الاسلام والفنون الجميلة: الحلقة الثالثه
الصنائع الفنية الصغيرة
مقتبس من كتاب عالم الاسلام لحسين مؤنس
بقلم
الدكتور رضا العطار
بتصرف
ridhaalattar@yahoo.com
تشمل الصناعات الفنية اليدوية حقول واسعة، فهي تغطي الانسجة المزركشة بانواعها، سواءاكانت ملابس ام ستائر ام
مفارش ام سجاد. وكذلك ادوات معدنية كصياغة الذهب والفضة او صناعات نحاسية وبرنزية وحديدية احيانا، شرط ان يكون الناتج حلة فنية، وايضا مصنوعات خشبية مشغولة بالزخرفة، اما بالعاج او
بالصدف والابنوس والنقوش المختلفة ومربعات القاشاني وادوات الفخار والخزف بانواعها. وكذلك كل الصناعات اليدوية التي يسمح للفنان بان يضفي عليها من ابتكاره ليعطيها صورة فنية خالصة.
شهدت بلاد الرافدين اقدم الفنون اليدوية في تاريخ الحضارات الانسانية، يعود تاريخها الى اكثر من خمسة الاف سنة، اي
قبل نشؤ الحضارة السومرية وتحديدا في مملكة العبيد (بضم العين) الوركاء، حيث كان العراقيون القدماء يصنعون الاواني الفخارية، ثم ينقشون عليها صورا ملونة.
(راجع الحضارة السومرية لكاتب المقال)
لقد ابدع المهرة من العرب والمسلمين قطعا فنية فريدة من الادوات كلها. والابداع هنا لا يتجلى في اتقان الزخرفة وبراعة
الخطوط وانسجام النوع فحسب بل في دقة الصناعة نفسها. فقد نبغ المسلمون في صناعة الانسجة حتى اخرجت مناسج مصر ثيابا مزركشة بخيوط الذهب واخرى من الفضة. وهذه الثياب الغالية هي التي كانت
تزخرف وتحلى بالرسوم.
تعرض متاحف الاثار العالمية في الوقت الحاضر
قطعا بديعة من نسيج الكتان الجيد من العصر الفاطمي في القرن العاشر الميلادي، وكذلك تعرض نسيج قطني مزخرف واحسن صنف من المخمل من بلاد فارس. في حين كانت مناسج بلاد وادي الرافدين واليمن
السعيد يصنعان اجمل حرير في دنيا العصور الوسطى.
اما في مجال الابداع في فن صياغة المعادن، نجد في المتاحف المذكورة اواني نحاسية وفضية وقد زينت بنقوش ذهبية دقبقة
تعطي اشكالا وصورا زخرفية غاية الابداع. وايضا الخشب المطعم يالعاج والصدف، وابنوس المزين بالفضة والذهب.
وقد بلغ المسلمون في صناعة الزجاج شانا عظيما، كانت المدن السورية في مقدمتها، حيث انهم صنعوا الزجاج الابيض والملون
المنبسط الذي كان يستعمل في نوافذ المنازل مثلما كانت تزين به نوافذ وجدران الكنائس. وعرفوا كذلك كيف يصنع الكرستال الصافي الابيض والملون. واتقنوا صناعة الخزف الساذج والخزف ذي البريق
المعدني اضافة الى ابتكارهم مربعات القاشاني وادواته. وقد اقتبس الاوربيون معظم هذه الصناعات العربية الاسلامية عن طريق الحروب الصليبية التي دامت زهاء قرنين من الزمن.
(
راجع فضل الحضارة الاسلامية على النهضة الاوربية لكاتب المقال).
وفي المتاحف
العالمية للفن نجد مجموعات من جلود الكتب، وقد تفنن المسلمون القدماء في صناعتها وزخرفتها بالذهب والالوان الزاهية، وبخاصة اللون الازرق والاحمر، وكذلك نجد نماذج رائعة من سجادات الصلاة.
واما ان المسلمين قد انفردوا في صناعة اجود وارقى السجاد في العالم فهو امر مشهود لا يحتاج الى بيان
واشهر البلدان التي
امتازت بصناعته هي ايران والتركستان والهند.
وفي المغرب تصنع
فرشا بسيطة من الصوف في غاية الجمال تدعى بالزرابي.
يذهب كثيرون الى ان الاسلام حرم التصوير،
مع اننا لا نجد في القران شيئا يؤيد هذا الراي، الا ان بعض الفقهاء قد ايدوا التحريم قفلا لباب عبادة الاصنام حسب تصورهم. لكن التصوير عند المسلمين حقيقة واقعة. فتاريخ الشعوب الاسلامية
حافل بالرسوم والتصاوير من كل نوع، فقد نبغ بعض الرسامين والنحاتين والمصورين من المسلمين في صنع تماثيل صغيرة الحجم للتسلية والزينة كلعب الاطفال، وعدوا في هذا المضمار من اعلام تاريخ فن التصوير العالمي.
ولدينا في قصر
الحمراء بغرناطة لوحات ملونة تسمى بلوحات ملوك العرب، رسمت في القرن الرابع عشر الميلادي على نحو من الدقة والاتقان لم تصل اليه ايطاليا وهولندا الا بعد اكثر من قرنين من الزمان. ومما
يذكر ان فن التصوير الاروبي ولد في الحقيقة على يد مسلمي الاندلس. وهذا الموضوع لم يتناول على مر التاريخ لكيلا يظهر فضل العرب فيه.
واود ان استوقف
النظر الى ان فن التصوير نشأ عند المسلمين نتيجة تجليهم وحبهم للقران الكريم ورغبة الاثرياء منهم في الحصول على مصاحف محلاة بالزخارف والالوان المبهجة، مما شجع الفنانين من ان ينعكفواعلى
عمل مثل هذه المصاحف، حتى ان خطوطها كتبت من ذهب، وزركشت حواشيها وصفحاتها الاولى بالخاصة بزخارف نقشت باروع صورة تسر قلوب المؤمنين.
فسواء في مصر او في
الاندلس او بلاد فارس، كان المسلمون يزينون المصاحف وهي نقطة البداية في فن النقوش الصغيرة التي تسمى بالمنمنمات. واكثر الكتب جاهزية هي التي تهتم بعالم الادب القصصي مثل كتاب كليلة
ودمنة، هندية الاصل والشاهنامة للشاعر الفردوسي، ومقامات الحريري وقصص الف ليلة.
ومن اطرف الكتب
المصورة كتاب السيرة النبوية التي لم يظهر في مشاهدها صورة النبي الكريم، انما نرى فيها اعداء الاسلام من ابي جهل وابي لهب وعلى راسهم ابليس.
وفي دنيا الفن لعالم الاسلام برزت مدرستان، هرات وتبريز، اشتهرتا في فن الخطاطية
والزخرفة. فهي جمعت الخطاطين من المدرسة التيمورية في الهند زمن حكم المغول
ومهرة اتراك تخصصوا في فن تأنق الخط وايرانيون في الزخرفة والصور الملونة،
والتحقوا بها. كان ذلك خلال القرن السادس عشر م. وبعد فترة وجيزة ابلت هذه المدرسة في مجال الخطاطية والزخرفة بلاء حسنا تعد من
ايات الفن الاسلامي المبتكر، كان لهذه المدرسة الفضل الاكبر في تطوير صناعة النسيج، اذ وضع اساتذتها احسن التصميمات لنقوش السجاد ذو الشهرة الواسعة، ذائعة الصيت.
اضافة الى ابتكارها
فن تزيين الكتب بالمنمنمات والزخرفة الحديثة، وعلى اثر ذلك اقبل جمهور المسلمين اقبالا عظيما على اقتناء مثل هذه النماذج الفنية , فراج سوقها مثلما زاد من حماس
المهتمين بها. فتقدم
فنهم تقدما عظيما. وفي متاحف الفن ومكتبات العالم اليوم نجد عشرات من المخطوطات المصورة من كتب الرحلات ودواوين رباعيات الخيام
وفي القرن الرابع
عشر م ظهرت مدرسة التصوير الاندلسي ونشات نماذجها اولا في تصاوير النسيج والرسوم على الاطباق والاباريق، ثم تطورت الى عمل اللوحات التي زخرت اسبانيا وبقية العالم اليوم بنماذج منها. ومن
المؤسف ان فنانيها مجهولون لا تذكر منهم واحدا باسمه وان كنا نعجب بما لدينا من نماذج اعمالهم.
وفي خلال القرن
السابع الهجري نبغ المسلم الفارسي - رضا عباسي - الذي اشتهر في فن الرسم، وقد استوقفت لوحاته الاوربيين عندما وصلت الى هولندا. وكان فن التصوير فيها في ذروته في ذلك الحين. وقد بلغ اعجاب
الاوربيين ان اقبلوا على تقليدها، اذ اعتبروها طرازا جديدا في فن الرسم. سواء لصور اشخاص او لمناظر الطبيعة واستمر الاهتمام بهذا الفن الى اواخر القرن الثامن عشر.
سبق وان اشرنا الى لوحات ملوك العرب الموجودة في بعض سقوف قصر الحمراء في غرناطة وقد
كان هناك من يزعمون ان الذين قاموا برسمها كانوا رسامين ايطاليين وفدوا على بلاط ملوك اسبانيا، لكن يتضح لنا خطا هذه النظرية عندما نعلم اننا لا نجد في ايطاليا خلال القرن الرابع عشر م
كله رسامين يصلون الى مستوى تصاوير السقوف التي تشير اليها. وهذا يثبت بشكل قاطع ان هذه اللوحات ليست من عمل ايطاليين وانما هي من عمل اندلسيين.
نحن لا نجد هذا
المستوى الفني الرفيع في القرنين الرابع والخامس عشر م
في أي بلد في العالم إلا في اسبانيا. وقد اختفى الكثير من معالم ذلك الفن التصويري الاندلسي لاسباب غير معروفة. فبينما كانت لدينا تصاوير واضحة على
جدران الحوراء وسقوفها في القرن التاسع عشر م. ومن حسن الحظ ان عددا من الرحالة المصورين احتفظوا لنا بالكثير من نماذجها، وهذه النماذج الاندلسية تقرر بوضوح ان
فنا اسلاميا تصويريا ازدهر في الاندلس خلال القرنين الرابع والخامس عشر م، وربما كان لهذا الفن اثر في ميلاد فن التصوير في الغرب.
لقد تطور فن النحت
في بلاد الاسلام في صورة الزخاف البارزة على الخشب والعاج واللرخام، ثم انتقل الى استعمال صنع تماثيل صغيرة لحيوانات من العاج والصدف
وقد اشتهرت بذلك
الدولة الفاطمية ودولة المماليك في مصر مثلما اشتهرت بصناعتها الاندلس منذ القرن العاشر م ولدينا من نماذج النحت الفاطمي تماثيل كاملة غاية في الاتقان. وكذلك لدينا نماذج من النحت
الاندلسي لا تقل عن ارقى ما وصل اليه النحت الاوربي في القرن السادس عشر م ز
ويجدر باهل الفن في
بلاد الاسلام اليوم ان يدرسوا هذه النماذج الفنية التي خلفها الموهوبون من اهل اجيالهم الماضية لابتكار مدارس وطنية في التصوير والنحت تحمل طابعها الاسلامي القائم بذاته، يعكس شخصية
وملامح اصولها القديمة وتتماشى مع تيارات الفن المعاصر.
ولا بد من الاشارة هنا الى الوان مختلفة من الفنون نشات ولقيت قبولا لدى جماهير
المسلمين. كالتمثيل البدائي الذي كان يصاحب انشاد القصص الشعبيه في المقاهي والاسواق، فقد جرت العادة على ان تمثل بعض المشاهد المتصفة بالحوار الفياض وبالحماسة والشهامة او مشاهد تحدي
الظلم والثورة على الطعيان. كما نرى في قصة ابي زيد الهلالي وهي ملحمة ابطال جمع المؤلف الشعبي فيها مشاهد شتى من الادب الجاهلي وبطولات الاسلام ومواقف شجاعة من الحروب الصليبية وصراع
بني هلال مع اعدائهم. وتساق في نسق جميل يدل على ملكة درامية وان كان ينقصه الصقل والتجويد.
وقد يشترك جمهور
المشاهدين مع المنشدين في اعطاء القصة صورة تمثيلية. كما راينا في الفقرات الخاصة بزواج عنتر وعبلة التي لا تخلوا من طرافة لان بعض المتفرجين يقومون بدور الشهود في حين تغني نساء الحارة
من شرفت المنازل المحيطة بالمقهى.
الى جانب ذلك وجد فن
خيال الظل، وهو نوع بما يسمى في يومنا هذا بمسرح العرائس، وقد نشأ هذا النوع من المسرح الشعبي في الصين بداية ثم امتد بامتداد الزمن الى بلاد العرب ولقى من جماهير المسلمين خصوصا في
الشام وفلسطين ومصر قبولا كبيرا وقد زاد الاقبال علية اثناء الحكم التركي للبلاد العربية وعرف باسم قراقوز. وكانت حفلاتها تقام عادة في شهر رمضان كنوع من انواع التسلية التي يقبل عليها
الناس في ليالي رمضان الفضيل وكانت الظلال تعكس على
ستارة من القماش الابيض متدلية من السقف وتوقد خلفها المصابيح، اما الدمى فكانت بطول قدم تصنع من الجلد وتحشى بالقطن وتحرك من اسفل بعصى مثبتة في اعضاء الدمى، اما النصوص فكانت نظما تنشد
مع انغام موسيقية تغنيها جماعات تخصصت في هذا الفن وكانت الدمى تتحرك بين الستارة والضوء فتظهر عليها في صورة ظلال سوداء، اما الحكايات التي كانت تمثل بخيال لبطل فتقتبس موضوعاتها من
القصص الشعبية او المشاهد الفكاهية في الحياة العامة، كان القصد منها اضحاك الجمهور، ليس فيها ما يجرح الاحساس. مع ذلك حمل الفقهاء على هذا النوع من الفن البدائي الساذج حملة شديدة، لكن
الصوفي ابن عربي امتدحها قائلا – ان الدمى ترمز الى هباء الحياة وان الايدي الخفية التي تحركها ترمز الى يد القدر–
وقد اختفى خيال الظل
عندما نشات في البلاد الاسلامية الفن المسرحي.
Back to Home Page