Back Home Next

 

الرياض

 

د.هشام العلي
 

الرياض تلك المدينة التي لا تعرف الهدوء ولا تعرف الاستقرار، انها المدينة الحالمه بالتمدن .. مهرولة الى النمو في عرضها وفي طولها ... لا يجنح اليها الحالمون بالسكينة .. ولا الحالمون بالسكون ... وليست مدينة للعابرين عند محطات السفر ... مدينة تعرف الحقائب فيها معنى اللقاء بعد الفراق

انها الضوضاء والانوار، انها السهر، انها الرفقه مع اقمار الليالي ونجوم السماء حتى الصباح، فلا يسكن فيها الليل الا بمقدار ما يصافح الصباح، تدفقت الاموال - بعد النفط - كهطول المطر على الوديان، فصبت الجاليات كأنهار في بحرها، ومع ملوحة البحر طعما، وغدره طبعا، الا انه اعظم ايات الله عطاء، اعظمهم ثمرا ورزقا
" اسألوهم، ان اردتم " . وهل قرأتم دعوة ابراهيم "

 

كدوي اعصار، وقع الانفجار فكان الارهاب، وتساقطت النوافذ المعدنية، وشظايا الزجاج المتكسر من الادوار العليا للعمارات السكنية، وقبل ان تصل الى الارض .. سبقتها الكتل الخرسانية، وقد ظهر منها اجزاء من الحديد باشكال مربعة متصدعه . والغبار الذي الفه اهل الصحراء، كان معهم في ذلك اليوم ... قتلى وجرحى ... اتى بعده، على غير العاده .. غبار يأتي بعده مطر.. فصفو وصحو ... لكن ليس دموع وثكالى ... يتامى وارامل ...

عمل ارهابي في مجمع المحيا السكني 2003 الميلادي، حفرة كبيرة عملت مستنقع مياه
" هنا كان الانفجار، لكن اين اجزاء السيارة ؟ !"

ليست وحدها المتفجرات كانت كخليلة وفية للسيارات، فعندما اتيت الى الرياض تاركا مكتبة ومتحف الدمام عرفت ان الموت اصدق وأوفى للسيارات، كان .. وما زال ... ولا ادري ان كان سيبقى ....

 

كنت اعمل في وزارة التربية والتعليم، كموظف اداري بعد نقلي من التدريس، الوزارة تقع في شارع الستين رسميا، وشارع الوزرات عرفا، كثير من الوزارت الحكومية تقع على هذا الشارع، لذلك سمي بشارع الوزارت، مما تسبب في ازدحامه لكثرة موظفيه، وكثرة القادمين اليه من مختلف المدن الاخرى، حيث النظام البيروقراطي الذي يعتمد على المركزية، فتمركز العمل والقرارات في الرياض حيث مقر كل الوزرات الحكوميه، هم قالوا هذا الكلام .. وهكذا انا رأيت ..

فقررت الحكومه انشاء المباني الحديثه التابع لها، والتابعة للشركات والقطاع الخاص على اطراف الرياض، فنمت المدينة واتسعت بها الارض . حتى تشكلت المدينة على الشكل الدائري، هذه هي طبيعة المدن الصحراوية، بعكسها الساحليه او النهرية، فتتمدد طوليا مع الساحل او مع اتجاه مجرى الانهار . احاط طريقا دائريا، عريضا وعملاقا بالعاصمة، فسمي " الطريق الدائري " ... لم ينتبه احدا لرسالة السماء هذه ... أهناك خطر قادم تحمله السنين!... فتعود الااسوار حول المدن وتحصيناتها !.... لم ينتبه احد ! اي احد !.

 

عندما اتيت الى الرياض سكنت في " الدائري الشرقي " عند مخرج 14، فهذا الطريق العملاق له 22 مخرج.  تودع العاصمة سكانها الى الخارج عن طريق المخارج . وترحب بالقادمين اليها اذا ارادوا الدخول من خلال 22 مدخلا . مما يفك الازدحام عن الطرق الداخليه، التي تكون عادة مليئة بالاشارات المرورية التي تنظم حركة السير للسيارات، لكن الطريق الدائري لا يوجد به اشارات توقف، واعطي له اعلى حد للسرعة النظامية، فتشتاق اليه السيارات ويرغب اليه هوى السواق ..

فنالت الرياض الصداره ... فكانت الجائزة ... الجنائز! وحدها الجنائز، لكونها اكثر مدينة في العالم تنزع الاروح من سائقيها، نزعا في الطرقات، بسبب الحوداث ... والامر ينطبق على كل المملكة العربية السعوديه . اكثر من 6 الاف كفن تستقبلها الارض، ومثلها السماء سنويا ولكن ارواحا من غير اجساد، والسبب هي الحوادث، لا الارض اكتفت، ولا أهل الارض قل كرمهم ....

7 ملايين ريال جائزة اعلنتها حكومة المملكة العربية السعودية لكل من يدل على ارهابي او مخطط لعمل ارهابي، ما كان يخطر على بال احد ان خمسة عشر ممن اتهموا في احداث 11 من سبتمبر سعوديون، لم يبقى الا اربعة فقط . لم يكونوا كذلك . وقعت المملكة بين اعاصير السماء وبراكين الارض، اعاصير عاتية من امريكا حيث الكونغرس يتداول تقسيم المملكة، وتنظيم القاعدة ربيب الحكومة سابقا، يعلن الجهاد عليها، لسانا ومالا وان بذلت النفس . مجمعات سكنية استهدفها تنظيم القاعده، ومباني حكومية، تشهد على ذلك الساعة 2:30 ظهرا، عند المبنى الرئيس لإدارة المرورو، فيما تعلن السفارة الامريكية والبريطانية ان مواطنيها المقتولين بعد الاخطاف هم ضحايا العمل الارهابي لتنظيم القاعده . فليس هناك من مدخرات للغد .. اليوم وليس غدا، كان هذا قرار الحكومة السعودية من تجفيف منابع الارهاب، فأعلنت 7 ملايين ريال كمكافئة لأي تعاون أمني من قبل المواطنين مع اجهزة الدولة .

كان تنظيم القاعده نبتة من زرع الوهابية الفكرية الدينية، ولا طاقة للحكومة السعودية في مواجهة الغضب العالمي الخارجي - من ان الفكر الوهابي المتطرف هو السبب – ومواجهة القاعدة الوهابية العريضة في الداخل في ان واحد، لا طاقة للحكومة على ذلك ... فالوهابية التي تغلغلت في مفاصل الدولة، حتى تشربتها الاجهزة التعليمية والاعلامية، وكذلك الجماهيرية الشعبية من خلال المساجد والانشطة الدعوية في مختلف ارجاء البلاد. فكان من الصعب على الحكومة السعودية ان تنقلب فجأة عليها، وتنقلب على الفكر الديني، وهي التي جعلت الوهابية واجهة لها فيما مضى من سنين . فكيف تنقلب عليها فجأة!، والعداء الخارجي مستمر ومحيطا بالدولة !! هذا صعب وكثير جدا على الحكومة ... وفي ان واحد ايضا ... فهذا ضجيج لا يطاق . ولكن العالم يضغط بكل ما أوتي من قوة، حتى قدحت الحكومة السعودية شرارتها السياسيه، فأصابت نارا، ففرحت بها، وفرحت لها معها دول، فسلكت بنارهارها طريقا ... وأصلت بلهيب نارها جماعة، فكانوا محرقة تشفي بها الحكومة السعودية جراح الداخل كيا .


اعلنت الصحف ان الحكومة السعودية، ستضرب بالحديد والنار جماعة الاخوان المسلمين، فهم الس
بب ولولاهم ما كان السبب . فالسعودية من وجه، تثبت للعالم انها صريحة واضحة في محاربتها للفكر المتطرف، فهاهي تعلنها علانية جهارا نهارا، وفي وجه اخر، تطمن الحكومة السعودية القاعده العريضة للوهابية في الداخل، انهم ليسوا الطريدة، ولن يكونوا الفريسه. ولكنها في الحقيقة اصطادت بعض رجال الوهابية، ممن لا يسيرون في ركابها ولا يدورون مع فلكها، فرمتهم بسهام الاخوان فأبعدتهم، فقزمت بعضهم واستأصلت اخرين منهم . واخرجت من حدودها بعض من مشايخ الجالية العربية تثبيتا من الحكومة من ان الفكر المتطرف جاء عن طريق الاخوان المسملين!!!، وما صدقوا في قولهم ولا كانوا لله محسنين .

والحقيقة ان السعودية احتضنت جماعة الاخوان المسلمين من مصر وسوريا، فكان التعليم المدرسي والجامعي في اعظم فتراتها اقبالا، فنظمت المدارس والجامعات وفق المنهج الوهابي، فمن لم يستطع، التأقلم والتكيف والمسايره على اساس هذا المنهج، رحل ولم يستمر، ومنهم الكثير، واما الذين قرروا البقاء فكان لهم الفضل في التنظيم وليس في الفكر، فالفكر وهابي، من القدمين حتى النخاع، والنخاع هذا هو التطرف بذاته .

وان كان هناك من راي، فمن حقي ان ارى، فلقد تعلمت في مدارس الاحساء واخذت مناهجها الدينية، مثلي مثل كل فرد سكن الارض، وجلس على مقاعد الدراسة، اخذنا المناهج تفسيرا وحديثا ومعها فقها وتوحيدا، وهابية خالصة لوهابية . وتخرجت من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية ومن كلية الشريعة والدراسات الاسلامية، منهجا عرفته وخبرته، عقيدة وقرأنا، حتى حفظت من القران 8 اجزاء، فرضا على كل طالب في كل فصل دراسي، ان يحفظ جزء من القران تلاوة وتجويدا وغيبا .

 

وما كانت جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الا مرتكزا للدراسات الاسلامية، واكبر جامعة عددا للطلاب وفروعا لها في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها . ومنها ومن خلالها انطلقت الوهابية الى جميع اصقاع الارض شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، فنشرت الدعوة الوهابية في بلاد اذن الله فيها ان ترفع صلواته، وانتهت عند بلاد تذبح القرابين للمسيح ربا ونبيا، كل هذه الدعوات الوهابية وانتشارها، تتم من خلال هذه الجامعة التي تخرجت انا منها . والحكومة داعمة مالا وقوة ونفوذا واعلاما لهذا الدعوة الوهابية . واذا اقول الحقيقة كل الحقيقة، رأيا لي اراه حقيقة، ان جماعة الاخوان المسلمين بريئون من كل تطرف في داخل المملكة العربية السعودية، انها الوهابية وحدها دون سواها، والحكومة اعلم فهي من سواها ؟ والهمها تطرفها وعداها ؟ .

واليوم انا في الرياض اصارع الافكار في عقلي، بين عين ترى واذن تسمع، فلا عقلي يرضى بما تراه عيني، وما صدق عقلي ما سمعت اذناي . واقول معترفا انني لم اعد احفظ من القران الا اليسر اليسير، فالقران حي في القلوب، وحياة القلوب المداومة في حفظه وتلاوته وتدبره، فأن لم يكن ذلك، فينساك كما نسيته حفظا، والله خير الحافظين والله خير الراحمين .