اضواء على الدولة الحمدانية – الحلقه الأولى
مقتبس من (الحضارة الانسانية) لمؤلفه ادم منز
بقلم الدكتور رضا العطار
بتصرف
ridhaalattar@yahoo.com
يذهب معظم المؤرخين الى ان التاريخ الحقيقي لنشوء دولة بني حمدان في الموصل هو عام 293 للهجرة، حينما عين الخليفة العباسي المكتفي بالله علي بن عبد الله حمدان
الملقب بأبي الهيجاء واليا على ولاية الموصل.
كان لحمدان بن حمدون التغلبي، الجد الأعلى للحمدانيين ثمانية ابناء، كان ابو الهيجاء اشهرهم الذي تمكن في الفترة الأولى من حكمه من اخضاع الفتن والمنازعات التي كان يثيرها افراد من
عشيرته الى جانب القوى الأجنبية الطامعة في ملكه.
وعندما تقدم به العمر ترك ولاية الموصل الى ولده الحسن راجعا الى بغداد ليقضي فيها ايام كهولته.
كان الحسن ملقبا بناصر الدولة الذي لم يستقر يوما على كرسي الأمارة لكثرة المعارك والحروب التي كان يخوضها ضد الخارجين عليه والطامعين في ملكه، خاصة بعد موت والده فأضطر الى ملاحقتهم
وكان هؤلاء على جانب كثير من البطش والقوة، الأمر الذي كلف ناصر الدولة الكثير من المتاعب، فكان لا يكاد ينتهي من اخماد فتنة كبيرة الا وظهرت فتنة اخرى بقودها ابن عمه سعيد منازعا اياه
على الملك شانا هجماته على ولاية الموصل محاولا احتلالها،
لكن ناصر الدولة استعمل معه سياسة الدهاء والحيلة حتى تمكن من قتله وبذلك اعتبرت تلك السنة هي البداية الفعلية لقيام الدولة الحمدانية في الموصل.
كان الروم يستغلون ضعف الخلفاء العباسيين في بغداد ويغيرون على الثغور بين الحين والأخر لينتقموا لأنفسهم مما اصابهم على ايدي الخلفاء الأقوياء من بني العباس في الأزمنة السابقة،
فأغاروا على ديار بكر وحققوا اهدافهم في الحاق الهزيمة بالمسلمين.
كانت تلك الفترة بمثابة ارهاصات لظهور امارة عربية قوية تحفظ التوازن وتحمي الثغور وترد غارات الروم، فلم يمضي وقت طويل حتى ظهرت الدولة الحمدانية في الموصل والتي واصلت حياتها بعدئذ في
حلب، التي امتازت بقوة الشكيمة، انها
كانت عزيزة و ناشطة.
كان للحمدانيين في بغداد كيان ذو شأن، يحسب له حسابه وكان الخلفاء العباسيون يعتمدون عليهم ويستعينون بهم وقت الأزمات السياسية عندما تثار عليهم الفتن وتضطرب الأحوال،
ويذكر المؤرخون ان الحمدانيين كانوا ذوي جرأة وشجاعة فائقة الى درجة يروى ان احدهم واسمه حسين حمدان كان ينازل الأسود ضمن حفلات المصارعة العلنية المشهودة له ويقتلها بيده.
كانت سلطة الخليفة العباسي في بغداد ضعيفة يتلاعب فيها جند الأتراك والتجار والنساء بمقدراتها و يفرضون عليها رغباتهم،
حتى بدأ اهالي بغداد يرددون هذه الأرجوزة متندرين.
وزير لا يمل من الرقاعة |
يولى ثم يعزل بعد ساعة |
فقد اجبر الخليفة ان يستحدث للقواد الأتراك المتنفذين في الجيش العباسي، منصب امير الأمراء ليمكنهم ان يستولوا على السلطات السياسية والعسكرية للأمبراطورية الأسلامية،
وقد تمادوا في اطماعهم الى حد قاموا بوضع القابا لهم على عملة الدبنار بمنئ عن رغبة الخليفة الذي طالبوه ان تذكر اسمائهم على المنابر في صلاة الجمعة في ارجاء المملكة.
وعندما احتل البويهيون بغداد انتزعوا هذه الأمتيازات الممنوحة لأنفسهم وسعوا الى توسيع مداها وتطوير مضامينها، فمثلا يقوم الحاكم العسكري الفارسي بوضع لقب
– شاهنشاه – وتعني ملك الملوك على العملات المتداولة.
وعندما دخل جيش الأتراك بغداد اضطر الخليفة العباسي المتقي بالله ان يستنجد بأبي الهيجاء الحمداني في الموصل لطرد الغزاة من مملكته فلبت الأمارة نداء الخليفة وتقدم الجيش الحمداني بقيادة
الأمير الحسن نحو بغداد وتمكن من دحر الغزاة والحاقهم هزيمة نكراء، فكافئ الخليفة العباسي الأمير الحمداني الحسن بلقب ناصر الدولة واخاه الأمير علي بسيف الدولة،
وقد استفاد سيف الدولة الشاب من اقامته في قصور الخلافة في بغداد واختلاطه بقواد الجيش واكتسابه خبرات عسكرية مكثفة شملت فنون الحرب اهلته بعدئذ ان يقود جيش بني حمدان في معارك الروم
والتي ابلى فيها بلاء حسنا شهد بها له التاريخ.
لقد بلغ التقارب بين دولة الخلافة في بغداد وامارة الحمدانيين في الموصل درجة، بحيث اقدم الخليفة العباسي بتزويج ابنه ابو المنصور على ابنة الأمير ناصر الدولة وبذلك ارتفع شأن اسرة
الأمارة في الموصل الى مقام اسمى بعدما سمح للحمدانيين من مصاهرة عوائل الخلفاء، لكن شهر العسل للشاب سيف الدولة في بغداد لن يدوم طويلا فسرعان ما دب الحنين في قلب الأمير معتزلا وظيفة
امير الأمراء، تاركا بلاد العباسيين راجعا الى ولايته العتيدة في الموصل.
أمراء الدولة الحمدانية
إمارة حلب |
|
|
إمارة الموصل |
فترة حكمه |
الأمير |
|
|
فترة حكمه |
الأمير |
332 ـ 356 هـ |
علي بن حمدان
الملقب بـ(سيف الدولة) |
281 ــ 293هـ |
الحسن بن حمدان
الملقب بـ(ناصر الدولة) |
358 ـ 381هـ |
إبنه (أبو المعالي) |
293 ــ 317هـ |
عبد الله بن حمدان
(الملقب أبا الهيجاء) |
381 ـ 392هـ |
ابنه (ابوالفضائل)
سعيد الدولة |
317ــ 356 هـ |
ابن ناصر الدولة |
|
|
356 ــ
367 هـ |
أبو تغلب |
ملاحظة: بالنسبة لـ عبد الله بن حمدان (أبو الهيجاء)
تولى لفترة كذلك إمارة حلب و ديار ربيعة و خراسان و الدنيسور.
لقد تطورت العلاقات الحسنة بين الأمارة
والدولة العباسية الى درجة، هزت مشاعر الأمير سيف الدولة الحمداني فأنشد قائلا:
ففينا لدين الله عز ومنعة |
وفينا لدين الله سيف وناصر |
هما وامير المؤمنين شرف |
اجاره لما لم يجد من يجاور |
لم تدم فترة الهدوء النسبي طويلا واذا بالأتراك يعودون ثانية محشدين جيوشهم على تخوم المملكة العباسية،
يثيرون القلاقل والأضطرابات ويمتهنون مكانة الخليفة مضيقين عليه الخناق، ولم
تستتب الأمور الا بعد توقيع معاهدة صلح،
تنازل بموجبها الخليفة العباسي للقائد التركي توزن عن المناطق التي تمتد من جنوب بغداد الى ولاية البصرة.
وقبل ان يجف حبر المعاهدة تقدمت جيوش البويهيين من الشرق واحتلت بغداد علم 333 للهجرة، وقبل ان تهدأ الأمور الأمنية والسياسية نظر القائد الفارسي المظفر شطر الشمال فوجد ان هناك امارة
عربية رابضة في الموصل قد تشكل خطرا عليه، وفي نشوة النصر واصل زحفه الى الموصل للقضاء على الدولة الحمدانية، لكن ناصر الدولة الحمداني خرج هو الأخر من الموصل لملاقات عدوه،
لكن الجيشان لن يلتقيا لكنهما واصلا السير فقائد الجيش الفارسي اتجه نحو الموصل وناصر الدولة الحمداني نحو بغداد وكل منهما دخلها وحكمها وهكذا تبدوا المسئلة على جانب من الطرافة لأنها
اقرب ما تكون الى المبالة بين الولايات – لم يلبث الأميران العربي والفارسي على هذه الحالة بل تصالحا بعد حين وعاد كل منهما الى عاصمته فالحمداني الى الموصل والبويهي الى بغداد.
كان لناصر الدولة اكثر من ولد. وبعد وفاته دب الخلاف بين الأخوة على السلطة مما شجع الروم البيزنطيين على الأعتداء على اعمال الموصل اكثر من مرة فكانوا ينتصرون تارة وينهزمون تارة اخرى. كان سيف الدولة الحمداني فارسا شجاعا ولم يكاد يبلغ 25 من العمر حتى انطلق على رأس جيش جرار مقتحما بلاد الروم، فخرج اليه ملك الروم على رأس جيش تعداده 200 الف محارب وهو عدد لم يعهده
الأمير المغامر الصغير من قبل، فعمل فكره ولجأ الى تكتيك المراوغة والتقهقر المنظم حتى طمع فيه جيش العدو وبدأ بالأنسحاب الى الأرض التي ارادها ثم انقض الأمير الفارس عليهم وانزل بهم شر
الهزائم واسر عددا كبيرا من قوادهم. هكذا يتوغل بنو حمدان ارض الروم وتطأ اقدامهم مواطن لم يصل اليها احد من المسلمين من قبل. ويرجع الأمير بجيشه سالما الى ارض العرب بعد ان اوقع
بالروم الفزع والرهبة، وعندما وصلت انباء الأنتصارات الحاسمة بدأ الشعراء ينشدون اجمل القصائد واكثرها حماسية،
فهذا شاعر حمداني يخاطب الأمير سيف الدولة بقصيدة مطلعها:
ونادى الهدى مستصرخا فأجبته |
بقلقيليا اذ انت بالخيل في المقدما |
وعندما عاد سيف الدولة الى الموصل بوغت ان اخاه بدأ يتخوف من سطوته و سلطانه بعد ان عظم نفوذه واشتد ازره، وبدا يعامله معاملة قاسية اتسمت بالمجافاة وابعاده عن مناصب الدولة،
لكن سيف الدولة لم يضمر الحقد والكراهية لأخيه الأكبر بل قابله بالأناة والصبر تفاديا لتطورات غير محمودة فأنشد هذه القصيدة معاتبا:
رضيت لك العلياء وقد كنت اهلها |
وقلت لهم بيني وبين اخي فرق |
ولم يكن بي عنها نكول وانما |
تجافيت عن حقي فتم لك الحق |
ولا بد لي من ان اكون معاندا |
لكنني ارضيت ان يكون لك السبق |
وعلى اثر تلك المضايقات ترك سيف الدولة ولاية الموصل مغتاظا وخائبا متوجها الى حلب على رأس جماعة من مريديه والمقربين اليه يشكلون قوة محدودة العدد تمكن ان يفتحها ويؤسس فيها مملكته،
وعندما استقر به المقام اتجه نحو بلاد الشام بغية المزيد من الفتوحات فأصطدم بالأخشيد ومولاه كافور صاحب الشام ومصر وجرى بينهم قتال شديد انتهت المعركة بأنهزام عسكر الأخشيد وكافور
واستولى سيف الدولة على ولاية حمص ودمشق وارض الجزيرة كلها.
لقد لعبت يد التاريخ دورها الحاسم في احقاق الحق واعطت الدرس في الأخلاق، عبر الأحداث اللاحقة، فبعدما اغار جيش عضد الدولة البويهي على ولاية الموصل واحتلها هرب اخاه الأمير ناصر
الدولة لاجئا الى مملكة اخيه في ولاية حلب متناسيا مجافاته وتعسفاته له و كان ما لقيه هناك هو عكس مما كان توقعه،
فقد تلقاه اخوه الأمير سيف الدولة بالأحسان وبالغ في تكريمه متوسما بوشائج العلاقات الأخوية الخالصة.
كانت الدولة الحمدانية في حلب دولة مستقلة مثل باقي الدويلات التي ظهرت ابان ضعف الخلافة العباسية
في بغداد وكانت مركزا هاما من مراكز الأشعاع الثقافي والجذب الفكري في تلك الحقبة الزاهرة من تاريخ الحضارة العربية وانها كانت بحق احدى الدويلات العربية التي قامت على حساب الدولة
العباسية ووقفت سدا منيعا في وجه الغزو البيزنطي الذي كان يستهدف احتلال بيت المقدس.
لقد ظهر الحمدانيون في الجزيرة الفراتية وكان لظهورهم قوة نفوذ واهابة على القبائل العربية المنتشرة في تلك المناطق، بحيث استطاعت ان تؤسس كيان دولة سياسية مستقلة عاصمتها ولاية الموصل
وحلب على التوالي
لقد كانت صفات الفروسية ولغة الفصاحة والأدب والشعر وكرم الضيافة هي الصفات البارزة لدى افراد الأسرة الحمدانية فضلا عن انهم كانوا محاربين اشداء يخوضون المعارك بقلوب من حديد، ومن ابرز
شعرائهم الذين كانوا يقرضون الشعر عذبا جذابا هو الأمير الشاعر سيف الدين الحمداني، وينشد الشاعر ابو الطيب المتنبي على لسان الامير قصيدة تصور بطولاته في الحرب هذا مطلعها:
وقد علمت بما لاقته منا |
قبائل يعرب وبني نزار |
لقيناهم بأعواد طوال |
تبشرهم بأعمار |
لقد بلغت الدولة الحمدانبة اوج عزها في زمن سيف الدولة وكانت مملكته انذاك تشمل بقاع حمص والثغور الشامية والجزيرة وديار مضر وديار بكر
يذكر المؤرخ سامي الكيلاني – من البطولات الفذة التي كان لها شأن خطير في دفع الغزو البيزنطي عن ارض العرب هي بطولات سيف الدولة، هذا القائد العربي المغوار الذي وقف وحده في الميدان
يحارب جيوش الروم في فترة كانت الدولة العباسية قد تمزقت شذر مذر تهددها الأطماع من كل الأطراف،
ففي هذه الفترة العصيبة كان سيف الدولة مؤسس الدولة الحمدانية في حلب متخذا من قلعتها الحصينة معقلا يرد منها الغزاة ويصون الأرض العربية.
المصادر
1-
الثعالبي في تيمية الدهر 1 – 62
2-
الحضارة الأسلامية، ادم متز 1 – 5
3-
مصطفى الشكعه 167
4-
ابن الأثير 7 – 371
5-
ابن النديم في بقية الطلب في تاريخ حلب 1-134
6-
مروج الذهب 2-3
7-
الغزالي في مطالع البدور ومنازل السرور 2 – 176
8-
مستدرك اعيان الشيعة 2 – 185
9-
عن ابن ظافر كنار 72
10- الطبري
احداث عام 283 للهجرة
11- المتنبي
في خزانة الأدب البغدادي 1- 281
12- عزيز
العظمه في العرب والبرابرة دمشق 1991
Back
to Home