الآسلام والفنون الجميلة. الحلقة الثانية
المساجد الاولى وميلاد فن العمارة عند المسلمين

مقتبس من كتاب عالم الاسلام لحسين مؤنس

 بقلم الدكتور رضا العطار بتصرف

ridhaalattar@yahoo.com

لقد اكتملت العناصر المتطلبة للمساجد الاسلامية في القرن السابع الميلادي وانشأت المحارب المجوفة وظهرت المأذن وامكنة الوضوء، بل ولدت القباب لاول مرة في مسجد قبة الصخرة والجدير بالذكر ان طراز فن العمارة الاسلامية لم يكن موحدا لدى جميع البلدان الاسلامية انما كان لكل اقليم طرازه الخاص به، عاكسا طابعه المحلي الذي يتماشى وتقاليده الوطنية. فهناك الطراز الاموي والعباسي والمصري والعربي والاندلسي والايراني والهندي والملاوي والتركي والمملوكي. ويمكن ان يتطور كل طابع في ناحيته التي نشأ عليها لكنه يظل محتفظا بطابعه الاسلامي العام.
استذكر زيارتي السياحية الى شنغهاي في الصين الشعبية عام 1995،  وعندما علمت بوجود مسجد اسلامي فيها،  قصدته لاداء صلاة الجمعة،  لكنني اصبت بخيبة امل لأن الذي شاهدته كان اشبه بمدرسة ابتدائية لا شبه له بجامع اسلامي فلا ماذنة ولا قبة،  كان الحضور كثيفا لكن جمعهم كان من كبار السن.
وبالرغم من هذا الاختلاف في اشكال المساجد ودرجاتها الا ان الطابع الاسلامي العام يبقى ابدا القاسم المشترك. فالمسجد الموجود في –كانو– في نيجيريا هو نفسه الموجود في طاشقند،  والسر في ذلك هو ان نقطة البداية واحدة والمقاصد واحدة،  لكننا نلاحظ في كل الاحوال ان بناء المساجد قد تطور سريعا بفضل التقدم التكنولوجي،  فانتقلت من البساطة الى الفخامة والجلال.

   وسنكتفي هنا بالكلام حول بعض الخصائص الفنية للعمارة الاسلامية لمسجد الاقصى في مدينة القدس كنموذج جليل. بدأ انشاؤه زمن الخليفة عبد الملك بن مروان وتم بناؤه عام 72 للهجرة. وقد انفق في بنائه بما يساوي خراج مصر لسبعة سنوات،  اي ثلاثون مليون دينار،  وهو مبلغ جسيم،  علما ان دينار ذلك الزمان كان يساوي الى نصف الجنيه الانكليزي.   وقد زخرفت جدرانه المغطاة بالرخام بنقوش عربية هي في غاية الجمال.

اما المسجد الاموي بدمشق فهو الاخر يعد نموذجا حيا للعمارة الاسلامية الخالدة وما زال محتفظا بهيئته وفخامته،  تم بناؤه عام 96 للهجرة،  مقايسه 160 × 100 متر مربع،  يمتاز بالرصانة والجلال،  فالسنون تمر فلا يتأثر وحتى الفسيفساء التي تزين جدرانه باقية على حالها،  محتفظة بألوانها.

الجامع الأموي مسجد في دمشق، سورية من روائع الفن المعمارى الإسلامي، يقع في قلب المدينة القديمة. له تاريخ حافل في جميع العهود والحضارات كان في العهد القديم سوقاً، ثم تحول في العهد الروماني إلى معبد أُنشئ في القرن الأول الميلادي. ثم تحول مع الزمن إلى كنيسة. ولما دخل المسلمون إلى دمشق، دخل خالد بن الوليد عنوة، ودخل أبو عبيدة بن الجراح صلحاً. فصار نصفه مسجد ونصفه كنيسة. ثم قام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك سنة 86هـ (الموافق ل 705م) بتحويل الكنيسة إلى مسجد، وأعاد بناءه من جديد، وكساه وزيته بالفسيفساء والمنمنمات والنقوش وافضل ما زينت به المساجد في تاريخ الاسلام.  (من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)

اما المسجد العباسي الذي بناه المتوكل في سامراء عام 238 للهجرة هو دون شك اكبر مسجد بني في الاسلام،  مساحته اربعون فدانا،  يتكون من تسعة صفوف من الدعامات المتوازية لجدار القبلة. وفي كل صف منها 24 دعامة،  وطول ضلع العمود متر واحد وارتفاعه عشرة امتار. ومما يمتاز به هذا الجامع منارته المعروفة بالملوية،  ارتفاعها خمسون مترا. وكان الصعود اليها عن طريق مصعد حلزوني يسير بانحدار ضعيف حتى يصل الى موقف الاذان. وقد اتبعت القصور في العهد العباسي الاسلوب العماري الذي يقوم على ابهاء مكشوفة،  تحيط بها اعمدة تحمل اقواسا نصف دائرية وخلفها تقوم الغرف،  ويرتبط كل بهوين برواق يبنى من الحجر كما تجلى ذلك في قصر الاخيضر قرب كربلاء وقصر السوجق للمتوكل في سامراء،  زينت جدرانها بالجص المنقوش.

   وفي عهد الامبراطورية الفاطمية التي حققت الوحدة العربية الاسلامية الكبرى،  بدأ فن العمارة الاسلامية يستقل بنفسه. فقد ولد هذا الكيان مغربيا و نشأ مصريا. وقد طال العصر الفاطمي واتيح له ان يحظى بطرازه المعماري الخاص الذي تجلى مظهره في جمال مساجده،  جمعت الطراز المصري والبيزنطي والعباسي. واهم ملامح هذا الطراز اناقة بنائه وتناسق اجزائه ورقي فنه. فاننا لو تاملنا جامع الاقمر في القاهرة مثلا لعرفنا انه قطعة فنية واحدة من بابه الى محرابه. مبني من الحجارة المصقولة،  يبطن الرخام جدرانه الداخلية،  اما اناقة الاعمدة الصخرية والاقواس الدائرية فهي الاخرى التي تفضي على المسجد رونقا خلابا. بينما المأذن فكانت رفيعة مرتفعة ذات هيئة رشيقة،  وفي كل منها موقف مزخرف للاذان.

اما جامع القيروان في المغرب فقد بني عام الخمسين للهجرة من قبل قائد الجيش الاسلامي عقبة بن نافع الذي يعد من اجمل المساجد الاسلامية واظهرها شخصية. كذلك يعد اب المساجد في بلاد المغرب كلها حيث انها تسير على نفس النظام وان كانت تختلف في اشكالها واحجامها ودرجاتها خاصة بما يتعلق بالفخامة والغنى. فمأذنتها التي تسمى عندهم بالمنارات تتكون في الغالب من ثلاث طبقات،  كل طبقة اضيق من التي تحتها. تزين جدرانها بزخارف منقوشة في الحجر كما يزين حائط القبلة بالفسيفساء و المحراب بالرخام كالذي موجود حاليا في جامع مدينة مراكش.

   اما الطراز الاندلسي في فن العمارة الاسلامية فيعتبر من اجمل طراز واظهرها شخصية،  منذ ان فتحه القائد الاسلامي طارق بن زياد عام 91 للهجرة. وجامع قرطبة هو الاول الذي انشأ زمن عبد الرحمن الداخل وخصائصه المميزة هي الفخامة والجمال مع المحافظة على رصانة البناء ووقاره. فالجدران حجرية عالية وحجارتها مصقولة. واروقتها الداخلية تسير في اتجاه القبلة ومدخلها مزين بالفسيفساء وكتابات قرأنية بالغة الروعة. مساحته الداخلية اكثر من عشرين الف متر مربع وعلى هذا يعتبر اوسع المساجد الاسلامية الباقية الى اليوم.

وفي جانب الشرق من العالم الاسلامي نجد المساجد الاسلامية ذات الطراز الايراني
المشهورة ببواباتها العالية،  وجدرانها المكسوة بالرخام ذات الاقواس المطعمة بالزخارف. والقباب العالية المزينة بمربع القاشاني الملون. وصحون المساجد ابهاء واسعة مرتفعة السقوف. ومنابرها ايات من الابداع الزخرفي الجميل تضارع في جمالها المنابر المغربية،  فهي حقا اعمال فنية بديعة خالدة،  جلبت انتباه الباحثين من الاجانب في فن العمارة الاسلامية،  فقد اللف المستشرق – هنري تيراس – كتابا اقتصرت فصوله على روعة الفن لمنبر واحد قديم موضعه في جامع الكتبية. بينما مأذنها،  مأذن شاهقة الارتفاع،  تتعدد فيها مواقف الاذان،  ومن اشهرها جامع الشاه عباس في اصفهان.

اما المساجد الهندية فقد امتازت بقبابها الرائعة المنظر والكثيرة العدد،  والماذن المبنية على زوايا الجدران الخارجية للمسجد كأنها الابراج. اما الجدران فتزين من الداخل بالرخام،  بينما رؤوس الاعمدة تغطى بصفائح من معدن النحاس،  وفي بعض الاحيان تلون المساجد بالوان زاهية لجذب الانظار. وفي جملة المساجد الهندية تدخل الاضرحة والروضات،  منها روضة السلطان همايون في العاصمة دلهي،  وروضة تاج محل بأكرا في شمال الهند، 

   وروضة مرقد الامام علي في النجف الاشرف والتي تعد روضة المعجزة. فقد اقيم الضريح تحت القبة المنيفة تاج الجزيرة الذهبي. هذه القبة الضخمة مكسوة بالذهب الخالص تزين باطنها نقوش الفسيفساء وايات كريمة من القران زخرفت بخط عربي جميل. وللروضة المقدسة اربعة ابواب من الفضة وباب من الذهب. كل واحدة منها تعد تحفة فنية فريدة الصنع نادرة الوجود.

واما عن المساجد التركية فهي على طراز العمارة الاسلامية العثمانية المعروفة،  تمتاز بكثرة القباب ما بين كبيرة وصغيرة في الجامع الواحد،  وبمأذنها الرفيعة الطويلة التي تروق النفس برشاقتها وانطلاقها في الهواء،  فهي تروع النفس بسحر جمالها كما هي الحال في مدينة اسطنبول. اما مجموعة النوافذ فهي زينة المسجد التي تفيض النور الى داخله. ومسجد السلطان سليمان القانوني اشهر المساجد التركية على الاطلاق،  تم بناؤه عام 1556 م،  يضارع اعظم المنشات العمارية التي اقامها الايطاليون في عصر النهضة،  مثلما يضارع مسجد ايا صوفيا في الهيبة والجلال.

بهاء المنائر الدينية وعظمة القبب المطعمة بنقش الفسيفساء الملون والتي مازالت بغداد تشهد بعض اثارها. يقول الدكتور ابو الحمد محمد الفرغلي في علم الزخرفة عند المسلمين :  (ان العمائر الدينية كانت تجمل بالفسيفساء الزخرفية مصورة اوراقا وزهورا ذات الوان بديعة تاسر القلوب،  ولم يكن كل ذلك الا بفضل الذوق الجميل وغرام بالفن ودراية في الالوان وعلم وافر في مزج الاصباغ والقدرة على تفهم معنى الجمال).

      Back to Home Page