يجب ان لا نتغاضى عن سمو
الفكرة في نظرية التطور
وهناك من
يعيشون في قبو من العقائد السخيفة والتقاليد البالية
يقول الفيلسوف الانكليزي براتند راسل
ولكي تنمو اذهاننا
ونربي انفسنا بالثقافة البشرية العامة
|
Back
to Subject-Page
هل الدين ضرورة بشرية
للإنسان؟ الحلقة الأخيرة
آراء الكاتب
بقلم الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
ليس القارئ في حاجة الى ان ينصح بدراسة القرآن التي اخذ
عنه ديانته التقليدية. لآن المجتمع الذي ينتمي اليه يطالبه بهذا التكليف. ولكنه يحتاج ايضا الى ان يدرس الكتب المقدسة للآديان الآخرى، العصرية والقديمة، الآلهية وغير الالهية، وعلى
القارئ العربي ان يعرف ان البوذية والكونفوشية وهما دينان غير سماويان يؤمن بهما قرابة الفين مليون انسان في قارة اسيا وحدها لا يعترفان بوجود الله. فيجب الا نجحد دراستهما لهذا السبب.
ليست دراسة الاديان قائمة على بحث الخلافات والمشاغبات المذهبية في العقائد المسيحية او الاسلامية او اليهودية. لآن هذه الخلافات قامت على – غيبيات – وكل من حاول التغلغل في تفاصيلها عرف
انه يتغلغل في خواء. وان المقياس الذي نقيس به ميزات اي دين في العالم انما هو مقياس المجتمع الحسن الذي استطاع دينه هذا ان يلهمه ويهذبه ويوجهه نحو البر والخير والشرف.
يجب ان لا نتغاضى عن سمو الفكرة في نظرية التطور التي جعلت الافق الديني لكل منا
يتجاوز عشرات الالوف من السنين الماضية. والتي تجسد لنا ابعاد الجهد الرائع الذي بذلته الطبيعة لكي يصل الانسان الى مقامه الحاضر. وقد اكسبتنا نظرية التطور فكرة جديدة لم تعرفها الاديان
من قبل الا وهي احترام الحياة كائنة ما كانت للنبات ام الحيوان. لآن بيننا جميعا قرابة تطورية. ولأن المجهود الذي بذلته الطبيعة لكي نصل نحن الى المرحلة الحالية بعد مئات الملايين من
السنين، لهو حقا انجاز تطوري عظيم.
بإمكان القارئ ان يطلع على كتاب – الغصن الذهبي – لمؤلفه فريزر وعلى كتاب العقائد المصرية القديمة لمؤلفه اليوت سمث في كيفية نشأة الاديان البدائية.
والى جانب الكتب المقدسة يجب ان ندرس كتب الأدب والفلسفة كي نلم على العلم الحديث. وعلى المسلم ان يدرس الانجيل والتوراة كما على اليهودي والمسيحي ان يدرسا القرأن. لان هذه الكتب الثلاثة
كانت من العوامل الكبيرة في تكوين الضمير الانساني وانها تدفقت اساسا من معين نضب واحد.
بل يجب ايضا ان ندرس حتى من يتهمون بالكفر والكفر قد يكون برهان الإيمان. فقد قيل عن فولتير الفرنسي انه كان مسيحيا طيبا رغم انه حارب الكنيسة. فمحاربة الكنيسة في عصره كان من لباب
الأخلاق. ولا يمكن ان تؤدي الدراسة الصائبة الى الضرر. بل بالعكس يجب ان تلقي الاراء الجديدة ضيافة حسنة في اذهاننا، كما يقول الفيلسوف الانكليزي برناردشو: (رجل بلا دين هو رجل بلا شرف)
وهو يعني الانسانية بكلمة الشرف.
وهناك من يعيشون في قبو من العقائد السخيفة والتقاليد البالية بعيدين
عن الافاق الرحبة للمعارف الحديثة، كما ان هناك من ينغمسون في جبرية الغيبيات لم يعرفوا قط حرية الماديات وهوائها المنعش. ففي المجتمع المتخلف يعيش الفرد وهو قابع في بيته خاضع لمختلف
الألوان من عادات وقواعد وسنن كأنها شعائر دينية يجب ألا تخالف او تناقض. كما لا يجوز له ان يفكر، اذا ما خطر بباله شك. والرجعي يلجأ عادة الى الدين فيستند اليه في تحريم القراءة لهذا
الكتاب او يمنع البحث في ذلك الموضوع.
فالكنيسة الكاثوليكية مثلا حرمت على المؤمنين قديما قراءة مئة كتاب. وقد كانت هذه الكنيسة نفسها تأمر بأحراق الكتب التي لا تحبها، لهذا السبب حرقت ملايين الكتب العلمية والادبية والفنية
التي الفها عظماء العرب والمسلمين في الاندلس خلال القرون الاوروبية المظلمة، بعد سقوط غرناطة عام 1492.
ومما يجدر ذكره ان صحيفة التيمس اللندنية التي تقرأها الطبقة الثرية في انجلترا انها كانت تقاطع كلمة – سفلس – حتى الى عام 1916، لأن هذه الكلمة هي اسم لمرض زهري ساري، فكان معظم قرائها
يتجنبون ذكر المرض، لأن بعضهم كان مصابا به او معرض للإصابة. والصحيفة بقيت تراوح في هذا النفاق اكثر من قرنين من الزمن.
يقول الفيلسوف الانكليزي براتند راسل في كتاب – الدين والعلم - ص 155
(ان التلقيح ضد الجدري قد اثار عاصفة من اعتراضات رجال الدين في فرنسا قديما متصدين بالهجوم على جامعة سوربون على اساس لاهوتي. كان القسيس انجيلكاني في مقدمة المعارضين، الذي قال (ان
قروح نبي الله ايوب ترجع دون شك الى ان الشيطان قام بتلقيحه، وان هذه العملية هي تدليس لحكم الله).
وفي عام 1847، عندما اقترح الحكيم سيمسون استخدام مادة الكلورفورم في التخدير بغية التخفيف من آلام الولادة الصعبة، قامت قيامة رجال الدين معترضين على ذلك بهدف الحيلولة دون استخدامه.
بزعم ان الله قال لحوراء (بالوجع تلدين اولادك) فكيف يمكن ان تتوجع المرأة في حالة المخاض وهي تحت تأثير المادة المخدرة ؟
وفي انكلترا عندما حث - روجز بيكون - في القرن الثالث عشر طلاب جامعة اوكسفورد على تعلم اللغة العربية بغية اللحاق بعلوم العرب والمسلمين في الآندلس لأن حضارتهم انذاك كانت اسمى حضارة في
العالم قاطبة، اتهمه كهنة الكنيسة بممارسة السحر والشعوذة.
يمكن للشعب ان يحظى بالتثقيف العام عبر تاسيس المدارس واباحة التفكير الحر، لو كان اعضاء السلطة الحاكمة هم انفسهم واعون يحرصون على التجديد والاستنهاض للروح المعنوية للمجتمع. فالناس
يتنفسون بعقولهم كما يتنفسون برئاتهم وهم يحتاجون الى حركة الفكر كما يحتاجون الى حركة الهواء كي يصحوا وينتعشوا، ولا يجتروا الافكار المحبوسة، وعندئذ يمرضون ويفقدون صحة الجسم والعقل.
ولكي تنمو اذهاننا ونربي انفسنا بالثقافة البشرية العامة يجب ان نعيش في جو
حر تكفل حريته وتصونها سلطة عصرية مستنيرة تعلم انه ليس في الطبيعة شئ راكد وان كل ما فيها يتغير واننا لم نصل الى المجتمع الامثل حتى نستقر على مؤسسات اجتماعية تجيز لنا النقد ولا تضع
قيد يمنع التفكير الحر.
اني اقارن بين الشعوب العربية التي رزخت تحت نير الاستعمار وبين التي لم تعرفه
يل عاشت – مستقلة – اجد ان كلمة النهضة تنطبق على تلك الشعوب التي اذلها الاجنبي ولكنه في الوقت نفسه بعث فيها حركات ناهضة، اتصلت بالثقافة العصرية، فأستطاعت ان تتخلص من بعض تقاليدها
وتتمدن بروح الثقافة الحديثة.
ومن المؤسف ان بعض الشعوب العربية لا تزال مقيدة بتقاليدها القديمة تأسن في رجعيتها وتخشى الثقافة وتجهل الدستور بل لا تزال تمارس الرق وترفض تعليم المرأة وتنفح روح التعصب العقائدي
المقيت و الحقد والكراهية ضد الاجانب من غير المسلمين، كانت نتيجتها المأساوية احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 البشعة التي سببت للعرب والمسلمين كوارث احرقت الحرث والنسل وعرضت بلادهم
الى الاحتلال الاجنبي البغيض. ان رجعية الشرق وتخلفه لا يقل في ظلمه واضراره عن الآستعمار، بل هو اسوأ منه بكثير.
اقتبست فقرات الحديث من كتاب كيف نربي انفسنا ؟ الذي صدرمن دار ومطابع المستقبل بالقاهرة والاسكندرية 1946. ومن كتاب المجلة الجديدة المجلد الاول الذي صدر من نفس الدار عام 1930 و
الكتابين من تأليف الكاتب الاجتماعي سلامه موسى، مع بعض ملاحظاتي الشخصية.
Back
to Home

|