Back Home Next


بمناسبة اربعينية الحسين (ع).
حضارة الدولة وفكرة التقدم؛– الماضي وارتباطه بالحاضر،
 بقلم د. رضا العطار
حسين مؤنس في الحضارة مع التصرف.
alattataronline.com


ينبغي ان يفهم الناس ان امجاد الحروب والغزوات انما هي في نهاية الحساب شر وبيل ودمار - - لكن هل فهم الناس ذلك، لكي تعرف الجواب؟.

اقرأ قول المتنبي (حكيم) الشعراء !

 

ولا تحسبن المجد زقا وقينة

 

بل الحرب والضرب والفتكة البكر

وتركك في الدنيا دويا كأنما

 

تداول سمع المرء أنمله العشر

 
وما ابعد البون بين هذه الخيلاء الكاذبة والاحساس الانساني في قول ابي العلاء المعري

 

تسريح كفك برغوثا ظفرت به

 

أبرّ من درهم تعطيه محتاجا

كلاهما يتقي والحياة له

 

عزيزة وبمني النفس مهتاجا


وسل نفسك : كم عربي يردد بيتي المتنبي هذين، ويترنم بهما كأنهما خلاصة الحكمة، وهما في الحقيقة وحشية وقسوة وجهل بطبيعة الحياة. وكم عربي يردد بيتي ابي العلاء وهما رمزان من رموز الحضارة والسمو الانساني !!

وقل لي بعد ذلك إن كان الناس يتعظون بالتاريخ؟ !

استشهد الحسين في سهل كربلاء في العاشر من المحرم سنة 61 هجرية. فالجريمة البشعة التي ارتكبها يزيد بحق احفاد رسول الله يوم عاشوراء، سرعان ما انتشرت اخبارها في البلدان المجاورة كما تنتشر النار في الهشيم، مما اثار سخط المسلين كافة في مشارق الارض ومغاربها على سلطة بني أمية.

وان ما فعله قواد العابث يزيد بعد ذلك بالمدينة المنورة ومكة المكرمة، لا يمكن تصور ابعادها، فقد ضربوا هاتين المدينتين المقدستين بالمجانيق وقتلوا ابنائها بعدما نهبوا اموالهم، مدة ثلاثة ايام، فنزلت عليهم اللعنة الابدية، وهذه اللعنة تحققت في وحدة المعارضة الاسلامية في جبهة موحدة، ضمت العلويين من اتباع الامام علي بن ابي طالب (ع) والموالي (اي المسلمين من غير العرب) الذين انتظموا بدورهم في حركات سياسية سرية ناشطة، وقد تكللت جهودهم المكثفة اخيرا في اسقاط الدولة الاموية في معركة الزاب وازالتها من الوجود، ونقل سلطة الدولة من دمشق الى بغداد عام 750 م

فقامت السلطة العباسية التي بدأ خليفتها الاول عبد الله السفاح في اجتثاث رموز بني امية واحدا بعد آخر، ذبحا، عبر اقامة ولائم عشاء كبرى!

وهنا نتساءل - هل انتفعت قراءة احداث الماضي؟ وهل اتعظ معاوية من عبر التاريخ؟

ان التاريخ لا يعظ قارئه، والذين يدرسونه للعبرة والموعظة يخدعون انفسهم. ولقد كنا نعجب حينما كان المؤرخون يرون ان معاوية كان لا ينام ليلة دون ان تقرأ عليه صحائف من التاريخ ليتعظ بما فعله الملوك قبله. ومع ذلك فقد وقع في خطأ طالما رأى الملوك قبله يقعون فيه. وهو توريث الملك لأبنائهم وان لم يكونوا اهلا له، فما زال – رغم ما قرأ وعلم – يعمل حتى حمل الناس على البيعة لأبنه يزيد. رغم ان الاسلام الذي يحكم معاوية باسمه، يؤكد على وجوب حكم الشورى، فجر على بيته بذلك البلاء، إذ على يد يزيد انتهى امر بني أمية. فلا شك في ان الدولة الاموية انتهت يوم

وفي ايامنا هذه تعيش امم الاستعمار – من امثال هولندا وانكلترا وفرنسا في حال هي احسن بكثير مما كانت عليه ايام الاستعمار، ولم تجن فرنسا شيئا من فتوح نابليون غير ذلك الغرور الاجوف الشرير - - - والمؤرخ الذي يروي اخبار فتوح نابليون يتجاهل آلام الالوف من رجاله الذين ماتوا شر ميتة لكي يكسب هو الانتصار.

وبالأمس فقط شعرت الولايات المتحدة الامريكية بان خير ما فعلته منذ دخولها حرب فيتنام، هو انها خرجت منها.

وفي تراب الهند الصينية عظام الالوف من شبان فرنسيين ابرياء لقوا حتفهم بغير هدف ودفنوا دون مجد، ليقوم شيء زائل يسمى الامبراطورية الفرنسية وراء البحار.


كل هذه الدروس عن عدم جدوى الحروب والغزو والاستعمار وشرورهما لم تعظ الناس بشيء، وها هي الحرب مشتعلة في ايامنا هذه في كل مكان. فمشاريع العدوان تعشعش في الرؤوس، ومصانع الاسلحة تعمل في نشاط يفوق نشاط مصانع الاغذية والنسيج.


والذين يستثمرون اموالهم في صناعة السلاح يكسبون بغير حساب. بينما تحيق الخسائر بصناع الجرارات والادوات الزراعية - - فهل اتعظ الناس بتجارب الماضي في ميدان الحروب؟ - - وهل لا يزال هواة المواعظ يصرون على ان التاريخ يدرس للعبرة؟ - - وهل هناك امة واحدة درس اهلها تجارب الامم من قبلهم وعرفوا الخير فاتبعوه والشر فاجتنبوه؟

ان حال الامم في ذلك حال الافراد، فكل انسان يعرف ضرر التدخين الذي لا ينفع ولا يسمن من جوع، لا يزال الناس يقبلون عليه وهم يعرفون انه قد يسبب لهم مرض السرطان ! ولكي يتعظ الانسان لا بد له ان يصاب بسرطان الرئة، حتى يدرك المرء انه كان لا بد ان يتعظ.

والولايات المتحدة الامريكية التي خاضت حربين من حروب التدخل في كوريا والثانية في فيتنام تنساق اليوم بكل جهالة في التورط في امر لن ينفعها بل يضرها وهو تأييد الصهاينة في احتلالهم للأرض الفلسطينية. وقطعا سياتي اليوم الذي تدرك فيه الولايات المتحدة ان كل ما قدمته للنظام المغتصب لكي يستمر في عدوانه انما كان خسارة محققة لها ووبالا عليها وعلى شعبها المسالم، لكن الاوان سيكون قد فات. وهناك ستكون العبرة عديمة الفائدة.