Back Home Next 

بلا " تليد " بلا بطيخ
اسامة فوزي


لا تمر مناسبة الا ويتحدث فيها الحكام العرب عن تاريخنا العربي " التليد " مع ان جميع الحكام لا يعرفون معنى كلمة " تليد " ومنهم لم يقرأ في التاريخ العربي اكثر من سيرة المهلهل وسيرة عنترة وسيرة الاميرة ذات الهمة.

ولسبب اجهله كنت اكثر الناس كرها لحصة " التاريخ " في المدرسة وبقيت على كرهي لهذه المادة حتى عندما التحقت بكلية الاداب في الجامعة الاردنية عام 69 ... ولسبب اجهله ايضا اصبحت بعد ان تجاوزت الاربعين من العمر مصابا بداء التاريخ ومدمنا على قراءة كتب التاريخ الى درجة المرض فأنا لا استطيع ان انام قبل ان اقرأ كتابا في التاريخ وغالبا ما تركبني الكوابيس بخاصة عندما يكون الكتاب عن تاريخنا العربي " التليد ".



لعل اكثر ما يقشعر بدني وانا اقرأ في تاريخنا العربي " التليد " هو حجم القتل والذبح وسفك الدماء والتفنن في عمليات الذبح مما لا اجد له مثيلا في تاريح الامم الاخرى ... فنحن - العرب - اول من ابتكر وسائل القتل بالتوسيط والتفليق والتكحيل وعصر البيضات والشي في التنور والسلخ والتفصيص والنفخ والخازوق والتقطيع والدفن للاحياء والسحل ... بل وتبادل الرؤس البشرية كهدايا وتذكارات

اما "
التوسيط " فهو القتل بالسيف عن طريق قطع الانسان الى نصفين من الوسط اي من فوق السرة ...ومن ذلك مثلا ما كان يفعله الامير صلاح الدين محمد بن ايوب الغساني الذي كان يعاقب من يخالفه الرأي مهما كان هذا الرأي تافها بالتوسيط حيث كان يشير الى ثلاثة من العبيد المرافقين له بالقول : وسطوه ... اي اقطعوه من الوسط وهو نوع من القتل ابشع من ضرب العنق او القتل بقطع الرقبة .
أما "
التفليق " فأكثر بشاعة ... حيث كان الحكام العرب يأمرون بفلق خصومهم بالسيف بشكل عامودي من اعلى الرأس حيث يتم قطع الرجل الى نصفين وهو واقف .


الخليفة العادل هارون الرشيد لم يكن عادلا الا في كتب التاريخ التي الفها المنافقون في قصره ... اما واقع الحال فيقول ان هارون الرشيد كان يتفنن في قتل خصومه بوشاية تصل اليه او لخلاف على امرأة ... كما فعل مع بشير ابن الليث الذي لم يكن له من ذنب الا كونه اخ " رافع بن الليث " احد حصوم الرشيد ... فحين وقع بشير في قبضة الرشيد امر احد اللحامين ان يستحدم سكينا صدئة في سلخ بشير عظمة عظمة وهو حي وجلس هارون الرشيد مع جواريه وهو يستمتع بمشاهدة هذا المنظر ...
ولعل ما فعله الرشيد مع صديق عمره واخوه بالرضاعة " جعفر البرمكي " يكفي للدلالة على وحشية هذا الخليفة الذي تصفه كتب التاريخ " المدرسي " بالعادل ... فقد قتل جعفر وقطع رأسه وامر بجثته ففصلت وعلقت على ثلاثة جذوع راسه في جذع وجسده على جذع وسائره على جذع ....

ولما وشى البعض للرشيد بأن صديقه وجليسه الشاعر منصور النمري قد نظم قصيدة يذكر فيها احقية العلويين بالولاية بعث الرشيد الى النمري بجلاد وطلب منه ان يسل لسانه من قفاه ويقطع يده ورجله ثم يضرب عنقه ويحمل رأسه الى بغداد.

هذا العنف الدموي في عهد الخليفة العادل هارون الرشيد انتقل الى اولاده من بعده ... والحروب بين ولديه الامين والمأمون اسفرت عن مقتل عشرات الالوف من العرب والمسلمين ... وقطع الاخ رأس اخيه وعلقه على مداخل بغداد .

عندما تصارع الاخوان السلطان صمصام الدولة والسلطان شرف على الحكم فانتصر شرف الدولة على اخيه قام بتكحيله بمسمار محمى فأعماه ... اما الخليفة القاهر بالله فبدأ عهده الزاهر بتعليق ام الخليفة السابق المقتدر - وهي امه بالرضاعة - من رجليها الى ان ماتت ... ولما انقلب عليه الخليفة الراضي فعل به كما فعل هو بأخيه ... اي كحله بمسمار محمي فعماه .... وتركه يتسول في شوارع بغداد وهو " ملتف بكساء قطني وفي رجله قبقاب خشب " كما ذكر ابن كثير في تاريخه " البداية والنهاية " .

ارجو ان لا يفهم ان هذا العنف الدموي في تاريخنا العربي " التليد " يقتصر على التاريخ القديم ... ففي العصر الحديث ارتكب الحكام جرائم اكثر بشاعة تطورت وسائلها بتطور نوعية السلاح ... وتحولت عمليات القتل الى مناسبات احتفالية يشارك فيها العوام ... فالامير عبد الاله الوصي على العرش العراقي سحل في شوارع بغداد من قبل العامة حتى ذابت جثته وفقدت ملامحها ... وجثة عبد الكريم قاسم اكلتها الكلاب وما تبقى منها اطعم للسمك ... وجنرالات الانقلاب في سوريا ابتداء بحسني الزعيم تفننوا في القتل والتصفية ... وجريمة تقطيع الفدائيين الفلسطينيين الجرحى في مستشفى البشير بعمان بالبلطات خلال مجازر ايلول على يد القوات الاردنية الخاصة لم تجد بعد من يسال ملوك الاردن عنها .

اما ناظم الكراز رئيس المخابرات العراقية في السبعينات فقد تفنن في عمليات القتل وتفرد بها ... فعندما رفض ثلاثون معتقلا من احد التنظيمات المعارضة الاعتراف على زملائهم خارج السجن احضر ناظم كزار تابوتا خشبيا ومنشارا كهربائيا الى مقر السجن ووضع رئيس المجموعة امام رفاقه داخل التابوت ونشر التابوت الى نصفين فانهار الجميع من هول الموقف واعترفوا بما ارتكبوه وما لم يرتكبوه .

تاريخنا العربي " التليد " تاريخ غير مشرف ... وما كان يدور في قصور حكامنا العرب من دعارة ولواط وسكر وعربدة وقتل وتعذيب ومؤامرات لا تجد مثيلا له في تواريخ الامم الاخرى ... والعجيب ان هذه الجرائم التي لا يقرها عقل ولا دين كانت تتم احيانا تحت شعارات دينية وكان المجرمون يزعمون انهم خلفاء للامة العربية والاسلامية وانهم من الاشراف وبعضهم كان يزعم انه من سلالة النبي والهدف طبعا هو اضفاء الشرعية على عمليات القتل والسحل والاغتصاب والسرقة التي تمارس بحق الاخرين .

وختمها قبا ايام امير المؤمنين محمد السادس ملك المغرب حين امر مخابراته بحرق احد السجون على من فيه من خصومه السياسيين ولفق التهمة لخطأ في التمديدات الكهربائة .... لعنها الله .

التزوير في تاريخنا العربي لم يتوقف ... واصبحت له اشكال متعددة ولم يقتصر على تأليف الكتب ... فهناك المحطات التلفزيونية ومواقع الانترنيت والاذاعات ... كلها اصبحت ميادين للتزوير ... ولجأ الشيخ محمد بن راشد المكتوم مؤخرا الى وسيلة تزوير جديدة ... فهذا الشيخ الجاهل الذي لم يكمل تعليمه الثانوي ينشر اعلانات في مجلات الكومبيوتر ... في اعلانه الذي تتصدره صورته عبارة تقول " تفضلوا بزيارة الموقع الخاص بالفريق الاول سمو الشيخ محمد بن راشد المكتوم حيث تلتقي فيهه اعذب الكلمات واروع المعاني مع الرؤية الحكيمة لفارس العرب واميرهم " .

هذا الشيخ الشخاخ اصبح " فارس العرب واميرهم " ... فمن فرسه علينا ومن امره على العرب غير فلوسه واعلاناته ؟ ... ومن المؤكد انه بعد الف عام سيقرأ العرب في التاريخ اسم المذكور موصوفا بلقب " فارس العرب واميرهم " فيختلط عليه الامر ... لان مشيخة قطر تقدم حاكمها حمد – وهو اتيس من محمد بن راشد – بصورة " فارس العرب واميرهم " ... وابو ظبي لا ترى الفروسية الى في زايد واولاده ... ومشيخة البحرين جعلت اميرها الفارس ملكا ... وهلم جرا .

يا حكام العرب .... اما الان الاوان لان تخجلوا !!