Back Home Next 
 

«داعش» وتاريخنا: هي منّا.. ونحن

توفيق شومان:

 
في كتاب «من تاريخ التعذيب في الإسلام»، وهو كتاب لم يأخذ حقه في الشيوع، يقول المفكر العراقي، هادي العلوي، إن الحجاج بن يوسف (660 ـ 714 م)، كان يستمني كلما قتل أو أعدم أو سحل، في حين أن المعتمد بن عباد (1040 ـ 1095 م)، أقام مزرعة من الرؤوس البشرية المقطوعة في إحدى حدائق قصره في إشبيليا.

ويروي المؤرخ البلاذري (توفي 892 م) في كتابه (أنساب الأشراف) أن مسلم بن عقبة، القائد العسكري المعروف خلال ولاية يزيد بن معاوية، استباح المدينة المنورة لثلاثة أيام، نهباً واغتصاباً وقطعاً للرؤوس، وأن آلافاً من الولادات حصلت جراء «جهاد الاغتصاب»، ومع ذلك، حين قارب مسلم بن عقبة الموت، أشهد الله على إيمانه قائلاً: أللهم إنك تعلم أني لم أشاق خليفة، ولم أفارق جماعة، ولم أعص إماما».

وفي المأثور التاريخي الإسلامي، أن الحجاج بن يوسف، قتل وأحرق وصلب وذبح ما يتجاوز مئة ألف شخص، لكن سابقه، زياد بن أبيه (ت ـ 673 م) تعداه في الإثم والعدوان، عددا وأمثولات جهادية، ومن مشهورات أفعاله، كما يرويها المؤرخ الطبري (ت ـ 924 م) أنه كان يدفن معارضيه أحياء، ويفقأ عيونهم، ويحرقهم على نار هادئة ثم يجز رؤوسهم، وكانت تأخذ منه نشوات القهقهة مأخذا، حين يُطلق كلابه الجائعة على مسجونيه. ويعزى إليه، أولية إنزال عقوبة قطع اللسان في الدولة الأموية المتغلبة. فقد قطع لسان رشيد الهجري، ثم صلبه، لخلاف في العقيدة، وبحسب المرويات التاريخية أن زياد بن أبيه، أول من أباح قطع الرأس وحمله على السيف، وكان ذلك الرأس لعمرو بن الحمق، فجرت بعده العادة، كأنها ذهبت مثلا.

وإذا كان الحرق، غير مألوف ومعروف في الجاهلية الأولى ولا في الإسلام الأول، فالخليـفة الأمـوي هشام بن عبد الملك (690 ـ 744 م)، أباحه واستكثر منه، مضيفا إليه قطع الأطراف، مثلما فعل مع غيلان الدمشقي، أو كما فعل عامله على العراق خالد القسري، مع الجعد بن درهم، حيث تم ذبحه وحرقه، وهو المصير نفسه الذي حل بالمغيرة بن سعيد وأتباعه، والحارث بن سريج وأنصاره، على ما يقول الطبري ويروي.

وحين استحكم العباسيون وأصبحوا من ذوي الشوكة والغلبة، قتل أبو مسلم الخراساني (ت ـ 755 م) مئات الآلاف، وقيل إن آلاف المذبوحين غطوا بقاع الشام والعراق، ويروي أبو فرج الأصفـهاني أن أبا جعفر المنصور (ت ـ 776م) أوغل في الشناعة، فكان يدفن معارضيه أحياء حتى الموت، وبعـدما كـان تقـطيع الأوصال يجري دفعة واحدة، غدا في عهد الخليفة هارون الرشيد (ت ـ 810 م) أربع عشرة دفعة، وهذا بالضبط ما فعله الخليفة الرشيد ببشير بن الليث وفقا لرواية الطبري، وتشعبت أسباب الذبح والقتل من ولاية متغلبة إلى أخرى، وتراوحت بين سبب سياسي أو عقيدي، أو هروب من الجيوش، أو انعدام القدرة على دفع الخراج، أو لوشايات يصعب حصرها. وأبدع العباسيون والسلاجقة والمماليك والعثمانيون في فن التلذذ بضحاياهم، ومن أمثلة ذلك:

ـ التشميس: ويعني ترك الضحية لمصيره تحت شمس حارقة.

ـ المسمرة: ويعني دق المسامير في أيدي الضحية على جذوع الأشجار حتى يلقى حتفه.

ـ الحشو: حشو أنف الضحية وعينيه وفمه بالتبن، حتى تخرج روحه من خلفه، إذ كان الاعتقاد سائدا، أن الروح تخرج من الفم، وبهذه الطريقة يسدون منافذ الروح التقليدية على ما يزعمون.
ـ السلخ: ويعني سلخ جلود البشر، وقد أورد ابن الأثير، أن الخليفة العباسي المعتضد بالله، (ت ـ 904 م) سلخ جلد معارضه محمد بن عبادة، وكذلك فعل السلاجقة بقيادة محمد بن ملكشاه، مع أحمد بن العطاش وأصحابه ممن وقعوا في الأسر.

في العصر العباسي، شاعت طريقة سمل عيون الخلفاء لإسقاط خلافتهم شرعا، فالأعمى لا يحوز الولاية، وعلى ذلك، تم تعطيل أهلية القاهر بالله، بسمل عينيه من قبل ابن أخيه الراضي بن المقتدر، ومثل ذلك جرى مع المتقي لله، حيث سمل عينيه ابن عمه المستكفي، ولا يخرج عن السياق، الخليفة العباسي المتوكل (ت ـ 861 م) فقد ذبحه إبنه المنتصر، وكان ولي عهده، وقال فيه البحتري شعرا:

أكان ولي العهد أضمر غدرة؟

 

 فمن عجب أن ولي العهد غادره


السلطان العثماني مراد الأول (1326 م)، سمل عيني ابنه، صاروجي، بعدما نازعه الملك، على ما يقول محمد فريد بك المحامي، صاحب الكتاب المعروف «تاريخ الدولة العلية العثمانية»، فيما فاتح مدينة القسطنطينية (1453 م)، محمد الثاني، قتل أخاه الرضيع أحمد، في حين أن السلطان سليم الأول دس السم لوالده بايزيد الثاني واستولى على الحكم في العام 1512م، ثم قتل خمسة من أولاد إخوته، ولاحق أخويه أحمد وكركود فقتلهما في العام 1513. وفي معركة «غالديران» العام 1514 مع الشاه الصفوي إسماعيل، سُبيت زوجة الأخير، فأهداها السلطان سليم الأول لكاتبه، تبعا لما يقول محمد فريد بك المحامي.

لم يخرج السلاطين العثمانيون، كما يقول المؤرخ خليل إينالجيك، في كتابه «تاريخ السلطنة العثمانية» (ترجمة محمد الأرناؤوط)، عما هو معروف بـ«قانون ناما» الذي وضعه محمد الفاتح، بعدما استحصل على «فتاوى شرعية» أجازت قتل الإخوة والأشقاء والأقارب حفاظاً على مصلحة السلطنة العليا، ويرد في القانون:

«يمكن لأي من أبنائي، الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلـص من إخـوته، وهو ما تقره غالبية العلماء»،

 ووفقاً لهـذا القانون، حيث يقرر الله مصير الممالك والملوك، فسليمان الأول قتل ولديه، مصطفى (1553) وبايزيد (1561)، وخنق مراد الثالث خمسة من إخوته، ومحمد الثالث (1595 ـ 1603) أعدم تسعة عشر من إخوتـه، وعثمان الثاني (ت ـ 1622) حـاز «فتـوى» مباشرة بقـتل شقيـقه الأكـبر محمد، واعتمد السلاطين العثمانيون حبس أشقائهم في غرف خاصة في القصور، وقد غدت تُعرف لا حقاً بـ«الأقفاص» وتمتد لسنوات. ولما دُعي سليمان الثاني للحكم، كان قضى أربعين سنة في «القفص»، إلى جوار الخصيان والجواري والعبيد، وبطبيعة الحال، بعد أن تؤول السلطة لسلطان السلطنة الجديد، يزور ضريح الصحابي أبي ايوب الأنصاري، ويؤم المصلين جماعة في أول يوم جمعة، يلي إعلان سلطانه.

من نافل القول، إنه من الصعب حصر السير الشخصية للولاة المتغلبين أو إيجاز تاريخ تداولهم السياسة وإدارة الأمر، ولكن السؤال الذي يبهظ الحاضر، يكمن في الحيز المسموح والمطلوب لفصل القداسـة عن التاريـخ، ذاك التاريـخ الذي أعيـد إحياؤه ممـثلا بـ«داعـش» وخلافتها وشرائعـها القائمة على السبي والذبح والقتل باسم الشريعة وأحكامها