Back Home Next

 

واشنطن العاصمه 2017 م

 

د.هشام العلي
 

 اتصل سفير الولايات المتحده الامريكيه بالرياض ستيفن ، بالخط التلفوني الذي لم يسبق ان استخدمه احد من قبله ، ولم يكن حتى هو يرغب في ذلك  ... فيكون اول من يستخدمه في هذا العالم ... وبدأ الهاتف يرن  ويرن في مكتب وزير الخارجية الامريكي في العاصمه واشنطن . وما ان رأى الرقم ... حتى ترك القلم ، وسقطت بعض الاوراق من يده الاخرى ،  ثم نهض وهو يتكأ على سطح المكتب باحدى يديه ، فيما كانت يده الاخرى تمتد مرتعشة الى التلفون ... فتح الخط فتحدث السفير

 " سيدي بارك انا لأول مرة  استخدم الهاتف الذي ينتهي بالرقم 1779"

" لقد عرفت ذلك وقد ظهرت الارقام  باللون الاحمر وهو ما أكد استخدامك له "

" هل انت جاهز لاستقبال رسالتي وبدأ المهمه العظيمه الموكلت اليك "

" لا . ليس الان  ، فانا وحدي في المكتب ، والرساله من اختصاص رئيس الاستخبارات الامريكيه ايضا ، فهو الذي  سوف يستلمها منك "

 كان البروتوكول الحكومي الامريكي ونظامه يقضي ان السفير يعطي مهامه لرئيسه المباشر فقط  ، وفي هذه الحاله يتوجب على ستيفن ان يسلم الرساله الى رئيسه المباشر بارك وزيرالخارجية الامريكي فهو المسئول الاول عن كل سفراء امريكا الى العالم

 

" انا رئيسك المباشر يا ستيفن ولكنك تتصل بالخط  ذو الارقام الحمراء وهو من اختصاص رئيس الاستخبارات الامريكيه وحده دون سواه"

في هذه الاثناء دخل رئيس الاستخبارات الامريكيه الى المكتب في عجل ، وهو يرتدي بدلته الرسميه والكرفتة الحمراء المخططه باللون الرصاصي تتطاير على قميصه الابيض... فتحدث من خلال مكبر الصوت لجهاز الهاتف  لكي يسمع بارك ايضا

" حتى انا لا استطيع ان استقبل رسالتك يا سعادة السفير، من اجل البدء في اعظم مهمه   "

وبنبرة عاليه لا تخلو من غضب  " اسلم الرسالة لمن... فالامرغير قابل للتأخير" 

" لقد اخبرت الرئيس الامريكي بالأمر وهو قادم الينا ، و سيستلمها بنفسه منك "

 

كانت المحادثه تتم من خلال مكبر الصوت لجهاز الهاتف من على سطح مكتب بارك ، ودون استخدام السماعه حتى لا يتم كسر البروتوكول الامريكي . فالرساله وان استلمها رئيس الاستخبارات ولكن من خلال مكتب  وزير الخارجية ، ومن خلال  الهاتف التلفوني لمكتب وزير الخارجية ايضا. وبالتالي تم الحفاظ على تطبيق القانون فيما يخص  المرؤس ورئيسه المباشر . وهذه من اولوليات الحفاظ على مرتكزات الدوله العميقه في العلاقه ما بين تطبيق النظام والحفاظ على قوة الدوله ومبادئها في اداء المهمات الجسيمه .

  تحمل رسالة ستيفن دلالات ومضامين ومهمات اكبر من ان تتحمله وزارة الخارجية لوحدها ، كما ان وكالة الاستخبارات  تحتاج الى وزارة بحجم  وزارة الخارجية  لتعينها  فيما هو قادم من اهوال وجحيم  ، قد تعصف بمكانة وهيمنة  الولايات المتحده الامريكيه في هذا العالم  . لذلك اوكل الرقم ذو الالوان الحمراء  بالوزارتين معا.

 

كان الرئيس الامريكي جامب متحدثا في مؤتمر مغلق مع قادة الدول الاوروبيه  ، عندما دخل ك مدير مكتبه بخطوات هادئه  ،  ثم انحنى  فهمس في اذن الرئيس  - ليخبره بشأن رسالة السفير من الرياض -  وبدأت ملامح الذهول ترتسم على وجه الرئيس ، فسكت ... ثم نظر بعينيه الى قادة الدول الاوروبيه 

" سينتهي الان الاجتماع "...

تكاد لا تسمع الا الانفاس من شدة الهدوء

ثم اتجه  مباشرة الى  باب الخروج  دون ان يلتفت او ينتظر تعليق من القاده الاوروبيين

" ان الامر يتعلق بالامن القومي لامريكا وهذا يكفي لأقناعكم "

واكمل طريقه وخرج من الباب

كانت مشاعر الصدمة لقادة الدول الاوربيه لهذا التصرف ظاهرة على وجوههم ، سرعان ما تحولت  الى مشاعر مختلطه بين  الاشمئزاز و الغضب  معا ،  وان كانت مشاعر الاشمئزاز طفت اكثر فاكثر.

 

استخدم الرئيس جامب المسار السري تحت الارض في طريقه الى مبنى وزارة الخارجية والذي يبعد مسافة  843 مترا  تحت الارض من مبنى الكابتول حيث مكاتب الحكومة الامريكيه هناك.

ايضا كان هذا خرقا للبروتوكول  ، اذ ان من المفترض ان يلتقي الرئيس جامب في مكتبه بوزراء الحكومه الامريكيه ، لا ان يتجه هو اليهم ، الا ان الحفاظ على السريه للمكالمة الهاتفيه وعظم المهمه ، كانت اكبر واقوى من كل بروتوكول ولكن ليست بالطبع فوق انظمة الدولة العميقه ومرتكازاتها . فألامن القومي لامريكا فوق كل المناصب .. والعلم الامريكي فوق كل اعتبار ...  وتراب الارض في الحرب دونه التضحيات والتنازلات ... وليقدمها الرئيس اولا  ثم الاخرين ثانيا .

 

 " ان احداث الحادي عشر من سبتمبر وسقوط ابراج التجاره العالميه  ، وما تبعه من غزو العراق وافغانستان ،  وقبل ذلك حرب فيتنام .. ماهي الا موجه صغيره من اعاصير هذه المكالمه "

وهز بارك رأسه  موافقا على كل كلمه قالها رئيس الاستخبارات .

 

دخل جامب ووقف على الكرسي الرئيس للمكتب ،  وكان الجميع باللباس الرسمي للعمل  ، وعلم امريكا بدى اكثر وضوحا خلف الرئيس من اليمين ، وقف علي  يمينه وزير الاستخبارات وعلى يساره وزير الخارجيه .

هنا ابتدء بارك بالحديث موجها كلامه   

 

" سيدي الرئيس انا اعلم انك تعرف ما اود قوله ، ولكن واجبي الدستوري يقضي ان اذكره لك  قبل ان تستلم الرساله 

" تفضل: قل"

" ان السفير ستيفن سيقول رسالته في 5 ثوان فقط  ".

 وسكت مترددا ثم اكمل حديثه

"  وسيفقد السفير حياته  بعد انتهاء 5 الثوان مباشرة !!!  وهذا ما كان يجب ان تعلمه سيدي الرئيس "

 

وقبل ان يتفوه الرئيس بأي كلمه  مد رئيس الاستخبارات يده وهي تحمل ورقة

" وهذا توقيع السفير بعلمه بهذا الامر ،  وقد كتب بخط يده هذه العباره "

نظر الرئيس جامب الى الورقه  وانخفضت حدقة عينه الى توقيع ستيفن وقرأ العباره

" وليبقى علم امريكا مرفوعا حتى عنان السماء "

كان فقدان ستيفن لحياته مؤلما جدا ... لأمريكا ولتاريخ النظال والمثابره   ... انه يمثل القيم والاخلاق للمواطن  الامريكي الشريف . ورمزا من رموز العطاء والتضيحة ... قدوة لجيله ولاجيال قادمه ... انه من جيل المحاربين القدامي... دافع عن تراب الارض في الحرب العالميه الثانية شابا ... اتخذ من  الحزب الجمهوري طريقا للشرف ،  في اظهار الولاء  لأمريكا ...  فقدم حياته ثمنا لهذا الولاء ، وتعظيما وعلوا لحزبة الجمهوري . فقبل باستلام هذه المهمه

 

وحدقت العيون بتجاه يد الرئيس الامريكي وهي تمتد لجهاز الهاتف على المكتب... ضاغطا باصبعه الى الزر  .... وخيم صمت مطبق على الجميع  ...

فتح خط الهاتف  فسمع السفير الامريكي بالرياض

" الرئيس الامريكي معك على الخط ياستيفن :  قل "

ولتبدا الان خمس ثوان ليقدم بعدها ستيفن حياته ثمنا لهذه الرساله 

" سيدي الرئيس ..... اليوم في الرياض قتل  ......... "