Home Next

 

 

كلمة "  الان "
 

د.هشام العلي
 

السفارة السعوديه في واشنطن في العام 2009 الميلادي

 

انفردت العلاقه بين الولايات المتحده الامريكيه والمملكة العربية السعوديه من ثقل العلاقه التاريخيه والشراكه الاقتصاديه التي تعود الى منتصف القرن الماضي ذلك القرن المسمى بالقرن العشرين.. وبمثل ما انفردت تلك العلاقه انفردت السفارة السعوديه عن بقية سفارات العالم ... انفردت مكانة ومكانا... هنا في العاصمة الامريكية واشنطن شارع يعرف بشارع السفارات تتجاور فيه السفارات المختلفه لدول العالم وتتقابل كل سفارة وجها بوجه مع سفارة اخرى في الوجهة الاخرى من الشارع . وعلى كل مبنى علم يدلل على كنه السفارة وماهيتها ، علم بجانب الباب او اسطوانة معدنية لا تتجاوز ثلاثة امتار تمتد من احد جدران الدور الثاني تمتد باتجاه الشارع يكون نهايتها العلم ، يتموج هذا العلم مع هبوب اي نسمة رياح على تلك المنطقه. تفتقع العيون الى تلك الاعلام وكأنها ترحب بمواطنيها القاطنين ارض الولايات المتحده الامريكيه او تلك الشعوب الراغبة في زيارة تلك البلدان فتهرع الى هناك لطلب الفيزا السياحية لزيارة .

هناك وفي غير هذا المكان يمتد علم المملكة الاخضر كسارية في اتجاه السماء من اعلى سطح مبنى السفارة السعوديه كأعلى نقطة ارتفاع لمنطقة المباني المجاوره

 

 

 

ففي جوار السفارة السعوديه احد اهم المعالم الثقافيه لأمريكا واكثرها نشاطا مبنى كنيدي الذي لا تسكن ولا تهدأ انشطته طوال العام ، ولماذا تهدأ ؟ واسم المبنى على احد اعظم واهم واحب رؤساء امريكا الى الشعب الامريكي ، وفي مقابل مبنى السفاره السعوديه يقع احد اشهر معالم التاريخ السياسي لأمريكا ، مجمع ووترغيت ذلك المجمع الذي خلد الغدر والعدالة معا . في تلك القضية التي عزل في نهايتها رئيس الولايات المتحده الامريكيه ، كحدث يدلل على العدالة فوق الجميع.

 



 

في مكتبه بالدور الثالث وصلت الى السفير السعودي في واشنطن " جبير العدل " برقية من الديوان الملكي بالرياض ، متضمنة وصول ولي العهد وزيرالدفاع وامير الرياض على متن الطائرة الملكية المغادرة من مطار الرياض ، والتي سوف تهبط في مطار دالاس في العاصمة واشنطن " بعد ساعة من الان " ولم تذكر البرقية زمن محدد لكلمة "الان "، كما ان البرقية ليس لها زمن محدد وقت ارسالها !

لكن هذا لا يشكل اي مشكلة لدى السفير ولم تأتي الى ملامح وجهه الحيرة . فكلمة " الان " عند وصولها مكتب السفير معناها الان في الطائرة المحلقة في الجو، والتي سوف تهبط بعد ساعة في مطار العاصمة واشنطن ، هذا مؤكد . اما كيف انتفى الزمن عندما تواصلت قمرة القياده في الطائرة المحلقة في اجواء الولايات المتحده الامريكيه مع برج المراقبة في مطار الرياض لتخبرهم بموعد الوصول بعد ساعة ، ومن ثم ارسال المعلومه الى المكتب الاداري بالمطار والذي سيرسلها بعد الطباعه والنسخ الى الديوان الملكي بالرياض ، ومن ثم برقية مكتوبة فترسل الى مكتب السفير بالعاصمة الامريكية واشنطن ، ليستقبلها سكرتارية السفارة ومن ثم وضعها وتدوينها في سجل الوارد حتى توضع على طاولة السفير ... فكيفت انتفى الزمن بين " الان " في قمرة القيادة للطائرة وبين " الان " في مكتب السفير ..دون اعتبار للرحلة الطويله التي قطعتها الرساله قبل وصولها الى مكتب السفير ؟! فهذا ما يجب ان لا تعرفه انت ، ومها تكن انت . فهذا من علم الرحمان ، والله اعلم بأمرها واسرارها .

 

ومهما اعملت الفكر واجهدت البحث في قوانين الطبيعه اوقوانين الفيزياء فلن تصل الى نتيجه او معرفه ! فليس هناك سبيل الا القناعه والتسليم بالأمر في انتفاء الزمن ! فالطائرة تحمل ولي العهد ووزير الدفاع الذي سيصبح ملكا لبلاد الحرمين الشريفين التي اختارها الله ارضا لوحيه ورحمة لعباده ، كما تحمل الطائرة على متنها ايضا امير العاصمة لمملكة تعوم فوق بحر من النفط ، فالأمر يستحق ذلك والله احكم والله اعلم

 

 .
وصلت البرقية الى جبير العدل لأخذ الاجراءات اللازمه وما تقتضيه مدة الاقامة المتوقعه سنة مع عدم التذكير بالحرص على اختيار ارقى المستشفيات واكثرها تخصصا وخبرة فيما يتعلق بعلاج ولي العهد الامير سلطان بن عبدالعزيز .. لكن الأمر قد انتهى من كل هذه الترتيبات قبل ان تصل البرقية الى مكتب السفير

فلقد كان " جبير العدل " رجل
ا تمرس على الدبلوماسيه وتشربها في عروقه قبل ان يولد في هذه الحياة ، فكانت الدبولماسية قماطه في المهد ، فوالده الدبلوماسي الاشهر في تاريخ المملكة والمحلق الثقافي الاعظم في عصر الثقافه السعوديه ، فجبير العدل طلق اللسان ، حاد الذكاء ذو همه عاليه وطموح متجدد لا ينضب ابدا .

كان الاعلام العالمي اجمع يستمع في تلك المقابله على قناة سي ان ان .. يستمع الى ذلك الدبلوماسي المتحدث باسم السفارة السعوديه قبيل بدء الحرب فيما عرف تاريخيا " عاصفة الصحراء " وذلك في العام 1991 الميلادي لاجلاء القوات العراقية من ارض الكويت . اجتمع العالم على دحر صدام واخراجه من الكويت ... الا الجامعة العربية لم تجمع رأيها على ذلك .. فقد انشق كل من اليمن والاردن وليبيا والسلطة الفلسطينية ! وتسمر العرب وقوفا وانعقد اللسان في الفم وسكن الفكر في العقول عن تفسير هذا الموقف من قبل السلطه الفلسطينة المتمثل في وقوف ياسر عرفات مع صدام ضد الكويت وضد الصف العربي .

 

 

 


فما جرى على الكويت ، شكل خطرا عظيما وخطبا مهولا ، تثقل همومه الاكتاف ، فهاهو الخطر يزحف الى المملكة العربية السعوديه وعند حدود الخفجي تلك المدينه الحدودية التي كانت اخر وقوف للقوات العراقية عند حدودها بعد ان كانت الكويت ملامسة لحدود الخفجي ، ففي اعلان صريح وواضح من الملك فهد حاكم البلاد .. اعلان الى جميع دول العالم ، الشقيقة والصديقة .. بأن الاراضي السعوديه مستعدة لاستقبال القوات العسكرية الحربية العالميه من اجل المساهمه في تحرير الكويت .


وفي اعلان داخلي خاص يخص الاسرة الحاكمة اعلن الملك فهد بمنع السفر خارج البلاد لأي فرد من افراد الاسرة الحاكمة حتى انتهاء الحرب . في ذلك الاثناء وفي مقابله تلفزيونية لقناة امريكية تحدث السفير جبيرالعدل بصفته مستشارا خاص
ا للسفيرالسعودي الاشهر والاكبر الامير بندر بن سلطان قائلا " انه فخور بتواجد هذه القوات على ارض المملكة وانه سعيد لاستجابة الدول للمطلب السعودي " طاردا المخاوف التي انتابت وارتاعت منها الشعب الامريكي والشعوب العالمية من خطر ورفض الوهابية لتواجد هذه القوات ومبددا اي هاجس من احتمال عمل ارهابي تجاه هذه القوات .


بدى "جبيرالعدل " في عيون الامريكيين في تلك المقابله كسياسي امريكي بلباس عربي .. ورأه العرب دهاء سعودي بلسان امريكي ... كان مقنعا بلباقته وهدوءه المعهود .. تعاطى مع الحدث كرجل اعلامي محنك فاستمع العالم الى دبلوماسي مفوه ، جمع ما بين حسن المنطق في كلامه والاناقة في مظهره وهذه من صفاته لا من طبائعه . حتى انتهى به المطاف في العام 2007 الميلادي بقرار من الملك عبدالله على رأس السفارة السعوديه في واشنطن . فكان جبير العدل اول سفير للمملكة العربية السعوديه في واشنطن من خارج الاسرة الحاكمة للمملكة

رتبت السفارة السعودية بواشنطن ان يكون العلاج لولي العهد في احد اعظم المستشفيات الامريكية ، هناك في نيويورك " مستشفى نيويورك برسبتيريان " وسكن الامير سلمان في الجناح الاضخم ذاك الذي يقع في الدور 14 من مبنى المستشفى . وهناك بدأ ولي العهد تلقي العلاج ومن هناك نسجت اول خيوط العلاقة بين امير الرياض الامير سلمان والولايات المتحده الامريكيه .