بعد رحيل النبي (ص) اجتمع الزعماء يذكر عميد الأدب العربي طه حسين وعندما سمع العباس عم النبي قرار السقيفة وقبل ان ينسى الحجازيون الأحداث التاريخية يروي المؤرخ الأنجليزي نتنج ان اسم عند استعراضنا لهذه الأحداث المأساوية كما ان ابو بكر وعمر قد تثاقلا في تنفيذ وقبل ان يتوفى ابو بكر نصب صديقه اقول متسائلا انه كيف يمكن ان يتعارض لقد عاصر النبي الكريم عليا منذ مهده كانت حياة الإمام في زمن الرسول لقد علم اثرياء بني امية بأن الإمام لقد كان المجتمع الحجازي في صدر الأسلام لقد تغلب معاويه على اتباع الإمام علي وقد مارس معاويه سياسة الأنتقام من اتباع لقد تعود الناس قديما ان يتحدثوا عن حرية الكلام |
مفهوم الخلافة في دولة الإمام علي عليه السلام آراء الكاتب بقلم الدكتور رضا العطار ridhaalattar@yahoo.com
لقد ارسى رسول الله محمد (ص) خلال العشر سنوات التي قضاها في المدينة المنورة ثوابت الأمة الأسلامية، فقد ثبت الموازين بالقسط ووضح الحقوق الزوجية وولاية الفقراء وامن القضاء ودعا الى المساوات وجعل للمال وظيفة اجتماعية، فأوجب الزكاة وحرم الربا ودعا الى التعاون والتكامل والتراحم، فكان رسول الله بمثابة شعلة تنير طريق الهداية ونقطة ارتكاز يمكن ان تلبي احتياجات المسلمين في كل مكان. وعند عودة النبي من حجة الوداع اعلن ان الله قد اكمل دين الأسلام، ذو الرسالة المزدوجة، رسالة دينية محورها التوحيد وعبادة الله والقضاء على الأصنام ورسالة دنيوية محورها صياغة المجتمع اقتصاديا وسياسيا وفق ادارة مدروسة ذكية وبعد ان ادى ما عليه، نزلت الأية الكريمة: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا) وبهذه السورة ختم القرأن الكريم رسالة النبي ولم يمر سوى اشهر حتى انتقل الرسول الأعظم الى الرفيق الأعلى مخلفا الأمة الأسلامية التي اقامت دولة الخلافة طيلة ثلاثين عاما موصولة – 1 –
فكان ابو بكر وعمر قد انشغلا بأفراح التنصيب التي منعتهما من حضور مراسم الدفن، هذا ما يقوله طه حسين (2)، كما استغفل الحاضرون غياب رموز معروفة من المهاجرين والأنصار غير مبالين بعدم اكمال النصاب، مستخفين بالمنزلة الروحية لشخص الإمام علي عند النبي الراحل ومتأثرين جدا بالضغوط القبلية لأقطاب قريش . اما في خارج السقيفة فقد كان الجو مشحونا بالتنبئات وكان جمهور المسلمين ملمين بشخصية الإمام علي عارفين حقيقة استخلافه للنبي على المدينة المنورة اثناء غزوة تبوك وقربه الى رسول الله فهو زوج بنته فاطمة الزهراء، مما افضى روح التفاؤل وعزز من احتمال ترشيحه للخلافة، حتى اخذ ذلك عند البعض مظهرا شرعيا حول وجوب حصر الخلافة الأسلامية في العائلة النبوية هذا ما يقوله تاريخ اليعقوبي -3 –
اما المؤرخ العربي الذهبي فيقول – لقد كان للشيعة حجة اخرى بعدما جاء في خطبة الوداع في غدير خم حيث دعا النبي الى موالات الإمام علي وكذالك يقول المؤرخ حسين مؤنس – لقد بذل ابو بكر قصارى جهده في اوساط القبائل ليضمن تأثيرها وفي الوقت الذي كان علي بن ابي طالب مشغولا بغسل النبي، فقد جاء ابو بكر الى السقيفة مبكرا واستغل قدراته، ولو ذهب علي الى السقيفة قبله لكان احتمال ترشيحه للخلافة قويا وحظه راجحا، خاصة وانه ابدى في معركة خيبر بسالة اثارت اعجاب المسلمين – (5) وفي هذا السياق يذكر محمد التيجاني ان اغلب الصحابة الذين تجمعوا في السقيفة كانوا حاضرين في يوم الغدير وملمين بالنصوص النبوية التي سمعوها في خطبة الوداع لكنهم لاذوا بالصمت واتخذوا موقفا مغايرا متجاهلين الإمام علي صاحب النص – (6) ولهذا عندما اعلنت السقيفة قرارها بفوز ابو بكر بالخلافة عم السخط ارجاء الحجاز خاصة تلك التي غالبية سكانها من اتباع الإمام علي واحتدم الجدال بينهم وكان رفض الإمام علي للقرار قاطعا، فحينما جاؤا اليه طالبين منه ان يبايع قال لهم انا احق بالخلافة منكم وانتم اولى بالبيعة لي، فأنصفوني ان كنتم تخافون الله والا فأنتم الظالمون وانكم لا تعلمون – (7) بعد ذالك خرج الإمام علي الى ميدان المدينة مناديا يا معشر المهاجرين والأنصار لا تخرجوا سلطان النبي من داره وتدخلوه الى دوركم، انتم عارفون بأننا اهل البيت واننا احق بالخلافة منكم، فلا تبتعدوا عن الحق وتتبعوا الهوى. هذا ما يرويه المعتزلي في شرح النهج. لقد هبت الرياح بأتجاه لم يكن الإمام علي يتوقعه، فقد قال الإمام علي معلقا على القرار – انهم التجاؤا الى الشجرة واضاعوا الثمرة – (8) اننا لو شئنا ان نضع مجريات الأحداث في اطارالمعايير الموضوعية واخذنا بعين الأعتبار اواصر القرابة والمصاهرة والصحبة والقريشية فضلا عن التحلي بمكارم الأخلاق لذهبت كلها لصالح علي بن ابي طالب حيث انه كان الأقرب عرقا والألصق مصاهرة والأكثر صحبة للنبي الكريم وهو في الذروة من قريش.
بعد اعلان قرار السقيفة زف ابو بكر الى مسجد النبي ليلقي خطبته، وعندما هم بالصعود على المنبر فوجئ بالإمام الحسن سلام الله عليه يتصداه قائلا له – هذا مجلس ابي : انزل من على هذا المنبر، فرد عليه ابو بكر : اني اعلم ذلك
في هذا الجو المشحون بالصراعات بلغ سمع ابي بكر خبر توافد الأتباع على دار الإمام علي فأرسل عمر بن الخطاب وبرفقته خالد بن الوليد بغية اجبار الإمام علي على البيعة فداهما الدار لكن فاطمة بنت النبي واجهتهما بحزم قائلة – لتخرجن من الدار او لأكشفن شعري، هذا ما جاء في تاريخ اليعقوبي – (9) وقد جاء ما يؤكد هذه الحقيقة+ قصيدة شاعر النيل حافظ ابراهيم قوله
---(10) ووسط هذه التوترات التي رافقت رفض الإمام علي في مبايعة ابي بكر احتشدت شوارع المدينة المنورة بالهاشميات بعدما ظهرت الزهراء سلام الله عليها بشخصها معلنة سخطها واحتجاجها على فعلة السقيفة، هذا ما يقوله المعتزلي في شرح النهج
ومما زاد في الطين بلة اسقاط ابو بكر حق فاطمة الزهراء من ارض فدك التي، ورثتها من والدها النبي الكريم فقد اعتقد الخليفة ان الأنبياء لا يورثون، لكن السيدة فاطمة ردت قول الخليفة بهذه الأية من سورة مريم – يرثني ويرث من ال يعقوب – صدق اله العظيم وعلى اثر ذالك ذهبت بنت رسول الله الى الشيخين ابو بكر وعمر متسائلة ومعاتبة قائلة – الم سمعتم رسول الله يقول – إن رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة فقد أحبني ومن أبغض فاطمة فقد إبغضني... قال الشيخان نعم سمعنا رسول الله يقول ذالك. بعد ستة شهور توفيت بنت رسول الله فاطمة الزهراء نتيجة تراكم الأحزان والنكبات وهي لم تزل في ربيع التاسع والعشرين من عمرها (12)
كانت مواقف بني هاشم تتصف بالقناعة المطلقة بأن الخلافة الأسلامية قد اغتصبت منهم فكانت فاطمه تقول (ويحهم انهم زحزحوها من رواسي الرسالة وقواعد النبوة، حقا انه لخسران مبين وانهم لا يعلمون) (13)
لقد اجمع الكثير من المؤرخين ان قبيلة قريش كانت حاقدة على علي بن ابي طالب وانها هي التي سعت الى ابعاده عن الخلافة، فقد اقترنت المسألة بالعصبية القبلية التي اوقعت البغضاء في قلوب بعض عوائلها بسبب قتل الإمام علي صناديد من جلة رجالها في معركة بدر، فكان بين قتلى المشركين جد معاويه وخال معاويه واخو معاويه بن ابي سفيان، وكانوا كلهم من اعلام بني امية ولم ينسى الأقارب اسماء قتلاهم حتى بعد دخولهم الأسلام. ومما زادهم ضغينة على الإمام علي انهم كانوا لا يملكون حق الثأرلقتلاهم الكفار
بينما يعتقد مؤرخون اخرون بأن الأسلام انفلق الى فريقين عام 25 للهجرة، فريق الشيعة في العراق وفريق السنة في الشام بعدما بعثت عائشه بقميص عثمان المقتول مخضبا بدمه الى معاويه في الشام الذي جعل منه بيرقا ينشره في الواجهات العسكرية الساخنة حتى ان شاعرا وصف تلك الحالة قوله
--- (15) لكن للكاتب الأمريكي المعاصر ميشيل مورغان رأى اخر فقد ذهب الى ان الأسلام قد انفلق الى سنة وشيعة بعد مقتل علي بن ابي طالب عام 661 ميلادية ─(16) نستنتج من مجرى الأحداث ان ترشيح ابوبكر للخلافة كان قد تم الأتفاق عليه مسبقا بدليل معارضة عمر عندما طلب النبي دواة وقرطاسا بعدما اشتد عليه المرض ليكتب للمسلمين كتابا قال لهم لن تضلوا من بعدي، ويعتقد ان النبي كان ينوي كتابة النص قي الترشيح للخلافة مما حدى بعمر الى معارضة طلب النبي لتخوفه من ان يحتوي المكتوب على امور تؤثر في تنفيذ خطته مع ابي بكر ─(17)
في هذا الوقت بدأ التشيع الفكري السياسي يظهر ككتلة وكيان بقيادة الإمام علي الذي انسحب بدوره من الساحة في اعقاب اعلان السقيفة قرارها واستفضل البقاء في منزله يقضي اوقاته بين متأمل ومتفحص لمجريات الأحداث طيلة ستة اشهر بعدها اقتنع الإمام بضرورة الأعتراف بالأمر الواقع ودعم سلطة المسلمين في سبيل عدم فسح المجال لحدوث الشقاق بينهم في الوقت الذي كانت الظروف تتطلب جمع الشمل ووحدة الصف وعلى هذا الأساس قام الإمام علي بمبايعة ابي بكر خليفة للمسلمين وقدم استعداده على التعاون المثمر وبذلك سجل الإمام موقفا تجلى برفعة الروح قائلا – والله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين (19) لم تحدث خلال حكم الخلافة الراشدة ثورة شيعية واحدة بسبب التزام الخلفاء بثوابت القرأن الكريم في حكم المسلمين بينما حدثت ثورات كثيرة في دولتي بني امية وبني العباس لبعد خلفائهم عن هذه الثوابت في حكم المسلمين ، فقد تجلى هذا الألتزام في الحياة الأجتماعية التي كان المسلم يلمسها لمس اليد في المساجد الأسلامية في الحجازايام الجمعة حيث كانت تعج بالمصلين والتي لم تكن مجرد مكان للعبادة انما كانت بمثابة برلمانات شعبية , يلتقي المسلمون فيها بعد اداء الصلاة ليتداولوا شوؤنهم الحياتية , يتحاورون ويتناقشون ثم يصدرون القرارات التي كانت تطبق على ارض الواقع بقوة القانون , هذا النهج الجليل يدعى اليوم بالديمقراطية لكن عندما استولى معاويه على سلطة الخلافة الأسلامية عن طريق خدعة صفين ضرب هذه القيم عرض الحائط واقام
حكم الفرد ونظام الأستبداد الذي يتعارض وروح الأسلام الحنيف الذي جاء به النبي الكريم لقد انشأ النبي سلطة الأسلام قوامها العدل والمساوات لجميع المسلمين لكن السلطة التي جاءت بعد رحيله اصبحت لقريش وحدها، فلقريش ان تحكم وللأنصار ان يستشاروا وليس لهم ان يحكموا هذا ما يصرح به طه حسين (20)
وقد سار عمر على نهج سلفه في تجاهل احاديث رسول الله طيلة حكمه وبعد مقتله عرضت الخلافة الأسلامية على علي بن ابي طالب لأن الصحابة كلهم كانوا على علم تام بأن الخلافة هي من حق الإمام علي وان قريش اغتصبتها اغتصابا، لكن الجدير بالذكرانه عندما حاججتهم السيدة فاطمة الزهراء قالوا لها حرفيا – لو سبق الينا زوجك وإبن عمك الى السقيفة ما عد لنا به احد.... رغم ذلك ما رضي عمر ان تعود الخلافة الأسلامية بعد موته لصاحبها الشرعي الإمام علي الا بشرط واحد وهو الزام الإمام علي ان يحكم بكتاب الله وسنة الشيخين، فأبى الإمام هذا العرض معلنا انه لاحكم الا بكتاب الله وسنة رسوله وبذلك خسر الخلافة وفاز بها عثمان الذي فهم من هذا الشرط ان عليه ان يجتهد برأيه في الأحكام الشرعية إسوة بالشيخين دون الرجوع الى سنة رسول الله علما ان الشيخين قد خطبا في المسلمين مرارا معلنين عدم حاجتهم الى احاديث النبي بعدما جمعا جميع احاديثه واحرقاها ومنعا المسلمين من التحدث بها وفي هذا السياق يعلق الكاتب قوله – انها لخسارة عظمى للأمة الأسلامية التي كانت في اشد الحاجة للأحاديث النبوية لفهم القرأن لأنها كتبت عن النبي مباشرة خاصة وان علي بن ابي طالب كان اكثر الصحابة رفقة للنبي لذا حظيت الروايات التي دونها بالنص واورثها الى الأئمة من بعده بالمصداقية، بينما تلك التي رويت تحت تأثير حكام جائرين من امثال خلفاء بني العباس بعد قرنين او ثلاثة من وفاة الرسول لم تحظى بالمصداقية الكافية
هذا ما ورد في كتاب محمد التيجاني ص 171 و 175 و 179
يخبرنا فضيلة الشيخ الأزهري احمد صبحي منصور كيف كان خلفاء بني العباس في بغداد يزيفون الأحاديث طبقا
لأهوائهم ثم يسندونها الى النبي , وكان كل من يبدي شكوكه في صحتها يقتل بتهمة الكفر والزندقة واليك النص وتواصلا للحديث اقول انه بعد مقتل الخليفة عثملن اندفع المسلمون حول الإمام علي يدعونه للخلافة الا ان الإمام ناشدهم ان يتركوه ويلتمسوا غيره لكنهم اصروا والزموه بها، فقبل الإمام طلبهم شرط ان تكون البيعة في المسجد فنادى المنادي في الناس المسجد المسجد فخرج المسلمون وتمت البيعة المباشرة والتي تدعى اليوم بالأنتخابات الديمقراطية (21) فعلي بن ابي طالب هو الوحيد الذي لم يتعين من قبل الذين سبقوه ولم يسيطر على الخلافة كغيره بالقهر والقوة بل بايعه المسلمون بحرية وطواعية.
الإمام علي عليه السلام هو بن ابي طالب من عظماء المشايخ في قبيلة قريش، جده عبد المطلب امير مكة، تاج هامات بني هاشم واعيانهم – وبنو هاشم كما وصفهم الجاحظ هم ─ ملح الأرض وزينة الدنيا والسنام الضخم والطينة البيضاء وينبوع العلم ولباب جوهر كريم....─ يرجع نسبه الى جده الأعلى عدنان رئيس قبيلة بني هاشم بعد تسعة عشر ظهرا، وفيه يقول الشاعر عبد الباقي العمري
ولد علي بن ابي طالب في مكة المكرمة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة 13 رجب 23 سنة قبل الهجرة. وقد سمته امه عليا لتغرس فيه روح البسالة وتبعث في نفسه شجاعة الأسد (22) لقبه رسول الله بأبي تراب لكثرة ما كان يسجد على التراب لكن العمري يقول في هذا اللقب نظما جميلا
زوجته فاطمة الزهراء وهي اولى هاشمية يتزوجها هاشمي واولى هاشمية ولدت خليفة للمسلمين وكان الإمام علي إبن عم النبي، وكان امين سره وحافظ احاديثه وقد اسلم على يده وهو صبي قبل ان يمس قلبه عقيدة سابقة ولازمه وهو لم يزل فتيا يانعا في غدوه ورواحه في سلمه وحربه حتى تخلق بأخلاقه واتسم بصفاته.
لقد تربى علي في ذالك الجو الزكي لمحمد وعندما انطلق على لسانه روائع الكلام واكتملت رجولته بدأ يؤازر إبن عمه النبي المضطهد، حيث كان علي انذاك شيئا من كيانه نعم...شيئا كثيرا من كيان عظيم. يقول المؤرخ العربي توفيق ابو العلم – كان علي بن ابي طالب شخصية خصبة، فهو الأديب اللامع له نهج فريد في الأدب والبلاغة وهو الحكيم والخطيب المبين وهو الفارس المقدام وهو البطل الشجاع وهو صاحب الرأي في التصوف والشريعة والأخلاق الذي سبق الجميع في الثقافة الأسلامية وانه شديد في الحق غليظ على الذين ينكرون الحق وهو مظهر فذ من مظاهر التكامل الأنساني... حقا كان الإمام لطيف الحس نقي الجوهر وضاء النفس عارف بمهمات الأمور اصدارا وايرادا
وبعدما عرف الإمام اوضاع المسلمين ونقاط ضعفها وضع الحلول لمعالجتها كبرنامج عمل حث الرعية على تطبيقها وكانت في مجملها مبادئ سامية كما طلب الى الولات ان يكونوا ابرارا رحماء مؤكدا لهم انه لا يمكن ان يتحقق العدل الأجتماعي مالم تلغى التفرقة العنصرية والدينية والسياسية والإجتماعية بين الناس فقد ساوى الإمام علي بين المسلمين والنصارى واليهود في الحقوق والواجبات مما حدى بالكاتب الأمريكي المعاصر ميشيل مورغان بعد ان اطلع على الرسالة التي بعث بها خليفة المسلمين علي بن ابي طالب الى واليه مالك الأشتر في مصر بعبارة –اعدل حاكم في تاريخ البشر– لقد اعتبر الإمام بيت المال من حق الجميع يشمل الفقراء واليتامى والمساكين لكن هل كان الإمام قادرا على تطبيق مبادئه في مجتمع جاهل متخلف ينهار فيه كل شئ
لقد حقق الإمام رغم الصعاب بعض المنجزات في الفترة العصيبة المليئة بالفتن والأضطرابات السياسية ما لم يتحقق من قبل. لقد انشأ ديوان المظالم ليعيد الحقوق المغتصبة الى بيت المال بعد ان استحوذ الأمويون عليها اثناء حكم الخليفة عثمان الذي عرف عنه انه كان يوزع اموال المسلمين وممتلكاتهم على افراد عائلته واقربائه من بني امية، لذا اثارت اجراءت الإمام الأصلاحية النزعة العدوانية لجماعات قريش، خاصة بعد ان اسند الإمام ادارة الولايات الى ذوي الكفاءه بصرف النظر عن انتماءتهم القبلية. ومما زاد في الطين بلة تصميم الإمام علي على ازالة العزلة التي كانت مفروضة على الأنصار واولاهم بعض الأمصار. فقد ضاعفت اصلاحاته من كراهية وغضب قريش عليه، ومن تحصيل الحاصل يمكن القول ان ابعاد اللصوص والمرتشين من جهاز الدولة سوف يسبب السخط والهياج عند معظم عرب الحجاز وازاء هذا الوضع الخطير وجد الإمام نفسه في مفترق الطريق فأما الأصلاح او الأبقاء على القديم، فأختار الطريق الصحيح، ولو عمل على عكس ذالك لخسر نفسه ولما بقى انسان على وجه الأرض يحتج على ظالم ولهذه الأسباب كلها اصدر الإمام علي خليفة المسلمين امرا بعزل معاوية من ولاية الشام كونه كان عمادا لعصر الجاهلية
لقد ادرك القوم ان الإمام علي ليس يصاحبهم وانه مصمم على تغيير الوضع الإقتصادي الفاسد الذي نشأ في ظل خلافة عثمان الذي فرق المسلمين الى طبقة ثرية حاكمة واخرى فقيرة محرومة، وعلى ضوء هذه الأوضاع ثبت الإمام الحقوق الشرعية على احسن ما كانت عليه، ولهذا السبب كان موقفه من الأحداث موقفا عسيرا، فلم يكن امام الإمام فرصة كافية لتحقيق طموحاته الإصلاحية سوى اخماد الفتن (22) رفض المسلمون البرنامج الأصلاحي للإمام على بن ابي طالب بعدما تعودوا على النهج الخاطئ لم يكد الإمام ينتهي من حرب الجمل حتى واجهه معاويه في صفين والخوارج في النهروان. فكانت سلسلة المؤمرات لا تنتهي لقد كان في الساحة السياسية صراع بين منهجين لا ثالث لهما فأما ينتصر نهج نظام الجماعة الذي يتزعمه الإمام علي او ينتصر نظام الفرد الذي يجسده معاويه. ولو سلك الإمام اسلوب المساومة لكان نسخة اخرى من معاويه نفسه، بعبارة اخرى لو قبل الديمقراطي بالأسلوب الدكتاتوري تحول هو الى دكتاتور، وهكذا دخل الصراع بين منهجين متضادين
يقول المفكر العربي عباس محمود العقاد – رغم كل الثورات التي استهلها الإمام علي بدمه ودم الشهداء من أبنائه في مقارعة الظلم عبر التاريخ الا ان تيار الملك بقى مستمرا وقويا، فلولا غياب العدالة الإجتماعية لما ثار مظلوم على ظالم ولما بقى المثال النبوي والأئمة من بعده رمزا ومنارا حيا في كربلاء (24) في ذالك الظرف لم يكن في وسع الإمام علي الا ان يواجه هدما من الداخل، لقد كانت ظروفه في غاية التعقيد، ففي الوقت الذي كان الإمام واتباعه يلتهبون حماسا للإصلاح الإجتماعي كان المنتفعون من حاشية الخليفة عثمان المتخمون بطوفان الثراء الفاحش يتصدون لمحاربته، كما ان الناس بدوا ينفرون من الإمام بسبب برنامجه الأقتصادي والسياسي الإصلاحي ويتجهون الى اعدائه حتى اخوه عقيل حين قال –الإمام علي خير لي في ديني لكن معاويه خير لي في دنياي– وهكذا كان كل شئ ينهار من حول الإمام، هذا ما يقوله الباقوري (25) وقد وصف طه حسين الحالة المأساوية قوله – كان علي بن ابي طالب متمسكا بالحق تدعمه قوة الأيمان وتسديد الرأي على عكس معاويه الذي لجأ الى اساليب المكر والخداع وشراء الذمم، ففي الوقت الذي كان الإمام علي يريد اصلاح الأوضاع الفاسدة كانت قريش الطليقة ترفض هذه الأصلاحات وتقاوم الإمام باللسان والسنان
لقد كان الأسلام انذاك في اوج عزه وكانت سلطة الخلافة الراشدة سلطة دينية محضة كانت المساجد في ارجاء المملكة الأسلامية عامرة بالعباد تعج بالمصلين وكانت بعد اداء فريضة صلاة الجمعة تتحول الى ما يشبه برلمانات شعبية يتداول المسلمون فيها امور دينهم ودنياهم يناقشون مشاكلهم الحياتية ويشرعون القوانين اللازمة وبهذه الوسيلة كانوا يمثلون ارقى نظم الديمقراطية ولكن هذه الأنجازات التي جاء بها الأسلام سرعان ما ذهبت ادراج الرياح بعد ان استحوذ معاوية على الخلافة عن طريق خدعة صفين فحول الدولة الدينية الى دولة دنيوية كما حول مجتمع العدل الأجتماعي الى نظام طبقات التي جعلت بني امية في القمة والشعب كله في السفوح
لكن من جهة ثانية ساعدت السياسة العدوانية لمعاويه في انتشار عقيدة الشيعة في العالم الأسلامي (26) يقول المؤرخ نتنج ان الأمويين ابتعدوا عن خط الأسلام واستهزؤا بقيمه الأخلاقية وانغمر معظم خلفائهم في مستنقع المجون، فكثرت بيوت اللهو والميسر وعجت بالجواري من كل جنس ولغة وكان معظم خلفاء بني امية يسرفون في احتساء الخمور حتى وصل الأمر بالخليفه الوليد بن يزيد انه كان لا يرتوي الا ان يستحم فيه، لكن الصالحين من السوريين تمكنوا ان يظفروا به ويقطعوا رأسه ويعلقوه على جدار مسجد دمشق، ولم ينزلوه الا بعد سقوط الدولة الأموية في الشام عام 132 للهجرة لقد عصفت بدولة بني امية عدة ثورات علوية في مناطق متعددة من البلاد الأسلامية كرد فعل الى ظلمهم وجبروتهم حتى طالت الى ارتكاب جريمة القتل الشنيع لأحفاد رسول الله في واقعة الطف في كربلاء في 61 للهجرة (27) يقول العلامه علي الوردي كانت دولة معاويه دولة قومية طبقية تفتقد لآبسط قواعد العدل الأجتماعي فقد وضع الرعية في درجات متفاوتة، فقريش في حسابه افضل من العرب والعرب افضل من الموالي والموالي افضل من اهل الذمة وهؤلاء افضل من الكفار وهكذا بينما كانت سياسة الإمام علي على نقيض من ذلك فقد افضى روح التسامح على افراد المجتمع بصرف النظر عن معتقداتهم واجناسهم والوانهم ولغتهم (28)
لعل سائل يقول ان الذات الملكية لا تزال مصونة في القانون البريطاني لكنني اقول ان الذات الملكية البريطانية ليس لها من الحكم سوى الأسم. فمن المنطق ان لا تنتقد ما دمت تملك ولا تحكم. واخيرا قام الإمام علي عليه السلام بمنع تطبيق الأمن الوقائي─ اي احتجاز الخصوم بغية اجتناب شرهم ولو انه عمل ذلك لما لامه احد انه من المؤسف حقا ان الحرية الواسعة التي افضى بها الإمام على خصومه سمحت لهم بأن يتأمروا عليه ولم يتمكن من منعهم لأنهم محميون بقانون كان الإمام هو نفسه مشرعه فكان يقول من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم. لقد تعامل الإمام مع خصومه السياسيين بحسن نية وشرف القصد.
وهذه بعض الحكم (بكسر الحاء) اقتطفها من كتاب سنابل الزمن (30) فقيل في الأنسان –
وفي الأجتماعيات– ان الله فرض في اموال الأغنياء اقوات الفقراء فما جاع فقير الا بما متع به غني وفي القضاء– الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله وفي السياسة– دولة الباطل ساعة......ودولة الحق الى قيام الساعة وفي الأخلاق– اذارأيتم خيرا فأعينوا عليه، واذا رأيتم شرا فأذهبوا عنه وفي علم النفس– ما اضمر احد شيئا، الا وظهر في فلتان لسانه وصفحات وجهه وفي التربية– لا تكرهوا اولادكم على اخلاقكم لأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم وفي الغنى– ما رأيت نعمة موفورة الا والى جانبها حق مضيع وفي الفلسفة– المال يستر رذيلة الأغنياء والفقر يغطي فضيلة الفقراء
وفي ختام حديثي اقول انه كان يوما مشهودا ومبهجا مفعما بالفخر والأعتزاز لمحبي الإمام علي في مشارق الأرض ومغاربها حين اصدرت هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، لجنة حقوق الأنسان عام 2002 قرارا اعتبر علي بن ابي طالب خليفة المسلمين: اعدل حاكم في تاريخ البشر على الأطلاق مستندة بوثائق شملت 160 صفحة باللغة الأنجليزية وقد قيم التقرير المذكور الصفات الأخلاقية لعلي بن ابي طالب بالرائعة وجعلها في موضع الأعتزاز للمسلمين وكنموذج للبشرية جمعاء …… والسلام .
المصادر 1- زيد بن علي الوزير الفردية مركز التراث والبحوث اليمني، فرجينيا، مكلين الولايات المتحدة الأمريكية، 2000 2- طه حسين المجموعة الكاملة المجلد الرابع بيروت 3- تاريخ اليعقوبي المجلد الثاني 4- طه حسين المصدر السابق 5- حسين مؤنس دراسات في السيرة النبوية 6- محمد التيجاني الشيعة هم اهل السنة مؤسسة الفجر لندن 1993 7- المعتزلي في شرح النهج المجلد الخامس 8- نبيل فياض يوم انحدر الجمل من السقيفة دمشق 1993 9- اليعقوبي المصدر السابق 10- توفيق ابو العلم في علي بن ابي طالب اهل البيت القاهرة 2003 11- القرطبي 8-10 12- فرهاد ابراهيم في الإمامة والسياسة القاهرة 1993 13- بن طيفون 14- انتوني نتنج في العرب من العصر الجاهلي الى عهد جمال عبد الناصر 15- رشيد الخيون المذاهب والأديان في العراق منشورات الجمل كولن 2005 16- ميشيل هاملتون مورغان في تاريخ ضائع، مكتبة الكونغرس واشنطن 2007 17- هادي العلوي في فصول من تاريخ الأسلام السياسي نيقوسيا 1995 18- السيوطي 19- محمد حسين العاملي الشيعة في التاريخ صيدا 1938 20- طه حسين المصدر السابق 21- طه حسين المصدر السابق 22- طه حسين المصدر السابق 23- زيد بن علي الوزير في الفردية 2000 الولايات المتحدة 24- عباس محمود العقاد في الإمام علي 25-الباقوري في علي امام الأئمة ص 29 26- الطبري في تاريخ الملوك والأمم 27- رشيد الخيون المصدر السابق 28 – علي الوردي في مهزلة العقل البشري بغداد 1968 29 – هادي العلوي المصدر السابق 30- محمد قره علي في سنابل الزمن منشورات نوفل بيروت 1994 31- تقرير لجنة حقوق الأنسان الصادر من هيئة الأمم المتحدة عام 2002
|