Back Home Next

الوصية والأرث...من يحسن التطبيق؟
آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

تواجه مسألة الوصية والأرث في عالم الاسلام أشكاليات عديدة : منها كيفية تفسير النص القرآني فقهيا وترادفياً وفهم الفقهاء له،  كما جاءت في كتب الوصايا والمواريث وكيفة أخضاعه للتقاليد والأعراف خارج النص القرآني.  هذه الاشكايات بحاجة الى دراسة حيادية معمقة لرفع الظلم عن كثير من الناس الذين أكتووا بنارها مظلومين .

الوصية:
شكل من أشكال توزيع المال،  وهي مفضلة على الأرث لقدرتها على تحقيق العدالة الخاصة المتعلقة بالأشخاص بعينهم، لذا فالتماثل معدوم في الوصية.  أما الأرث فهو حصة الشخص الموروث،  يحدده موقفه من الموروث سواءً من الأب او الزوج،  فالتماثل  فيه موجود.

تعتبر مسألة الوصية والمواريث،  كما وردت في الكتاب الحكيم من جهة،  وكما طبقت عبر القرون الماضية بحسب فهم الفقهاء لها من جهة ثانية،  وكما هي في كتب الفرائض والمواريث المعمول بها من جهة ثالثة،  وبما تعلق بها من أعراف في هذا البلد أو ذاك خارج الآيات القرآنية والكتب من جهة رابعة مثال لما نقصده من أشكاليات.

سنحاول في هذه المقالة قدر أستطاعتنا معرفة الاشكاليات التي نتجت عن تطبيق آيات الوصية والمواريث، ونحدد الأشكاليات التي نواجهها نحن مع تفسير الآيات بقصد فهمها وتطبيقها بعيداً عن منطلقات سادت، معرفية كانت كالاقتصار على العمليات الحسابية ام اجتماعية كانت كذكورية المجتمع والروح العشائرية والقبلية المتخلفة التي حكمت توزيع الثروة الأرثية في القرون الماضية.

لم يترك الفقهاء ووعاظ السلاطين من المتحكمين في الشرعية الدينية وتدعمهم السلطة السياسية عبر الزمن في عالم الأسلام من تفسير لآيات القرآن الكريم ودستور المدينة المغيب لصالح التنظير السياسي في الدولة الاسلامية من شيء مفيد، حتى أضاعوا علينا كل ما جاء في القرآن الكريم من حقوق الحرية والمساواة الاجتماعية بين الذكر والأنثى. لتبرير نقل الشرعية السياسية في حكم الناس من الشورى الحقيقة لمستحقيها الى شورى الدولة المتسلطة على الناس بقانون القوة لا بقوة القانون.  كما حدث عند البحث عن شرعية الخلافة للأمويين تارة وللزبيريين تارة  ثانية وللعباسيين تارة ثالثة وللطالبيين رابعة،  وكأن نص خلافة الدولة جاء للمتخاصمين.

لو نظرنا في التنزيل الحكيم سنجد للوصية عشر آيات وللأرث ثلاثاً، بينما ان الآيات القرآنية الكريمة تعطي في أربعة مواضع الأولوية للوصية في توزيع التركة فتقول أحداها:  (من بعد وصية توصون بها،  النساء12).

لقد جاءت الوصية في آية صريحة في سورة البقرة لقوله تعالى:  (كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرأً الوصية للوالدين والأقربين حقاً على المتقين،  البقرة 180).

ومع تقديم الوصية على الأرث نجد ان الفقه الاسلامي المطبق اليوم يعطي الأولوية للأرث وليس للوصية وأحكامها،  لأصرار الفقهاء على تطبيق ما جاء بحديث منقطع عن أهل المغازي يقول:  (لا وصية لوارث) .  وما حصل هذا الا لأن الفقهاء أصبحوا وعاظ سلاطين للحكام ،فاماتوا الحق والدين.

كما ان هناك خلطاً بين الحظ والنصيب فيما ترك الوالدان والاقربون كما في قوله تعالى:  ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر نصيبا مفروضاً،  النساء آية 7) وهذه الآية الكريمة جاءت في الوصية لا في الارث كما هم يعتقدون،  لأن النصيب هو حصة الانسان في الوصية،  أما الحظ فهو ما يصيب من مجموع الأرث للجميع.  كما في آية النساء لقوله تعالى: (بعد وصية يوصي بها،  النساء 12). والآية الكريمة حددت ان الوصية مقدمة على الارث.

ومع كل هذا التحديد والوضوح في الايات القرآنية الحدية في تفضيل الوصية على الارث فأن الفقه الاسلامي المطبق اليوم يعطي للارث صفة التفضيل. ويصر على نسخ لآيات الوصية وبخاصة قوله تعالى:  (الوصية للوالدين والاقربين).علما ان الناسخ والمنسوخ فهم على غير حقيقته وأهدافه الذي جاء من أجلها،  فهو لا وجود له في القرآن بموجب تفسير الفقهاء فهم لا يميزون بين العدالة في آيات الارث والعدالة الخاصة في آيات الوصية، من حيث ان العام لا يغطي الخاص. والنسخ لا يأتي في الآيات القصار وأنما ياتي في الرسالات،  فرسالة عيسى (ع) نسخت رسالة موسى (ع)،  ورسالة محمد (ص) نسخت كل الرسالات التي سبقتها.  والا لتعددت الرسالات واصبح من المتعذر حصرها بالاسلام كما في قوله تعالى:  (ومن لم يبتغِ الاسلامَ دينا فلن يقبل منه،  آل عمران85).

وهناك قضية اخرى مهمة وهي ان  الفقهاء أعطوا حصصاً من الارث لاشخاص غير واردين البتة في آيات الارث كالاعمام وغيرهم،  وهذا من اثار المنطلقات الاجتماعية والسياسية التي اشرنا اليها والتي يصر الفقه الموروث على تجاهلها،  وعدم رؤيتها أصلاً.  هنا ظلم فاحش للمواريث الذين يحرمون من الارث بانتقاله  للاعمام والاخوة والاخوات دون بنات المتوفي في حالة عدم وجود الذكور معهن.  لكن الآيديولوجية الجعفرية لا تجيز هذا الحكم الشرعي الذي به يدعون،  وانما التركة تعود بالكامل للورثة أناثاً كانوا ام ذكورا.مما دعى الكثيرون من المذهب الحنفي الانتقال الى  الجعفرية لضمان انتقال ثرواتهم بعد الوفاة الى بناتهم وليس لغيرهم كما في جمهورية مصر العربية اليوم.  وهذا هو الصحيح اذ ليس من المعقول نقل تركة المتوفى للأخرين من الأقربين وترك الأصل.

وفي الختام نقول:

ان الوصية هي الاساس الاول لانتقال الملكية،  وهي المقدمة في النص القرآني لانها تأخذ في الأعتبار الشروط والظروف الموضوعية الخاصة بالموصي، وتحقق العدالة التامة على مستوى الافراد،  لان الله تعالى احترم ارادة الموصي في توزيع تركته من بعده. كما ان بامكان الموصي ان ينفذ وصيته وهوعلى قيد الحياة،  وهذ هو الذي جعل البعض يهرب من قاعدة لا وصية لوارث فهل من مخلص لدراسة الحالة الشرعية ومنح الاستقرار للنفس الانسانية في هذا الجانب المادي من الحياة.  فالتماثل في الوصية غير موجود.

اما الارث فالتماثل فيه موجود،  والناس في الأرث متماثلون، وحصة الوارث في قانون الأرث العام يحددها موقعه من الموروث (الاب او الام او الولد اوالبنت).  وبما ان المجتمع الانساني يقوم على التنوع في الشروط المعاشية والاسرية والاجتماعية والالتزامات،فقد تم تفضيل الوصية على الأرث في التنزيل الحكيم (الآية 180 البقرة). .

 انه قانون عام أوصى به الله تعالى لكل أهل الارض،  لذا فهو قانون احتياطي يعمل به في حال عدم وجود الوصية.  ان القوانين الاوربية والامريكية المتقدمة تاخذ بنص الوصية ولا أثر لقانون الارث عندهم وهذا هو الصحيح.نحن بحاجة ماسة الى تشريع قانون يعتمد على النص القرآني محكم ينصف الورثة في استحقاقاتهم من الموروث دون مشاركة الاخرين معهم وفي كل المذاهب الاجتهادية دون تفريق.

مسألة شائكة بحاجة الى حل،  لقد حاول الزعيم عبد الكريم قاسم صاحب الفكر المنفتح ان يضع حدا لها حين الغى قانون الاحوال الشخصية واستبدله بأخرساوى بين الذكر والانثى في الارث وهو الصحيح،  لكن من جاؤا من بعده الغوا القانون بدافع العادات والتقاليد العشائرية البالية. وبعد التغيير في 2003 الذي كنا نأمل منه كل تغيير لصالح الأنسان في العراق أصبح اكثر تزمتا في حقوق المرأة والوصايا من الاخرين، بعد ان فقدت المرأة الكثير من حقوقها المادية والمعنوية، فهل من منقذ لما نحن فيه اليوم.
والله الموفق الى كل رشاد،

 Back Home Next