Back Home Next

 بين غموض النص الدستوري ودور المؤسسات
في بناء الدولة
آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

 يقصد بالدستور : هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الاساسية لشكل الدولة .

ويقصد بالقانون : هو قاعدة العمل الملزمة سواءً صدرت من الشعب أو فرضها الغالب المُحتل.

ويقصد بالمؤسسة : هي الأدارة العمومية، والمؤسسة العمومية، والأدارة المركزية، والمصالح غير الممركزة التابعة لها، والمؤسسة الحكومية ذات الطابع السياسي والاداري والعلمي والثقافي والتشريعي، وكل مؤسسة يمكن ان يخضع مستخدميها لاحكام الدستور العراقي الجديد والقوانين النافذة في الدولة.

لذا بين عمل الدستور والقانون والمؤسسة علاقة عضوية متشابكة عند التنفيذ لا يجوز أختراقها، فالخلل في احداها يؤثر في الأخرى والعكس صحيح.

يحتوي الدستور على أكثر من 140 مادة صيغت بشكل متسرع ومن غير المتخصصين في الفقه الدستوري وكتابة الدساتير، لذا جاءت غالبية المواد المدونة فيه خالية من الوضوح والشفافية ومملوءة بالهفوات والعثرات، مما سبب للدولة جملة اشكاليات في التطبيق كان المفروض ان لا تقع في دولة حديثة التغيير. والدساتير لا تكتب بتسرع خوفا من الأنزلاق القانوني في مستقبل الحقوق والواجبات والثوابت الوطنية التي يجب ان لا تمس. لقد أستغرقت كتابة الدستور الأمريكي أكثر من عشرين سنة واعيدت قراءة مواده اكثر من خمسين مرة من قبل أكفأ الفقهاء الدستوريين (من أمثال المستشارالقانوني جفرسن) حتى ثبت واقر من قبل الكونكرس والامة الأمريكية باستفتاء عام، بينما كتب الدستور العراقي في بحر ستة أشهر ولم تتم مراجعته بشكل صحيح ومضبوط، ووافق عليه الشعب استغفالا. لذا كان الدستور الامريكي هوالقاعدة الأساس في بناء هذه الدولة العملاقة اليوم. ودستورنا هو السبب الاساس في كل هذه الاشكاليات التي تعاني منها الدولة.

نصت المادة الاولى من الدستور على : ان جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي أتحادي .

لكن النص جاء مبهماً،هل ان الدولة العراقية الأتحادية دولة فدرالية أم كونفدرالية، وما هو نوع المؤسسات الذي يطبق فيها اليوم؟. الأصطلاحان يعبران عن معنىً مختلف في القصد، فأذا طبقت الفدرالية فليس من حق أقليم الشمال ان يطبق الدستور بأزدواجية المعايير، واذا طبقت الكونفدرالية فعلى الحكومة ان تشمل بها كل الأقاليم. لكن المادة 113 من الدستور تقر ان اقليم الشمال وسلطاته القائمة أقليما أتحاديا دون تحديد. وهذا نقص في التشريع، والنقص لا يعالج الا بأعادة مراجعة الدستور. واصدار قانون جديد للانتخابات لتمثيل الشعب من قبل ممثليه الحقيقيين لا من قبل المعينيين بالتدليس.

وتنص المادة (التاسعة) من الدستور العراقي الفقرة (ب ) على ان : (يُحظر تكوين مليشيات عسكرية خارج أطار القوات المسلحة الا بقانون) ولم يستثني الدستور ميليشيات البشمركة ولا اي مليشيات اخرى، لكن الدستور منح اقليم الشمال حق تكوين حرس الحدود ضمن القوات المسلحة الوطنية وليست مليشيات مستقلة كما هي اليوم، ومع هذا فهي متواجدة بكل اسلحتها العسكرية وقوانينها المستقلة عن الجيش العراقي الاتحادي في الاقليم رغم ان رئيس اركان الجيش الاتحادي كردي، وتطالب الدول الصديقة بتجهيزها بالطائرات والمعدات العسكرية الحديثة خلافا للقانون، - انظر محاضر الزيارة الاخيرة لرئيس الاقليم للولايات المتحدة الامريكية – وتطالب هذه المؤسسة العسكرية المستقلة والمتكاملة بالرواتب والامتيازات من ميزانية الدفاع الاتحادي، ومع هذا النص الدستوري الواضح فأن الحكومة المركزية قبلت أجراء مفاوضات حول رواتب البشمركة دون الأعلان عنها كجزء معترف به من القوات المسلحة العراقية، هذا النص بحاجة الى توضيح كي لا يحصل التداخل في التفسير، فالدولة هي ملك الشعب وليست ملكاً للمسئولين.

ونصت (المادة 137) من الدستور: (على استمرار العمل في اقليم كردستان بالقوانين التي تم تشريعها منذ عام 1992، وتبقى نافذة المفعول). لكن هذه المادة أنتهت بمجرد تكوين الجمهورية الجديدة في 2003 وكتابة الدستور الجديد الذي أنهى كل متعلقات القانون القديم (انظر المادة 138 من الدستور) .هذا التقصير في توضيح شفافية النص هو الذي اوجد كل هذه الاشكاليات اليوم بين المركز والأقليم والتي نرجو لها ان لا تستمر، فالتجربة السياسية في أقليم كردستان تجربة رائعة بحاجة للاستفادة منها في عراق التغيير.

ونصت المادة (21) من الدستور على : ان (لا يمنح حق اللجوء السياسي الى المتهم بأرتكاب جرائم دولية أو ارهابية أو كل من ألحقَ الضرر بالعراق) .هذه المادة الدستورية لم تطبق بقانونيتها من قبل مؤسسة الرئاسة ومؤسسة ادارة اقليم الشمال لقبولهم المتهمين بجرائم ألحقت الضرر بالعراق كما يدعي القضاء المركزي في بغداد، فليس من حق احد التستر عليهم – بغض النظر عن صدق الحقيقة من عدمها - .فلماذا تعاملت مؤسسة الرئاسة ورئيس اقليم الشمال مع النص بأزدواجية المعايير في القانون، فالقضاء يجب ان يكون مستقلا في التطبيق. فالأشكاليات الداخلية والشخصية بين المركز والاقليم، يجب ان تُنحى جانبا في التعامل مع الدستور. لا سيما وان أقليم الشمال يؤكد دوما على احترام وتطبيق الدستور. فعلى من تقع المسئولية في التقصير ؟

ونصت المادة (09 ) من الدستور على مايلي: (تقوم الحكومة الاتحادية بأدارة النفط والغاز مع حكومات الأقاليم باعتباره ملكا لكل الشعب العراقي ولا يحق لأي أقليم التصرف بالموارد النفطية والغازية دون الرجوع للمركز، وتوزيع الثروة لا يتم الا بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع محافظات العراق. هذا التداخل وقع على عاتق التطبيق المزدوج للقانون، فمحافظات الوسط والجنوب ظلت بعيدة عنه، لكن أقليم الشمال انفرد بالقانون وبدأ يعقد الاتفاقيات النفطية مع الدول الخارجية خلافا للدستور، وقام بتصدير النفط فعلا خلافا للقانون، علما بأن الاقليم يتقاضى 17% من واردات العراق من اول يوم التغيير ويستلمها عداً ونقداً مع واردات منافذ الحدود، بينما البصرة المُنتج الرئيسي للنفط فقيرة بشعبها، ومدمرة وخربة في بنيتها التحتية وهي بحاجة للمال العام. ان حجتهم في ذلك هوعدم اجراء أحصاء سكاني خلال العشر سنوات الماضية- وهذا صحيح - فالتقصير تتحملة وزارة التخطيط والمؤسسة التنفيذية المسئولة دون تفريق. فهل حدث هذا تغطية لتوافقات مصلحية غير مكشوفة بين الطرفين أم انه نقص في المعالجة والتنفيذ. في الدول المتقدمة تجرى الاحصائيات السكانية كل خمس سنوات لمراقبة التطور وحقوق المواطنين.

ونصت المادة (5 ) من الدستور على حق الفرد العراقي في الحياة والامن والحرية ولا يجوز حرمانه من هذه الحقوق أوتقييدها الا وفقا للقانون، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة. واليوم نرى الألاف من المحتجزين حجزا أحتياطيا خلافاً للقانون. ان الألحاح في تشريع قانون العفو العام لهو خطأ كبير بحق الوطن والمواطنين، فالمفروض اخلاء سبيل المحتجزين فورا دون سبب قانوني معين مع التعويض لهم عن فترة الاحتجاز اذا ثبتت البرائة للمحتجز، ومحاكمة المقصرين حتى لا يتساوى المذنب مع البريء في تطبيق القانون، فالعدل اساس الملك بين المواطنين.

وكنا نأمل ان يصاغ الدستوربحيث يتماشى مع حالة التغييرمن قبل العلماء الدستوريين لأجتثاث كل هفوة او عثرة في تفسير المواد الدستورية لتبنى على الشفافية والصحيح، فالدستور هو روح الأمة، في تطبيق القوانين التي تحفظ حقوق المواطنين دون تمييز او تفريق بموجب عقيدة التشريع وليس في مبادئها فقط. هذا التوجه لم ينتج عنه اي تنظيم يحفظ حقوق المواطنين والدولة معاً بموجب مساوات القانون (كل مؤسسة تطبق القانون على هواها)، فظلت قوانين المؤسسات السياسية والجامعية والصحية والاجتماعية والثقافية والفنية في فوضى الأزدواجية في التطبيق مما مكن المستغلين والمزورين من التسرب للمؤسسات وافسادها عن عمد وهذا تقصير متعمد غير مقبول.

وكنا نأمل ان تتحول الرئاسات الثلاثة من مؤسسات فردية تتمحور حول شخص الرئيس كما كان متبعا في السابق (القائد الضرورة) الى منضومة مؤسسية منسحبة على كل مؤسسات الدولة دون تفريق.هذه المؤسسات يقع على عاتقها حماية الامن الداخلي والخارجي والمال العام للدولة وحقوق المواطنين لتبيان شخصيتها المستقلة عند المواطنين المادة (123) من الدستور، ترافقها القوانين الصارمة في حفظ حقوق الدولة والناس ومنع الرئاسات الثلاثة من استغلال النفوذ والتصرف بحقوق المواطنين. فقانون (الدولة أنا) قد ولى مع التغيير، فلا احد فوق القانون. لكن هذا النداء لم يلقَ تجاوبا من المسئولين، فظلت المؤسسات الرئاسية ولا زالت في فوضى التحكم الفردي والاجتهادات الشخصية دون قانون. والأ كيف منحت الرئاسات الثلاثة هذه المنافع المالية الباهضة التكاليف، والامتيازات الأخرى بقوانين لم تنشر على الجماهير خلافا للدستور والقانون .

لقد جرى انتخاب الرئاسات الثلاثة وفق توافقات مفاهيم الطائفية والمحاصصية بين الكتل التي لم يقرها الدستور، علماً أنه (لا توجد في الدستور وبكل مواده جميعها مادة او فقرة من فقراته تشير للمحاصصة والمكونات الطائفية). وهذا التطبيق السياسي جاء متناقضاً مع المادة 2 فقرة (أ) من الدستورالجديد والتي تنص على عدم سن قانون يتعارض مع مبادىء الديمقراطية، فالمحاصصة والطائفية والكتلية التي طبقت قد جاءت لخدمة المصالح الشخصية دون قانون وتجاوزا على الدستور ومتناقضة مع مبدأ الديمقراطية. فهل يجوز ان نسمي الرئاسات الثلاثة رئاسات منتخبة شرعا وقانونا وتستحق ممارسة سلطة القانون؟ وهل يحق للمسئولين تعيين النواب خارج رأي الجماهيربقوانين لا تنطبق عليها صفة انتخاب المقرر بالدستور أنظر المادة 47 من الدستور .

وللتغطية على هذا التجاوز القانوني الخطيرفي المؤسسات الثلاثة منذ البداية سخرت بعض المؤسسات لرفع شعار تطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم كما ترغب مؤسسات الحكم المحاصصية، وكأننا عدنا الى طالبان لا الى عهد التحررالديمقراطي الجديد، ولو كان لهم هذا الحق شرعا وقانوناً لستقوا القوانين من العقيدة الاسلامية وليس من الشريعة، لان مبادىء التشريع قد تخضع لتفسيرات شخصية شتى، في هذا البحر المتلاطم من المذهبية والطائفية والاختلاف في تفسير النص الديني، رغم ان النص الديني لم يعد يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي في التطبيق. حتى اصبحت الشريعة تسمح بشرب الاموال والدماء على رأي المتخصصين.

هناك تفسيرات للمحكمة الدستورية تقول : بأن مبادىء الشريعة الاسلامية تعني (قطعية الدلالة وقطعية الثبوت- أنظر الموسوعة القضائية). وهو امر عند اهل الاختصاص خطير للغاية، لانها تلغي الاحكام السابقة وقد تتدخل في الغاء النص الثبت وكل جديد .لذا يجب الغاء كل نص مائع، بل يجب ان يكون الوضوح والشفافية في النص والتأويل له يؤدي الى المعنى الثابت دون تغييرالا بما يتوافق والقانون وحركة التغيير، وهذا لم يحدث ابداً، بل راحوا يبتكرون لنا نصوصا في التقديس والمغالات في الشعائر الدينية فتجمد العقل العراقي، وبعثرت الاموال العامة دون توقير، بحجة احترام الشعائر الدينية التي جاوزت كل تصور، فتحققت الانغلاقية وحجز القانون، وبعد ان جعلوا التوافق اللا شرعي واللاقانوني قانونا في التطبيق .

وتبقى مسألة تعيين المستشارين والوكلاء في مؤسسات الدولة التي دخلت في فوضى التعيين دون معاييروكاننا لسنا في دولة بل في مشيخة، فعين من عين وأحيل للتقاعد من أحيل دون قانون، لأنهم هم أصلا غير مخولين بتطبيق القانون - فاقد الشيء لا يعطيه – فكيف جرى التعيين ؟، ان القصد قد تحقق بمنح المعينين رواتبا خيالية لا تقل عن (8 ألاف دولار) سواءً كان عاملا أم محالأ للتقاعد، ومنح (رئيس مجلس النواب السابق محمودالمشهداني 40 الف دولار شهريا تجاوزا على القانون)، فهل من يخترق القانون يصلح لادارته، فشمل التعيين الاقارب والأصدقاء والمقربين والمنافقين وهي فرصة للفساد والاستغلال والتقاعد، فكانت نكبة قصمت ظهر المال العام في التدمير خلافا للقوانين وكأن الميزانية لهم لا للمواطنين، والدولة وبعد تسع سنين أصبحت أشبه بخرابة المتخلفين. واليوم لدينا المئات من المتقاعدين بهذه الرواتب الضخمة وهم لم يعملوا يوما واحد في العراق، ويسكنون هم وعوائلهم خارج الوطن،.بينما الاستاتذة والاكاديميين والخبراء والسياسيين الذين لم يوافقوا هواهم ظلوا على تقاعدهم القديم معوزين، وبعد ان سنت القوانين بتمييزالمعايير بين المتقاعدين.

ونصت (المادة 103) من الدستورالتحقق من عدالة توزيع المستحقات المالية بين الأقاليم، والتحقق من استخدام الأمثل للموارد المالية الأتحادية وأقتسامها بين المحافظات او الأقاليم. فلا أدري كيف استطاعوا تحقيق نص المادة وهم لم يستطيعوا أجراء تعداد سكاني عام في البلاد خلال تسع سنين لتقدير حصص الأقاليم، فكيف جاز لهم تخصيص 17% من ميزانية الدولة لأقليم كردستان دون معايير التقسيم؟ وظلت بقية المحافظات بعيدة عن التطبيق، ألم يكن هذا تجاوزا على الدستور وغبنا للاقاليم الأخرى دون تقدير. ومنح أقليم الشمال أستثناءات في التعيين للوزراء والوكلاء والمستشارين والسفراء ومؤسسة رئاسة اركان الجيش والاشراف على مؤسسات المركز دون تحديد، مما مكن الأقليم من الظهور بمظهر القائد والموجه دون توقير للمركز والأقاليم الاخرى، حتى اصبحت الحكومة لا تشكل الا بموافقة اتفاقيات أربيل . ومع هذا التجاوز القانوني فأن الغالبية من القيادات بأستثناء دولة القانون يصرون على تنفيذ اتفاقيات اربيل التي حلت محل المركز في التقييم.وهذا تجاوز فاضح على الدستور.

واليوم تعقد الاتفاقيات بين اقليم الشمال والدول الخارجية والسيد رئيس الاقليم يُستَقبل في العالم باحترام وتقدير يفوق احترام رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب دون الاكتراث بقوانين الدستور، ولا علم للمركز على ماذا يتفاوض، ولا احد يعترض، ولكن من الناحية الاخرى تتدافع القيادات العراقية المختلفة نحو السليمانية لكسب ولاء الرئيس بعد عودته من رحلته العلاجية التي دامت اكثر من ثلاثة شهورغائبا في المانيا، في وقت يتواجد رئيس الاقليم في ايطاليا اليوم للتفاوض دون استشارة المركز وليتخلص من هلمة التزاحم خلف السليمانية. فهل نحن في دولة فدرالية أم كونفدرالية ؟ وهل ان العاصمة بغداد أم السليمانية ؟ الى هذه الدرجة هان الوطن على قياداته دون توقير. والحقيقة ما كنا نتوقع من السيد رئيس الوزراء التنازل عن بغداد فهي عاصمة العراقيين ولا تستبدل بغيرها، فكيف تريد ان تصبح زعيما لكل العراقيين، فاين خبرة حصاد السنين ......؟.

ونصت (المادة 104) من الدستور على انشاء مجلسا للخدمة المدنية يختص بتعيين الموظفين وفق مبادى العدل والمساواة لانصاف المواطنين.، لماذا ظلت هذه المادة مجمدة ؟ من اجل ان يكون التعيين للكيانات الطائفية البغيضة وحرمان بقية المواطنين، ألم يكونوا كلهم من العراقيين ؟ فأين مؤسسات الرقابة والديمقراطية والمفتش العام كما نص عليه الدستور؟. وما هو السبب في التعطيل ؟ انظروا الى مؤسسات الدولة كيف تدار ومن هم موظفيها في التعيين.

ان كل ما يكتب في الصحف والمجلات المستقلة اليوم يذهب أدراج الرياح بعد ان ملكت السلطة شبكة الاعلام العراقية الموجهة لخدمتها، وهي بكل أمكانياتها المادية الكبيرة التي يجب ان توظف للصالح العام، وكأن جريدة الصباح قد عادت الينا اليوم بثوب مجلة الف باء سيئة الصيت التي ابتكرت لصدام حسين الف لقب جديد حتى غدا يشعر بأنه أصبح فوق الناس والقانون، لكنها عجزت عن كتابة مقالة واحدة تدافع عن العراق وحكومته حينما تعرض الوطن لحملات التشهير من صحف المجاورين. كما سكتت المواقع الالكترونية الممولة من الدولة في لندن وباريس وواشنطن التي تمدها السلطة من المال العام من الدفاع عن كرامة العراقيين. ولكن مع من تتكلم حينما أصبح المسئول مقيدا برأي الكتلة الضيق وبمحاصصة القانون.

ان الاجراءات البطيئة في ملاحقة المقصرين والتعتيم على المخالفات واستخدامها سلاحا في التهديد، والتبذير في المال العام على غير هدىً في المؤسسات والوزارات والسفارات ومراكز الثقافة قد ادت الى اهدار المال العام بتقصد هو مخالف للدستور ويحاسب عليه القانون، والتسويفات المتبعة اليوم تجاهها لا تخدمكم ولا تخدم العدالة واصدار الاحكام المناسبة، بل الدولة مطالبة امام الشعب بأن تعرض كل ما يدور في اجهزة الدولة مخالفا للقانون، ففي الدول الديمقراطية - والعراق منها بحسب الدستور- يستفتى الشعب حتى على تبليط الشوارع في المدن وتحقيق الأمن والاستقرار السياسي والعدالة للمواطنين، وهي مفقودة اليوم في بلادنا وستُفقد أكثر اذا استمرت مؤسساتكم تعتمد على المحاصصين . وهكذا ضاعت مؤسسات المواطنين .

أمن أجل هذا جاء التغيير...؟
والى هذه الظواهر السلبية يرجع الى ما نراه اليوم من اختلال القيم في مجتمعنا الراهن وهي أخطر الظواهر اذا تأصلت في نفوس العراقيين،
حين تعود المواطن العراقي على الخطأ في كل تصرف مشين (فزادت عصبيته، وكثر نفاقه، وهانت عليه نفسه، وقلت وطنيته وغيرته على الوطن، وتزلزلت اسسه، خائفاً لا يلوي على شيء)، حتى أصبحنا مقصرين في الاصلاح (تقصير السامع بالشيء عن المعاني له)، مما سيؤدي بالدولة وحضارتها الى التفكك والموت البطيء.

أذن هذا الذي يحدث اليوم في العراق هو أبطاء في مسيرة حضارة العراقيين، مقصودا أم غير مقصودٍ نتج عنه سوء أدارة المؤسسات في نطام الحكم نتيجة الجهل بطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، الذي ولد الانقطاع بين نظام الحكم والجمهور، وأصبح حال النظام كالشجرة التي ماتت جذورها فجفت أوراقها حتى تموت؟

نأمل ان لا يستمر تجاهل رأي المواطن في هذا النقص الكبير، بعد ان انعدم الامان في غياب السلطة المركزية التي حبست نفسها داخل مقراتها واعتمدت على من لا تهمهم الامصالحهم والهروب في المستقبل القريب، كما يحصل اليوم لغالبية الموظفين الكبار والسفراء حيث المقر الجديد، كل حسب جواز سفره الثاني المؤمن من كل مسائلة او قانون. ولم يعد وزير الخارجية يهمه ملاحقة الهاربين. ولربما هو غدا سيلتحق بهم خوفا من الفيضان القادم الكبير.
 

 Back Home Next