هل ينقذ التبني أطفال العراق.. ؟
آراء الكاتب
د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com
شدني وألمني ما يكتب اليوم في الصحف السويدية والاوربية نقلأ عن مراسليها في بغداد حين تصف عملية بيع أطفال العراق
علنا في الأسواق المخصصة لذلك، وكيفية التعامل مع هذا التوجه اللا أنساني الممارس في العراق اليوم، لذا اقترح تشريع قانون التبني وأجازته من قبل الحكومة بعد ان وصل عدد ايتام العراق
الى أكثر من أربعة ملايين طفل وطفله، وعد د الأرامل الى أكثر من مليون أرمل نتيجة الارهاب والقتل والعنف والتفجيرات اللااخلاقية التي تنفذها عصابات التخريب، وتحتل المرأة نصيبا
من هذا العنف في عموم العراق بما فيه أقليم الشمال لأنغلاقية الفكر العراقي نحومفهوم العادة والتقليد المتخلف، فهل من منقذ لهؤلاء الآن؟
وردت في التنزيل الحكيم مصطلحات الأب والأم والوالد والوالدة، لذا كان لزاما على الفقهاء والمفسرين شرح التفريق بين الاسمين ليتمكن القارىء المدقق من معرفة أختلاف النص بما جاء في
القرآن الكريم ولماذا؟
في مثل هذه الحالة عندما يعجز القارىء او الباحث عن معرفة السبب في التفسير الفقهي لابد له من ان يعود الى المعاجم العربية لمعرفة اصل الكلمة والفرق بينهما لغة وأصطلاحاً.
الأب جاء من فعل أب والأم من فعل أم لا علاقه لهما ابدا بفعل ولد. ونفهم ان الوالد والوالدة هما المعنيان بفعل الولادة، وان الأبوين شيء والوالدين شيء أخر.
وفي متابعة آيات الذكر الحكيم بدقة نقلها نص المصطلح يتبين لنا ان الولد هو المشترك بين الأم والأب نتيجة التزاوج بينهما، وبدون هذا التزاوج لا يتولد شيء، وهذا ما نقرأه في النص
القرآني :
(قالت ربِ ِآنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر، آل عمران 47).
هنا الدهشة لازمت مريم بعد هذا التبشير الرباني لها يرافقه الاستغراب من الولادة دون ان يمسها بشر. ان عملية تولد الجنين لابد ان يكون من رجل وأمرأة وتأتي بعدها مرحلة الحمل كما في
قوله تعالى: (فحملته فأنتبذت به مكانا قصيا، مريم 22). وتأتي بعدها عملية الوضع كما في قوله تعالى: (فلما وضعتها قالت ربِ أني وضعتها أنثى، آل عمران 36).
لكن الاشكالية العلمية التي يجب ان يكون تفسيرها مقنعا لدى المشككين بها هي ان مريم ولدت دون ان يمسسها بشر فكيف حدث الحمل والولادة معا؟ القرآن الكريم لم يسكت عن التفسير حين يقول:
(...فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا، مريم 17). وحين اندهشت مريم من القادم اليها ليهب لها بشرا سويا، قال القرآن: (قال انما انا رسول ربكِ لأهب لك غُلاماً زكيا، مريم 19).
فالقدرة الآلهية هي التي انجبت عيسى بن مريم، وظل القرآن يسمي عيسى بأمه دون الأب، كما في قوله تعالى: (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون، مريم34).
فالمولود هو المشترك من بين الأثنين، لذا فالواجب على المولود تقديم العون للوالدين كما في قوله تعالى: (ووصينا الأنسان بوالدية حُُسناً، العنكبوت 8). وهنا الواجب الابوي جاء من معنى
القصد في العناية والتربية، والأم جاءت بمعنى التغذية والحنان من قبل الولادة وبعدها.
تبقى اشكالية اخرى حول معتقد المولود، فهو يولد لا كافرا ولا ممسلما او مؤمناً بل يولد صفحة بيضاء نقية ليس لها علاقة بالأيمان من عدمه كما في قوله
تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً، النحل 78). أي ان هناك أولادا بالولادة وأولادا بالتربية، ونفهم من الآية الكريمة ان زوجات الرسول أمهات المؤمنين وليس والدات
المؤمنين لذا ادخلن في محارم النكاح على الأخرين كما في قوله تعالى: (وحرمت عليكم أمهاتكم، النساء 23). واليوم بعض الملوك والامراء يتزوجون الكُثر من النساء لغرض المتعة الجنسية لكنهم
يضعون شرطا عليهن بعدم الزواج بعد وفاة الزوج مقابل المال، وهذا أمر لم يرد فيه أي نص شرعي يبرره.
وحين نعود لقضية التبني في الاسلام. فمصطلح التبني يطلقه التنزيل الحكيم على أتخاذ الولد ولدا بالتبني، يقول القرآن الكريم: (وقال الذي أشتراه من مصر لأمرأته اكرمي مثواه عسى أن
ينفعنا أو نتخذه ولداً، يوسف 21). ويقول تعالى: ( وقالت أمرأة فرعون قرة عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون، القصص 9).
من المعلوم ان المصري وأمرأته لم يكونا والدي يوسف، وانهما أرادا ابوة التربية والتنشئة باتخاذه ولداً، تماما مثل فرعون وأمرأته، لم يكونا والدي موسى، وأرادا أن يصبحا ابويه بأتخاذه
ولداً.
وهنا نتابع كيفية ورود كلمة الأب بمعنى الوالد، وكيفية وروده بمعنى الراعي المربي له.ففي الحالة الأولى نقرأ الآية القرآنية التي تقول: (أذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ اني رأيت أحد عشر
كوكباً يوسف 4).
ومع ان يعقوب والد يوسف وأبوه، فقد أستعمل مصطلح الأب للدلالة على ان يوسف دخل دائرة الوعي في الدنيا وهو في كنف والده يعقوب وتحت رعايته. وتدور القصة حول محبة يعقوب ليوسف والحسد
الذي رافقه اخوته عليه يقول الحق: (اذ قالوا ليوسف واخوه احب الى أبينا منا، يوسف 8).
ومن يتابع سورة يوسف كلها يجد ان الآيات القرآنية تتحدث عن يعقوب الأب وعن الأبوين، دون ذكر الوالد او الوالدين كما في الآيات من 19-100.
وقصة ابراهيم مع أبيه آزر وكيف يدور الحديث عن ولادة اسماعيل بعد ان أصبح شيخاً وبراءة ابراهيم من أبيه حينما تبين له انه عدو الله وانه في ضلال مبين: (اذ قال لابيه وقومه ما هذه
التماثيل التي انتم لها عاكفون، قالوا وجدنا أباءنا لها عابدين، قال لقد كنتم انتم وأباؤكم في ضلال مبين، الانبياء 51-54). ومن خلال المحاورة بين ابراهيم وأزر يتبين لنا ان أزر ليس
والد ابراهيم بل هو ابوه بالتربية والرعاية.
وحين نقرأ ما فهمه السيوطي في الدر المنثور بين الاب والولد نرى تفسيرا ضبابيا لم يوفق فيه السيوطي ابدا لعدم ادراكه ان كلمة سليم التي جاءت في سورة الصافات: (وان من شيعته لأبراهيم
اذ جاء ربه بقلب سليم............فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم الاية 83-89 )، كانت من الاضداد، مما ترك الباب مفتوحا للمستشرقين من الطعن في التنزيل
الحكيم، فتفسير السيوطي كان تفسيرا ترادفيا وهذا ما وقع به الفقهاء حين لم يدركوا ان نظرية الترادف لا وجود لها في التنزيل الحكيم، فتناقلت الكتب والألسن الخطأ حتى اصبح حقيقة بمرور
الزمن. وهنا وقعنا في الخطأ الكبير ولا زلنا.
لقد ظهر هذا التناقض الكبير حين لم يميز المفسرون بين الاب والوالد بدليل ان ابراهيم تبرأ من ابيه آزر واستغفر لوالديه لأن آزر لم يكن والد ابراهيم. والقصد واضح بين الأثنين، فهل
سيتنبه الفقهاء ليعيدوا النظر في خطأ التفسير؟
ويطول الحديث هنا لكننا نرى ان التبني له شروطه الشرعية وهي:
-
ان يتم التبني قبل سن الفصال، اي قبل ان يدخل الولد دائرة الوعي الفكري لتحقيق الحرمة الشرعية، ويكتمل مفهوم رضا
الوالدين. وهذه الحالة تنطبق على اللقطاء وايتام الحروب والكوارث الذين يتركون في الساحات والحدائق وملاجىء الايتام دون رعاية ودون معيل خوفا من العاروالعوز وليس لهم حرمة ولا ارث.
-
وتنطبق الحالة على من يتوفى والداه الأثنين معا وهو دون سن الوعي تستطيع اي عائلة ان تتبناه، طالما لم يزل دون
مرحلة الوعي الفكري ولم يعرف ابواه بعد.
من هذا المنطلق فأن التبني ليس محرما البته بل له شروطه التي تحفظ انسانية الانسان،
وهو احسن الف مرة من ان يترك الاطفال عرضة للموت والبيع والتشرد، ما دامت الدولة ليس لها قدرة استيعاب هذه الاعداد المتزايدة من الايتام.
لقد صرحت احدى مديرات الرعاية في التلفزيون حينما سألها الصحفي عن مدى قدرة دور الرعاية الاجتماعية العراقية من استيعاب هذه الاعداد الكُثر والمتزايدة يوما بعد يوم نتيجة الوضع الامني
المتردي، فقالت ليس لدينا القدرة من الاستيعاب وان الكثير منهم ينامون على الارض وبلا افرشة او اغطية او رعاية صحية لهم، في بلد يمتلك القدرات المادية الهائلة اليوم.
لكن على الجملة هذه الحالة مرت على المانيا واليابان بعد الحرب الكونية الثانية وكثرت الايتام بشكل مخيف فأنبرت الجمعيات الخيرية لتلاقفهم والعناية بهم، واليوم نحن نطالب الجمعيات
الخيرية العراقية بالتوجه الانساني لانقاذ هذه الاعداد المتزايدة والتي اصبحت ضمن دائرة الخطر الانساني حين تتلقفهم الايدي الخبيثة لاستخدامهم ضد المفاهيم الانسانية المعروفة، فهل من
يستجيب؟
والله يهدي الى كل رشاد،