Back Home Next

الاسلام والحداثة
آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

 لربما يدور في خاطرك ايها القارىء الكريم كيف دون دستور الدولة الاسلامية، اوما سمي بالوثيقة النبوية؟  وهل كان للدولة دستور مكتوب معمول به فعلا؟ وهل كان التنظيم الجديد على اساس الدولة او الأمة؟ واذا كان كذلك فهل خول الدستور الخليفة الاول قتال المعترضين على خلافته؟ وهل خول الخليفة الثاني بالتوجه نحو الفتوح للبلدان الاخرى بالأكراه؟ وهل خول الخليفة الثالث التمسك بالخلافة رغم معارضة الجمهور له. وهل خول الخليفة الرابع بمقاتلة الخوارج دون سند؟ .

هل حدد الدستور لانتخاب الخليفة شروط؟ وهل لسلطته من حدود؟ وهل فكر الخلفاء بحقوق وواجبات الناس دون تمييز؟؟ وماهي المواد التي تتضمنت هذا الدستور؟ لا شك سيأتيك الجواب من الاسلاميين مباشرة دون قراءة او تفكير، نعم ان دستور الدولة هو القرآن، وبتطبيق الشريعة الاسلامية يتم الحكم بين الناس والدولة. وما دروا ان القرآن الكريم لا يحتوي على أي تشريع، والشريعة الاسلامية لا تحتوي على اي احكام، بأستثناء حالة الفاحشة العلنية، واثباتها بأربعة شهود بالعين المجردة وهي استحالة في الاثبات، لأن ممارسة الجنس لا تتم بالمشاهدة العلنية سايكولوجياً.

كل سؤال من هذه الاسئلة الصعبة يحتاج الى مقال فأين اصحاب الردود ليجيبوا عليها، أم سنبقى ندور في الروزخونيات والماورائيات وعذابات القبر التي سمعناها منهم من خمسين سنة ولا جديد؟
والقرآن الكريم وكل الكتب السماوية المنزلة من قبله هي كتب هداية واستقامة، لا علاقة  لها بالسياسة، والقرآن لم تذكر فيه كلمة السياسة ابدا، أنما الأيات القرآنية التي ذكرت فيها الحدود فقد جاءت على سبيل العضة والاعتبار وليس على اساس النص المطبق وانما التطبيق للحدود والحقوق اجتهاد مرضى عليه من العامة وبرأيهم يختارون وهذه هي الشورى .


ان الدستور المقترح للدولة الاسلامية وثيقة المدينة كان المراد تكوينها هي كيفية تطبيق عقيدة التوحيد، التي تتضمن وضع منهج جديد في اصول الاحكام والتشريع القائم على البينات المادية لا الغيبية، وأجماع أكثرية الناس عليها، وان حرية التعبير عن الرأي وحرية الاختيار، هما أساس الحياة الانسانية، فلا جبر ولا اجبار مطلقاً في الأسلام (لكم دينكم ولي دين). وكل ما يقال عن حالات الالزام، لا علاقة لها بالاسلام مطلقاً.

وليعلم من يريد معرفة القانون الاسلامي في التطبيق عليه ان يفهم، ان هذ الكون الذي نعيش فيه  ما هو الا وجود مادي حقيقي مبني على ثنائية التناقضات بالازواج والاضداد وعلى التطور (الصيرورة) لكل ما في الكون،مما يؤدي باستمرار الى التغييرفي بنية الدولة والمجتمع، والقانون هو الاساس في حماية العدالة الاجتماعية بين الناس وليس الزاما بما لا يُقر، وان طريق العدل والمبادىء هو وحده يضمن للمجتمع استعادة التوازن والثقة.  لذا فعملية التطوير قائمة تخدم المجتمع الى ان ينتهي الكون وحلول كون اخر بديلا عنه كما جاء في آيات الصور. اما الرضا من عدمه فهو مناط التكليف برب العالمين وليس برجال الدين.

الزمن متغير، والتغير يفرض تغير القانون، فاذا كانت الشريعة ثابتة لا تتغير كما يدعون فكيف يحدث التغيير؟ اما الاحكام التي بها يدعون فهي احكام العبادات والمعاملات والاخلاق, واعطي له تصديق الذي بين يديه، فما هو هذا التصديق؟

هذا السؤال هو من اخطر الاسئلة التي طرحها القرآن ولم تتم الآجابة عليها الى اليوم، لا يمكن بدون فهمها معرفة نبوة محمد (ص) ولا يمكن فهم الاعجاز القرآني مطلقاً ولا فهم الاحاديث النبوية ان وجدت و ان صحت.فالرسول منع من ان تُنقل عنه الاحاديث حتى لا يختلط كلامه بكلام الله. أما الاسوة الحسنة، فهي الالتزام بما كان يًعمل به في العدل والاستقامة وليس قانونا في التطبيق .
ان الله مطلق ومعلوماته مطلقة وعنده توجد الحقيقة الموضوعية التي ارادها ان تنقل للناس عبر النبواة لمحدودية الفهم الانساني بالنسبة للمطلق، لذا لابد من اعادة صياغة المعلومة الآلهية صياغة يستطيع الأنسان أدراكها وفهما، لذا فعند نمو المعرفة عنده تتكامل الشخصية الانسانية لتؤدي دورها النافع الذي امرها الله به، وهذا التوجه لا يتم الا بمعرفة وجود شروط محددة هي ثبات النص وحركة المحتوى،لان رسالات السماء انتهت برسلة محمد ولا نبياً من بعده، فالدليل في حل الأشكاليات المستقبلية هو العقل، والعقل هو الحجة كما قالها الامام علي (ع)، والامام يدرك ما يقول.

مع الاسف ان الاوربيين اهتدوا الى هذه الطريقة في الفهم التوراتي الذي كان يحمل الفهم المرحلي للتوراة لانها نزلت بصيغة كانت مطابقة لمعارف الناس وقت نزول التوراة، فخرجوا من شرنقة النص، لذا فالعلماء استلهموا النص وطرحوا التغيير في المحتوى فظهرت الحركة العلمية الكبرى التي قضت على التفسير التوراتي المرحلي في خلق الكون والانسان وعمر الكون والانسان، بينما لم يتنبه المسلمون الى هذه الناحية الخطيرة فأعتمدوا على التوراة في تفسير القرآن وهنا كانت الطامة الكبرى لنا حين اعتمدنا على التفسير التوراتي في التفسير ولم ندرك ان الكتب السماوية والشريعة والتشريع هما هدى للناس وليست بقوانين، فالقانون مستنبط من التطور وليس من النص وبهدايته، لذا قال القرآن الكريم :( وأنزل التوراة والأنجيل من قبل هدى للناس،آل عمران 3-4).

وبهذ التوجه فرض الرأي على الناس في التفسير الخاطىء فحولوا النص القرآني الى كتاب في اللاهوت، يقرأ ويجود ولا احد يعرف ما فيه اما الذي يعرف فيه هو هز الرؤوس ولاغير. فالقرآن يختلف عن الكتب السماوية الاخرى فهو بحاجة الى التاويل العلمي باستمرار وليس الى التفسير اللغوي الذي لم يزدنا الا جهلا به. ان هذا التأويل لايمكن ان يعلمه الا الراسخون في العلم مجتمعين فيؤولونه حسب ارضيتهم المعرفية في كل زمان وكل واحد حسب اختصاصة الضيق ليتماشى من التطور الزمني.

من هنا ندرك لماذا أمتنع النبي (ص) عن تأويل القرآن لأنه أمانة اعطيت له وفيها مفاتيح الفهم العام، لذا فالتأويل يكون للزمن المستمر مع حقيقة التطور، لذا قال (ص) عند دخوله مكة فاتحاً : لا تنقلوا عني غير القرآن مخافة التزوير وهذا ما حصل فعلا في أرائه وأقواله، وكيف لنا اليوم الف حديث وحديث مزور، حتى استطاعوا ان يقلبوا الدين الى عادات وتقاليد دون ادراك المحتوى الاساس له. فالمسلمون - بعضهم- يصوم ويصلي ويحج لكنه يمارس الخيانة والسرقة والغش والتزوير وينكث القسم فخربوا المجتمع وخربوا الانسان نفسه فلا مجال للاصلاح ابدا، وهذا ما نراه اليوم كل يستسيغ السرقة والغش وخيانة الوطن ويصوم ويصلي ويحج للمغفرة وكأن القرآن جاء لتبرير الخطأ.

ولو اتبعت طريقة التأويل المستمر لما تجمدت حركة العلم والمعرفة عندنا، لان العلم والمعرفة تتطور مع الزمن، لذا فالتفسير الحالي للقرآن لا يلبي الحاجة مطلقا، وبذلك قد قُصم ظهر الاسلام من دوره في التطوير. ان هذا التوجه الخاطىء في التفسير حصل عند العرب المسلمين لعدة اسباب منها:
عدم القدرة في بداية النزول على التأويل فلجأوا الى التفسير. واضافوا عليه ترادف اللغة فأماتوا العلم والتطوير معا. ان نكبة الاسلام في القرنين الاول والثاني الهجريين عندما طوع النص للمنغلقين من وعاظ السلاطين وضرب فكر المعتزلة وسموه بالهرطقة، وهم الهرطقة ولكنهم لا يعلمون.

ولان النبي لا يعلم المطلق لان المطلقية لله وحده لذا كان امتناعه عن التأويل ليجعل القرآن يتماشى مع التطور الزمني في لتأويل، وحتى لا يفقد القرآن أعجازه المطلق.

لقد ادى الرسول الكريم (ص) الامانة للناس كاملة غير منقوصة وشهدت العرب عليه انه أداها (نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت) أنظر جامع الاصولج 3ص465.

نعم قد اداها وقال (ص) :أوتيت هذا الكتاب (القرآن) ومثله معه اي قَدم القرآن ومجموعة الحقائق العلمية التي وردت فيه والتي تساوي قيمته المعنوية، لذا جاء القرآن معطوفا عليها في قوله (ولقد آتيناك سبعا من. المثاني والقرآن العظيم الحجر 87 ). هي التي اطلق القرآن الكريم عليها احسن الحديث وهي الفواتح السبع للسور القرآنية، وهي الحروف في اول سور: البقرة والاعراف ومريم ويسين وطه والشعراء وغافر، فهل ادرك العرب ما قاله الرسول والقرآن الكريم؟ وهل وضع المفسرون في الحسبان السبع المثاني، أشك في ذلك لا بل زادوا على الخطأ حين قالوا في القرآن آيات لا تفسر والحروف جاءت لافتتاحية  السور بينما هي حروف كل منها جزء من آية وليس آية منفصلة تامة في ذاتها، لذا بقينا نحن في اخر الطريق والى اليوم.

ما الحل للخروج من هذه الاشكاليات، الحل هو تكوين لجنة من العلماء (علماء الاختصاص) وليس من الفقهاء لوضع تأويل علمي للقرآن الكريم يتماشى من الصيرورة القرآنية، اي يتماشى مع حركة التطور لنستطيع ان نخرج من اشكالية التفسير الفقهي اللغوي الترادفي القاصر الذي نقل الاسلام الى العادات والتقاليد والجمود الفكري السائد وترك التفسير اللغوي الاجتهادي. ساعتها سنرى الاسلام العظيم غير هذا الاسلام المتبع اليوم والذي ادخلنا في سجن حديدي يصعب الفكاك عنه. فهل من عقلاء يستجيبون؟  واين ممن كانوا يدعون بالامس واصبحوا الان في المياه الآسنة يسبحون؟ 


 Back Home Next