Back
to Subject-Pag
هل كان مذهب أهل البيت مذهبا احاديا أم فلسفية شمولية؟
آراء الكاتب
د.عبد الجبار العبيدي
أستاذ جامعي
jabbarmansi@yahoo. com
لم أكن أصدق عيني حين قرأت هجوم الشيخ القرضاوي على منهج أهل البيت الذي يتهمه بالمذهب الشيعي الايراني والمتخوف من انتشاره في مصر والسودان وأفريقيا.
من حق القرضاوي ان يحارب مذاهب البدع والارهاب كالقاعدة والوهابية خوفا على الاسلام والمسلمين، لكن ليس من حقه ان يحارب مذهب اهل البيت الذي هو أصل المذاهب الاخرى التي يسميها
القرضاوي بالمذاهب الاربعة، ويبدو ان الشيخ القرضاوي نسي انه رجل دين يتبعه الكثيرين فعليه ان يكون دقيقا في كلماته، بعيدا عن الهوى والانحياز.
وبما اني لست من فقهاء هذا المذهب لكني سأوضح للشيخ الجليل ما لهذا المذهب من الناحية التاريخية من اثر
في تكوين الاسلام والمسلمين عله يعتذر من اهل البيت العظام وهم بفكرهم الراقي
والحضاري سيقبلون منه الاعتذار فأقول:
عندما جاء الاسلام، جاء ليعلن نهاية العصور القديمة التي كانت السيادة فيها على الناس لطبقة محدودة، تملك زمامهم، وتتصرف في
أموالهم، وتحجر على حرياتهم، وتعتدي على دمائهم دون ان تخشى رقيبا او حسيباً. والباحث في تاريخ العرب قبل الاسلام يجد شواهد كثيرة
لهذا الواقع المتردي آنذاك سواءً على مستوى القبيلة او الافراد. هذا الواقع دعاهم الى ضرورة التفكير بتغيير هذا الواقع المؤلم الذي يحيط بهم.
فحين جاء الاسلام،
جاء ليقول للناس حكاما ومحكومين ان هناك رقيبا هو الله.
ومن هنا فأن دعوة الاسلام الى الوحدانية المطلقة والى عبادة الله وحده،
معناها تحويل البشرية الى امة
إله واحد
رقيب حسيب، قادر وخالق،
وان الناس لا بد ان يلتفوا حول هذا اللواء الكبير القوي.
وقد جاء اللاسلام بمبادىء اخلاقية ارسى دعائمها في سنيه الاولى مثل الالوهية والتوحيد ودور العلم في
المجتمع الانساني ورسالة الاخلاق ومبدأ العدل المطلق.
هذه المبادىء هي في ذاتها مبادىء سياسية،
لان الامة لو سارت عليها لصلحت سياستها وسارت في الطريق القويم التي رسمته الشريعة لها. فعندما يقول القرآن:
"وأعتصموا بحبل الله جميعاً"
فمعنى ذلك ان الاعتصام بأمر الله آمر،
وعدم التفريق آمر، وليس هو خيارا ولا أستثناءً
في هذا ولا ذاك. وعندما يقول كذلك:
"ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون" فمعنى ذلك ان الامة
ينبغي ان تكون واحدة من حيث الحقوق والواجبات،
ولا يجوز لاي جماعة ان تتصرف في هذه الوحدة لاي سبب من الاسباب،
ولهذا قال الرسول: لاتجمع أمتي على ضلالة،
اي ان اجماع الامة وأجتماع
كلمتها لابد ان يكون خيراً.
والذي حدث ان بعض المسلمين تصور ان العقيدة هي عقيدة دينية فحسب بينما هي في ذاتها قواعد سياسية،
فالدين معناه منهج الحياة المتكامل عقيدة وشريعة واسلوب حياة.
لذا قام المنهج الاسلامي
على المساواة الكاملة بين افراد الامة فلا يتميز حاكم على محكوم الا بما يقضي به الشرع،
لان الله لم يميز انسانا على انسان الا باتباعه لاوامر الله وهذا ما يسمى بالتقوى.
وعندما فشل
البعض من فهم هذه الفلسفة الواقعية نادوا بضرورة فصل الدين عن السياسة تمشيا مع الاتجاه الاوربي العلماني المسيحي القاصر عن ادراك الشريعة والتشريعات الاسلامية.
لذا فالحاكم لا يتميز بصفة القداسة ابدا ولا يمتاز على غيره،
واذا ارتكب احدهم مخالفة للشريعة عوقب عليها كما يعاقب اي فرد اخر.
واذا ما خرج على نهج الشريعة وجب على جماعة المسلمين
الوقوف في وجهه وعزله عن السلطة،
او الثورة عليه وازاحته من سلطة الدولة بالقوة والعنف.
من هنا تشكلت جماعات المراقبة والمعاضدة للدولة والاسلام معا وكان الخلفاء والصحابة وعلى راسهم آهل البيت الذي ضيع الشيعة دورهم الحياتي الشمولي بفلسفتهم المنغلقة،
كانوا هم نواة هذه
الامة متمثلة في الامام علي بن ابي طالب
(ع)، الذي ما كان يوما سنيا او شيعيا بل عربيا مسلما لكل الناس دون تفريق،
وحين انحرفت القيادة السياسية بفعل الدافع الاموي ظل اهل البيت على
مواقفهم يناصبون العداء لكل المنحرفين والمقاومة فكان بداية الافتراق بمن أمن وطبق،
وامن وأنحرف، وكان أهل البيت في طليعة من نافح وكافح من اجل الاسلام ومبادئه الحقة،
وكان معاوية
والاخرين في الصف الاخر. لذا نلمس ان الصراع بين علي ومعاوية كان صراعا بين نظرية الامة ونظرية الدولة الغاشمة والتي جرت فيما بعد الى كل الانحرافات التي ادت الى سقوط الدولة الاموية
ومجيء العباسيين من بعدها.
وبمجيء العباسيين الى سلطة الدولة انقلبت الامور رأسا على عقب حين أقروا نظام الحكم الالهي مدعين انهم يحكمون بأمر الله،
وكان ابو جعفر المنصور
─هذا الذي يحتوي مسلسله اليوم على كثير من الاخطاء التاريخية التي اغفلها المخرج عن قصد او غير فصد─
هو اولهم في هذا الاتجاه الخاطىء.
وسواءً في عهد الامويين او العباسيين وما قبلهم،
ظل اهل البيت العظام ينافحون ويقاتلون الظلمة من اجل العدالة والدين والقانون والدستور،
فقتل منهم من قتل وشرد من شرد،
وما ثورة الحسين
بن علي بن ابي طالب (ع) ومحمد ذي النفس الزكية وزيد بن علي بخافية عن القرضاوي ورجال اخرين لا يسع المجال لذكرهم.
وعندما احست الدولة العباسية بأن العامة مالت لهذا المذهب المنصف بدأوا
بضرورة الخلاص من فكره، لجأت وباشارة من ابي يوسف الى ضرورة انشاء المحاكم الشرعية وفق تنظيرات ابو حنيفة النعمان تلميذ جعفر الصادق والالتزام بها وترك الاصل،
المناوىء لمصالحهم
الشخصية والفئوية التي يرفضها الاسلام، ومن هنا كان الافتراق ومسلسل المذاهب الاخرى التي فرقت الامة وعاثت بالاسلام الخراب.
فهل قرأ السيد القرضاوي فكر الصادق ليلتزم بالمذاهب الطارئة
وترك الاصل.
وعند سقوط الدولة العباسية تركزت في عقل الامة نظريات الماوردي والغزالي واحمد بن حنبل وابن تيمية وابن الازرق والطرطوشي ومحمد بن عبد الوهاب التي تدعي لصاحب الشوكة بخلاف حق الامة.
واصبح في الدولة خطان: هما خط السيد وخط العبد،
اي خط المبادىء وخط الانحراف. وعلينا ان نميز بين الخطين الاول للعدالة والانصاف والمبدئية والثاني للمساومة والضعف وفقدان الثقة
والتوازن.
ورغم الملاحقة والضغط الى حد القتل والتشريد فأن قوة خصال خط العدالة لم تتح الفرصة لموته،
بل ظل يقاوم بعناد. ورغم الهزائم التي مني بها خط المبادىء ظل يبرز من جديد الى العلن
متواصلا ومتأصلا، معلنا عن نواياه المبدئية لصالح المبادىء القوية الخيرة وهي رفع الظلم عن الناس ورفع اسباب الخوف والاستضعاف والدعوة الى الحرية والعدالة الاجتماعية ونبذ طرق الحيلة.
ورغم الذي حدث ويحدث لكن تجربة الحياة والتاريخ تقول شيئاً اخر.
ورغم ما يقال اليوم ان هذا الخط عاد مرة اخرى في بغداد ليكافح وينافح من اجل عودته الى حكم الدولة،
لكنه لم يثبت الجدارة في العمل والصدق في القول نقول: دوما ان الشجرة المثمرة لابد
ان تخلف معها اغصانا معوجة لكن سرعان ماتموت لتبقى الاستقامة هي الاساس. وما نشاهده اليوم من البعض من انحرافات ماهي الا فقاعات سيسحقها الاعتدال، ليعود حكم الصادق الينا من
جديد. ونحن نطالب من يعدون اليوم بالالتزام بنظرية أهل البيت ان يكونوا منصفين معه ولا يسمحون بثغرة ينفذ منها فكر القرضاوي وغيره مرة اخرى ليموت الحق موتة لا رجعة فيها ابدا.
والمسيرة طويلة، من حق القرضاوي وهو داعية اسلامية سخرت له الجزيرة وصحف اخرى وقتها لبث أفكاره المنحازة ان يقول الحق (والحق اولى ان يتبع) فأن رجال الدين كما هو منهم والقرآن لا يعترف
بهم ولا يخولهم حق الفتوى على الناس ─ان يتصدى للحق ونشر الحقيقة على الناس التي التزم بها فكر الامام جعفر بن محمد الصادق والذي حفظ حقوق المرأة في الزواج والطلاق والارث والوصية
والقوامة واللباس وحق العمل والمشاركة السياسية في الدولة و حكم الناس،
وعلى المصريين ان يقرأوا هذا المذهب ليحفظ لهم حقوق نسائهم وميراثهم بعد ان مزققتها المذاهب الاخرى.
والمذهب الجعفري الذي اراد له صلاح الدين الايوبي الموت
وحرق حتى مكتباته واصوله متذرعا بألاخطاء التي أرتكبها حكام الدولة وقتذاك من الفاطميين
─ان فشل الحكام في تطبيق المذهب لا يعني
بالضرورة بطلانه─ وهو اول من نادى بتحديد سلطة الدولة عن حقوق الناس. وفي رسائل الامام الكاظم
(ع) الى هارون الرشيد خير شاهد صدق على ما نقول، والتي يحاول السيد القرضاوي وغيره من
الاخرين ان يغيبها عن الناس. مثلما غيبت الدولة المنحرفة هذا المذهب عن الطالب في مناهجها المدرسية. وكأن عهد المتوكل العباسي يعود مرة اخرى حين قال
(لا انام ليلتي حتى ارى قبور آل
محمد مزالة من الارض). انه حقد بني قريظة وبني
النضير وابو جعفر المنصور وكل المنحرفين.
ان من حق الناس ان يتساءلوا عن حقيقة هذا المذهب واصوله والتوجه نحوه،
وانا انصح كل الاخوة القراء ان يعودوا لجذور هذا المذهب النقي الصافي،
ويقرؤه بانفسهم ولا يعتمدوا على ما تتناقله
الالسن وتسمعه الاذان، ليجدوا انفسهم معه تلقائيا ولهم الحق في اتباعه من عدمه. لقد اصبح واضحا لدى البعض كما يقول الاستاذ مجدي خليل في معرض رده على القرضاوي وهو مصري قبطي يقول:
"ان
القرضاوي لا يتحدث لوجه الله كما يدعي،
وأنما هو خادم للسياسة كما هو دور معظم الشيوخ في التاريخ الاسلامي". ولتبقى دعوات القرضاوي وغيره في مهب الريح،
فمن قال لكم ان مذهب اهل البيت
كان مذهبا ايرانيا يجب مقاومته؟ ان الايرانيين حديثي عهد بالتشيع وبمذهب آهل البيت،
فالمذهب عربي ورواده من بني هاشم تاج هامات العرب والمسلمين.
ومن يقرأ المذهب بتمعن في اصوله سيندم
لماذا لم يكن شيعيا من اتباع الامام جعفر الصادق قبل اليوم.
القرضاوي وغيره هم الذين يروجون الان للفكر التبريري في اصول الضعف البعيد عن التوجه الالهي ولجعل التعامل مع الواقع والوقائع والخضوع لها،
وابعاد النص الديني من المعايير للسلوك
السياسي حتى يصبح الحاكم الظالم وفق تنظيرهم افضل من أنعدامه. ولهذا نجد انفسنا اليوم وقد فشلنا في نقل المبادىء الاسلامية الحقة الى تشريعات،
وفشلنا في تغيير المفاهيم الصحيحة الى
ميادين المعرفة، وبقينا بعيدين كل البعد عن حرية الحركة والعمل والقول،
في وقت ظل الاخرون يستخرجون الاحكام والنظريات من تجارب الامم ووصلوا الى ما وصلوا اليه اليوم، ونحن لازلنا الى
اليوم الى الوراء در.
الاسلام يدعوك ايها الشيخ الجليل وانت في الصف الاول من التوجيه الديني ان تقول الحقيقة لان الله سوف يحاسبك غدا عن كل كلمة بعيدة عن الحق والحقيقة المهدورة التي انت تنافح وتكافح من
اجل طمسها عن الناس اليوم. وها هي مجتمعاتنا قد وصلت الى مرحلة الدرك الاسفل من الانحطاط واصبحنا نقبل الذل والهوان وحكم الاخرين.
فهل أنت سامع مثلما نسمع ويسمعون؟
والله يهدي الى كل رشاد
Back
to Home