Back Home Next

 

1999 م - الى الكنيسه

 

د.هشام العلي
 

 كانت الصدفه وحدها ، التي قادتني الى معرفة ان هناك كنيسة في داخل المملكة العربية السعوديه ؟ فالفكر الديني الوهابي المتشدد السائد في الثمانينات والتسعينات من القرن الميلادي الماضي اطبق بكل عنفوانه وجبروته على الانسان ، نفسا وروحا وتفكيرا ، فالمنطقه من الخليج الى المحيط امة مسلمه ، ومن شرق الارض الى غربها يجب ان تكون امة واحده مسلمه . فاسرائيل اليهوديه اعداء واوروبا المسيحيه اعداء وايران الشيعيه اعداء ، لذا ادى هذا الفكر ان يكون العربي من الخليج الى المحيط هم مسلمين .

لذا كان وجود كنيسه في المملكة العربية السعوديه اكبر من ان يتخيله عقل او يحتمله دارس ، او تأتي به خاطرة شاردة ، ضلت طريقها ، فاهتدت الى سواك دون غيرك صدفه ،

لا لن يحدث هذا ، لن يحدث هذا ، لمن ولد وترعرع على ذلك الفكر الديني المتعصب احادي التفكير . وهنا سيأتي السؤال اليك : هل سكن منطقه الحرمين الشريفين مسيحيون ؟ ومن اين أتو ؟ فارض الجزيرة للعرب وليس للأفرنج !! لذا جرى التعتيم عن هذا الأمر ، فلا احد يتحدث ، ولا هناك من يكتب ، هناك فقط من رأي ويجب ان يكون كمن لم يرى!! .


فالمسيحي ارتبط باوروبا وامريكا ، ولغته الانجليزيه . واليهود ارتبطت باسرائيل ، ولغتهم العبريه ، وحدهم المسلمون يتحدثون اللغه العربية ، وعليه كل عربي هو مسلم . هذا ما كانت عليه المملكة العربية السعوديه . بعكس المجتمع الشامي او المصري او العراقي الذي كان في اساس تكوينه المعيشي يتعايش مع غير العرب المسلمين ، ولهذا ساهمت الفضاءيات العربية التي انتشرت منتصف التسعينات لدى المجتمع السعودي المنغلق - بسبب الفكر الوهابي المتشدد - ساهمت بفكرة ان يرى المجتمع السعودي بكون العربي مسيحي او يهودي او صابئي او كلداني او ...

" هل هذا معقول ، هنا في المنطقة الشرقية كنيسه . يالله "
" هذه حقيقه ، وانا اليوم متجه الى هناك "
" انت متجه الى هناك ! فهل نكون رفقاء درب "
" العرب تقول خير الصحبة ثلاث ، فأهلا بك معنا "

وافق دكتور الاثار- القادم من جامعة الملك سعود بالرياض والتي تبعد ثلاث ساعات ونصف عن متحف الدمام والذي يقع فوق المكتبة العامه – وافق ورب صدفة خير من الف ميعاد . فقد تصادف لقائي به عند زيارتي للمتحف بعد ان زادتني القراءة عن الكتب والمجلدات التاريخيه عن تأسيس المملكة العربية السعوديه رهقا . فكانت فترة الاستراحة قبل العودة الى القراءة ، فقررت زيارة متحف الاثار ، فالأمر لا يتعدى بضع ثواني على بعض درجات من سلم يصل الدور الأول بالدورالثاني .

" ها أنا الأن في المتحف "
كنت في المتحف ، فكان اللقاء بعد ذلك .

انطلقنا نحن الثلاثه ( الدكتور وموظف من المتحف وانا ) باحدى سيارة المتحف ذات الدفع الرباعي ، اي ان العجلات الاربع للسيارة تتحرك معا ، وليس كسائر السيارات المعتاده ، من ان العجلات الخلفيه هي التي في الغالب تدفع بالسياره الى الحركة ، فهذه كانت مشورة مدير المتحف ، ان نأخذ السيارة ذات الدفع الرباعي ، فطريق الكنيسة يمر بطرق رمليه غير معبده ، وتلافيا لأحتمال عدم قدرة السيارات الاخرى من السير بسهوله فوق الرمال ، أمر مدير المتحف بهذه السيارة المخصصه للسير على مثل تلك الطرق .

والحقيقة ان هذا هو سبب اكتشاف الكنيسة قبل 19 سنة اي في العام 1986 ميلادي . فقد توقفت احدى السيارات عن الحركه عند مرورها في تلك المنطقه ، بسبب نزول العجلات الخلفيه داخل الرمال ، مما جعل العجلات تتحرك في نفس المكان ، فتفقد قدرتها على دفع السيارة . ولأهل الصحراء واصحاب هواية الصيد في الصحراء ، خبرة في هذه الحالات ، لكثرة ما يواجهونها في رحلاتهم وتنقلاتهم ، فيتم الحفر وابعاد الرمال حول العجلات ، حتى تكون الارضية حول العجلات بمستوى ارضية العجلات ، وعندها يتم دفع السيارة من الخلف ، ومع ضغط السائق بخفه على البنزين متدرجا في القوه ، تعود العجلات الى حركتها الطبيعيه بالدوران فتتحرك السيارة .

ادت عملية الحفرهذه الى اكتشاف الجدران العلويه وبعض سقوف الكنيسه ، وبعد 6 سنوات من الحفر والتنقيب من قبل فرق الاثار، ظهرت الكنيسه بشكلها النهائي وهو الذي حليه حتى يومنا هذا ، بعد ان تم تسويرها بسياج حديد ، له بوابه مخصصه لدخول المختصين والمسئولين فقط ، فلم يعلن عنها ، لا في الصحف ، ولا في برامج التلفزيون .

تبعد الكنيسة مسافة ساعة ونصف من المتحف في منطقة تعرف بـ " الجبيل " ، ساعة من السير على طريق معبد ، ونصف ساعه على الكثبان الرمليه ، وانت تشاهد بعض الاشجار الخضراء التي تنمو في الصحراء متأقلمة مع حرارة الجو العالية ، وقلة وندرة الماء ، الا ان سقوط الامطار في فصل الشتاء ، والذي يمتد خسمة شهور يكفل لها حياة ونموا طول العام .


اخرج دكتور الأثار بعض الصور وطابقها على الكنيسة ، وتأكد من الزخارف المنقوشه نحتا في الطين الذي يشكل جدران واعمدة الكنيسه ، كما القى نظرة وتلمس بيديه اثر الصلبان على الجدران ، بعد ان سرقت او من يعلم ، فقد تكون انتزعت ثم حطمت وهشمت تهشيما ، ولكن الاثر الذي تشكل من الصليب على الجدار كان اوضح من ان تخطئه العين .

" الكنيسه تعود الى القرن الرابع الميلادي ، هذا مؤكد "
" اي انها قبل الاسلام بقرنين يا دكتور ، على اقل تقدير طبعا !! "
" الدين الاسلامي اخر الاديان ، وهناك من يريد ان يجعل تاريخ الارض والبشر بدأ بالاسلام "
" هذا كلام خطير ، او تأمن على .... "
قاطعني قبل ان اكمل كلامي
" الخطر لا يأتي الا من الانسان ، أوستفعلها يا هشام "
" العذر كل العذر ، فأنا لأول مره اسمع هذا الكلام "
" قد قيل الكلام وقد انتهى ، وها أنا في أمن وأمان وفي افضل حال " ثم اكمل كلامه
" فماذا فعل بي الكلام الذي قلته "
" ستبقى كذلك ، وانا على هذا العهد حافظا امين يادكتور "

اتجهنا الى طريق العوده وفي منتصف الطريق الرملي ، طلب الدكتور ان نتوقف ، تحرر من حزام الامان وأخرج من جيبه الأيسر ، علبة معدنية اسطوانية ، فتحها مخرجا ورقة مكتوبة بخط اليد ، ثم اخرج ورقتين اخريتين عبارة عن مجموعة صور . لا حظت ان الكتابه في الورقة الاولى قد ملئت وجه الصفحه وظهرها ايضا .
امسك بالقلم واخذ يكتب على الورقة الخامسة والتي كتبت الى المنتصف فقط ... وضع القلم وبدأ يكتب وهو يقول بصوت مسموع ، لقد اراد ان يفهمنا انه يقول ما يكتب ، كان هذا لطفا منه ، وتأدبا للرفقه والصحبه التي قضيناها معا ، فيعرف الجميع ما كان وسيكون من أمر هذه الرحله .

" اليوم الخامس والعشرون من شهر ذو القعده من العام 1419 الهجري الموافق للعام 1999 ميلادي وعند الساعه السادسه وثمان واربعون دقيقه عصرا انهينا زيارتنا للكنيسه في مدينة الجبيل ، والتي استمرت ساعتين ونصف وهي مطابقة للصور التي التقطها خبراء الاثار.

النقوش والزخارف المحفورة على الطين التي ارتسمت على جدران الكنيسه ، والهندسة المعماريه للبناء وكذلك الاعمدة تدلل على ان الكنيسه قد بنيت في القرن الرابع الميلادي يدعم ذلك اثر موضع الاجراس والصلبان على جدران الكنيسه وان كانت غير موجوده . أما الذي بناها فهو متروك للبحث والدراسه ".
الاور
اق في هذه العلبه المعدينة الاسطوانية خمس ورقات
المسافة 15 دقيقة من الكنيسه باتجاه الشمال على طريق رملي
الدكتور باحث الاثار الصديق
............... ............... هشام العلي

طوى الدكتور جميع الاورق ، واعادها الى العلبه المعدنيه ، ثم احكم اغلاقها ، خرج من السياره وسار مشيا على قدميه ، حتى وصل عند كثيب رملي متوسط الارتقاع ، صعد الى اعلاه ، حفر حفرة بيده ، والقى العلبه المعدنية ثم اهال التراب عليها دفنا .


اخبرنا ان هذه هي عادته ، الان نحن نقف على مكان وقف عليه غيرنا قبل 1600 سنه ، وسيقف غيرنا على مكانا نحن الان وقوفا عليه . لذلك كتبت ما كتبته ، ليعلم من كان لا يعلم عن هذه الكنيسه .

 

كنيسة الجبيل هي كنيسة أثرية اكتشفت في شمال محافظة الجبيل، في المملكة العربية السعودية عام 1986 ويعتقد أنها تتبع للمذهب النسطوري والذي انتشر في القرن الرابع الميلادي. تعتبر الكنيسة من الشواهد المهمة حول انتشار المسيحية في شرق شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام.
عثر في المنطقة على بقايا تتكون من صحن للكنيسة وثلاث هياكل. الموقع محاط بسور ولكن يمكن رؤية الآثار من مسافة.