِ
الثِّقة أَو حجبِها هو الإنجاز وليس الكلام والخِطاب، وليس الخلفيَّة والإِنتماء!.
إِذا تغيَّر وعي طرفَي المُعادلة فسيكونُ عندَنا [دعاةٌ صامتُونَ] يقنعونَنا بعَملهِم وإِنجازهِم وَلَيْسَ بثرثرتِهِم!.
كما سيكونُ عندنا مواطنٌ على درجةٍ عاليةٍ من الوعي يعرِف كيف يُحسِّن إِختيارهُ على أَساس الإنجاز ولا عَلَيْهِ بالخلفيَّة والبيئة التي جاء منها المسؤُول في موقعِ القرارِ!.
عند ذَلِكَ سنبدأ نتقدَّم إِلى الأَمامِ! أَمَّا في غَيْر هَذِهِ الحالةِ فنحنُ إِلى الوراءِ مُهروِلُونَ!.
كانُون أَلأَوَّل ٢٠١٧