بمناسبة اطلالة غدير خُم العلوي
آراء الكاتب
د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com
لم يكن الامام علي بن أبي طالب (ع)
خليفة مثل سائر الخلفاء الأخرين، ولا هو شخصية عالمية مثل بقية الشخصيات الأخرى،
ولا هو عالما مثل العلماء الاخرين، لا بل هو شيء اخر عجزت الى اليوم كل الكتابات ان تقيمه تقييما سياسيا عادلا فهو
-
شخصية علمية فريدة،
-
وشخصية انسانية نادرة،
-
وشخصية سياسية متميزة.
لا أبالغ اذا قلت انه يختلف عن كل
الأخرين الذي قرأنا عنهم في الادب والسياسة والأجتماع والدين.
في اطروحاته الفلسفية يمثل نمطا من
التفكير الذي تغلب عليه الفلسفة الواقعية، معبرا عن ذلك بروعة العبارة،
وعمق المعنى، وجذالة اللفظ،
وغزارة المادة، ونوع الاطروحات التي طرحها فكره النير. غلبت في كليتها على كل محاولات واطروحات الفلاسفة الذين لا زالوا في
محور الدراسات العلمية والفلسفية، هذا التوجه الفكري العلوي الرصين
اثبت واقعيته في عالم التطبيق حتى اصبح فكره الخالد مرجعا لدراسة الفلسفة والمتفلسفين، فقيل فيه انه فيلسوف من طراز خاص وان لم يعتمد الفلسفة كالفلاسفة الأخرين.
اقوالة وخطبه ليست من نوع خطب الساسة والروؤساء السياسيين، بل هي تواصل حقيقي بين الانسان والانسان الاخر دون تعيين.
لذا عدوه من الفلاسفة والمفكرين الصادقين في عواطفهم وعقلهم أجمعين. لذا فقد جاءت كتاباته الثرة تمثل جوانب التراث العربي
الاسلامي الغني المعطاء، بأسلوب يوازن بين العمق والوضوح والاسلوب
الادبي الراقي والتسلسل المنطقي الواقعي.
كان واحدا من صور الشجعان في لحظات
الشدة، نام في فراش النبي دفاعا عنه من المتأمرين وهو يعلم ان
الموت لا قيه، فلم يجزع فبقي خالدا في فكر الانسانية لأن مداه
السماء، من اجل حفظ رسول الله الذي هو كلمة السماء الى الأرض،
فما اجمل الحق حين ينطلق للبناء لا للهدم من اجل الانسانية كلها دون تعيين.
قيل له يا ابا الحسن،
الناس أبتعدوا عنك بعد النهروان،
فرد عليهم: ان الحق لم يبقِ لي من صاحب،
وليبتعدوا (فأن صوتا واحدا شجاعا أكثرية)
وقيل له: لا تذهب يا ابا الحسن
للصلاة في مسجد الكوفة لأن الخوارج يدبرون لك الدوائر في قتلك،
فيرد عليهم بكل شجاعة وشموخ: ان الذين يريدون ان يكونوا حكاما على
شعوبهم عليهم ان يكونوا بينهم ولا يخشون المنايا،
فمات
بين الناس شهيد الحق دون ان يأبه بالمنايا موصيا الناس قائلا وهو على فراش الموت: ان اتقوا الله ولا حياة لكم بدون العدل وانصاف الرعية والمظلومين، وهو الذي قال لمالك الاشتر واليه
على مصر: يا مالك انظر في الناس فأما احدهم أخو لك في الدين او
نظير لك في الخلق. ما اروعك يا امير الحق والمؤمنين.
وقيل انه تمتم بكلمات لم تسمع الا نادراً وهو يحتضر بعد ان جرح في مسجدالكوفة، كلمات قصار حتوت على عوالم متعددة في:
الزهد والتقوى والعرفان وعالم النصح والموعظة، عالم السياسة والمسؤليات الاجتماعية،
عالم الشجاعة والأباء والترفع عن صغائر الأمور. منهجه بحاجة لأن يكون منهجا في الجامعات للدارسين.
هدف
في خطبه الى تحرير الانسان من عالم الجهل، تمهيدا لايقاظه من سباته الجاهلي وبعثه على التأمل في الكون وما يخلله من انظمة ونواميس وما يحكمه من ارادة خفية دقيقة التنظيم،
ليخلص من هذا كله الى الايمان بالله خالق الكون وواهب الحياة للجميع.
هذه المعاني الانسانية الخالدة التي تظمنها منهاجه الكبير جعله موضع اهتمام الباحثين ورجال الفكر في كل عصر وجيل وسوف يبقى كذلك ما دامت العقول تكشف فيه منطلقات جديدة لبناء الانسان
حتى يعود الى الصورة التي اراد لها الله ان تكون.
لا نريد ان ندخل في فلسفته وعقله وعلمة فذاك موضوع يحتاج الى مقالات، لكن بالمناسبة نقول: لابد لنا اى سبيل موضوعات ثلاثة هي نفسها التي اعتمدها الفلاسفة والعلماء منذ اقدم
العصور وحتى يومنا هذا الا وهي:
الله والعالم والانسان.
وفي الله تكلم عن الصفات والتوحيد والتنزيه وعن النبوة والامامة.
وتكلم في العالم وعن فكرة الخلق والكون،
وفي التربية تكلم عن اعداد الانسان ليكون جديرا بخلافة الله على الارض،
ناهيك عن ان فكر الامام قد تشعب كثيرا في اللغة والدين والتوحيد والعدل ونظرية المصلحة والحرية والارادة والقضاء والقدر
ومهام السلطة والقضاء.
ألم يكن محمدا مصيبا حين قال فيه: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله وادر الحق معه حيثما دار.
حكمة الزمن لحكيم الحكمة استحقها بجدارة من رسول المسلمين في غدير خم.
الا شلت اليد التي امتدت عليك يا امير الحق والعدالة. على هذه
المدرسة الفريدة، المدرسة العليا للقارئين من كل لون وصنف نسأل الله الدعاء ونتمنى قد وفقنا في هذه اللمحة القصير ان نقدم شيئا لهذا الخالد الكبير في ذكره العظيم .