Back Home Next

 مفهوم الجهاد في الاسلام ونظريات التطرف..الى اين؟

آراء الكاتب

د.عبد الجبار العبيدي
jabbarmansi@yahoo.com

في هذا المقال المتواضع سنحاول ان نَدخلَ في مفهوم الجهاد ثم نقارن بين فهمنا له وبين الهدف الانساني من تشريعه في الاسلام، وسوف يتبين لكم الفرق بعد  تُحكِيم العقل وتأويل النص بما يتوافق والنظرية العقلية لمفهوم الجهاد في الاسلام حصرأ من القرآن الكريم.

 

الجهاد لغة :

هو من جاهد جهاداً، ومعناه أستفراغ الوسع، اي بذل اقصى حالات الجهد للوصول الى الغاية المقصودة. ويشمل مجاهدة الاعداء في حالة الاعتداء على الوطن، ومجاهدة النفس اذا انحرفت عن خط الاستقامة. كما في قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنُا وان اللهَ لمَعَ المُحسنين-العنكبوت :69).

والجهاد ليس مقاتلة الاعداء فحسب، بل هو كلمة الحق التي تقال بوجه السلطان الظالم وعدم السكوت على ظلمه وتجبره على الناس، ومعنى ذلك المشاركة في الحياة السياسية بغرض التعاون لتقويم النظام العام وارساء اسس العدالة والقول بما يراه المجاهد مصلحة ونفعاً للناس، بدلالة الحديث الشريف : (الجهاد هو كلمة حق تقال عند سلطان جائر). كما جعل الشرع المحافظة على الواجبات الدينية والالتزام بها حقاً وصدقاً جهاداً،  ويعتبر جهاد النفس عن الهوى هو من الجهاد الاكبر، لانه  فيه ردع للنفس الانسانية عن الخطأ والاعوجاج، يقول الرسول(ص) :(الجهاد الاكبر هو مجاهدة العبد لهواه)، وتعتبر الشريعة الاسلامية ان سلامة النية وصفاء القلب عن قصد في الرد على ايذاء الخلق وظلمهم من الجهاد، قال رسول الله(ص): (افضل الجهاد من اصبح لا يهُم بظلم احدٍ)، اي لا يقبل الاعتداء على احد، لان آية الاعتداء في الاسلام حدية (ان الله لا يحب المعتدين)، اي محددة المعنى والوضوح لاتقبل التأويل المختلف. 

والجهاد في الاسلام  لم يشرع في القتال الا لرفع العدوان عن النفس والمال، ودفع الطغاة وعدم الاعتداء على الاخرين، والأبتعاد عن خيانة الوطن، ونكث العهود وبيع الضمائر وهو فرض عين. فحياة المسلم كلها جهاد في عبادته لله، وعمارته للارض ، وتزكيته للنفس الانسانية، ودفاعه عن حقوق العامة. فالاسلام مرآة صافية عاكسة لكل صفات الاستقامة الانسانية (انظرالموسوعة الجهادية تحت مفهوم الجهاد). 

من خلال قراءة النص الديني يتبين لنا انه لا يجوز اكراه الناس لاي عمل يتنافى ومفعوم الحق والعدل

وحرية الانسان، لذا فألاسلام لم يتبع ايٍ من انواع العنف الداخلي او الخارجي وبنوعيه الفكري والسياسي على عهد الرسول(ص) بدلالة الأية الكريمة (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن يرجو الله واليوم الاخر، الاحزاب آية 21). أما مسألة الفتوحات فلا تدخل في مفهوم الجهاد، وأنما بمفهوم السيطرة والأستعباد والتسلط الظالم على الأخرين. وقد أدخلنا هذا المفهوم خطئاً في مناهجنا الدراسية وأعتبرناه شرعيا لنشر الاسلام وهو بحاجة الى أعادة نظر وفق الآية الكريمة (لكم دينكم ولي دين)، ليكون لنا تبريرا منطقيا في تشريعه

ان اساس الجهاد في الاسلام كما اسلفنا محاربة الطغيان وتحقيق حرية الكلمة والتعبير عن الرأي وسواسية الناس امام القانون، وفي هذا السبيل يقول الحق: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتَل او يَغلِب فسوف نأتيه اجراً عظيما-النساء آية 74)، فالجهاد هنا مجاهدة النفس لوضعها في خط الاستقامة ودرىء خطر الاعتداء على الأخرين. 

وبما ان كل مراحل الدعوة في عهد الرسول (ص) قامت على عبارة واحدة فقط هي (خلو بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن، انظر الواقدي) فالمشكلة كانت مجسدة في طغيان قريش وعدم قبولها للحوار الفكري واصرارها على القتال، لذا لا بد من محاربتها والانتصار عليها صوناً للحرية ورداً للطغيان وتحقيق هدف الاية الكريمة (وقل الحق من ربكم فمن شاء  فليؤمن، ومن شاء فليكفر انا أعتدنا للظالمين نارا ،الكهف 29 ) ولم يقل سبحانه وتعالى للكافرين نارا، لأن الظلم يمارس من الكافر والمؤمن على حدٍ سواء والاية ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين سورة يونس  اية  99)، ولذلك فأن استعباد الناس محرم شرعا  وقانوناً حين جعل حرية الاختيار والتعبير هما الاساس فلا يوجد في الاسلام مُسلم وكافر الا بمقياس احترام أنسانية الأنسان وحقوق الأخرين، لذا فالدعوة المحمدية كانت انسانية مدنية قبل ان تكون دعوة دينية..

هذا هو العمود الفقري للجهاد الداخلي في الاسلام ممثلا بالحصول على اعتراف الاخر كندٍ،  فلو طرحت حاكمية الله بموجب ما طرحته الدعوة المحمدية لقبل بها حتى الملحد، ولشعر بحرج شديد في الوقوف ضدها، وبذلك نكون قد وضعنا ايدينا على النقطة الجوهرية في الطروحات السياسية وأعطينا للأسلام وجهه الحقيقي الصحيح.  اما اذا فهمنا ان حاكمية الله تعني الحكُم المطلق في كل صغيرة وكبيرة من الدشداشة القصيرة الى السواك الى التأليه والتقديس والشعائر الدينية المغالى فيها وأكراه الناس بما لا يرغبون به، كما تروج لها المنظمات الاسلامية المتطرفة والمتشددة في غالبية المذاهب الاسلامية، فقد وقعنا في فخ الطاغوت، وهذا ما نراه الان عند غالبية الفرق الأسلامية دون أستثناء.

أما الجهاد الخارجي  والذي نسميه فتحاً لنشر الدعوة فهو يُقرأ في منحيين هما:

  1. الاول- تهديد عدو خارجي غير مسلم لدولة اسلامية واحتلال اراضيها بالقوة. كما حصل في استعمار الدول الغربية للاخرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وافغانستان والعراق اليوم .

  2. الثاني- تهديد عدو خارجي مسلم لدولة اسلامية ومحاربتها واحتلالها بالقوة، كما في ظاهرتي احتلال مصر لليمن في العهد الناصري، واحتلال العراق للكويت في العهد الصدامي لأن كل من شعب اليمن وشعب الكويت لم يؤخذ رأيهما في التغيير. لذا أعتبر غزوا غير شرعي.

فيما يخص البند الاول، لقد امرنا القرآن الكريم بأن نفي بالعهود والمواثيق حتى ولو كانت مع غير المسلمين، وأمرنا بألغائها اذا كانت مضرة بمصالحنا، وعدم تنفيذ العدو لها، وهذاهو الذي  فتح المجال الواسع للتعاون بين الشعوب المؤمنة بالرسالة وغير المؤمنة، وكان بداية العلاقات الدولية بين الشعوب،  قال تعالى: (براءة من اللهِ ورسُوله الى الذين عاهدتم من المشركين  فسيحوا في الارض أربعة أشهر وأعلموا أنكم غير معجزي الله، وان الله مخزي الكافرين  التوبة آية (2،1).. وآية اخرى تقول (ولا تقولوا لمن آلقى السلام لستَ مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا   سورة النساء  آية94 ).

أما فيما يخص البند الثاني: فأن الآيتين المقدستين هما اساس العلاقات الدولية في الاسلام، لكن الحرب احياناً قد تكون ردا على عدوان او تهديدا خارجيا يستهدف ارض المسلمين وخيراتها، ففي هذه الحالة يعتبر التقاعس عن الجهاد منقصة شرعية لا تغتفر، وقد حدث ذلك في غزوة تبوك بعد ما شعر الرسول (ص) ان الروم قد يدخلون شبه جزيرة العرب من الشمال بدون رضاه، فتقاعس البعض عن النصرة للرسول وجيش المسلمين في الجهاد، هنا يقف القرآن الكريم منهم موقف التعنيف القوي لعدم تلبيتهم دعوة الجهاد ضد الاعداء حين يقول القرآن: (ما كان لأهل المدينة ومن حَولهُم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبون بانفسهم عن نفسه، التوبة آية 120)، ولقد وجه القرآن اللوم حتى للرسول (ص) نفسه لانه أذن لبعضهم بالانصراف عن النصرة والجهاد يقول القرآن الكريم: (عفا الله عنك لمَ أذنتَ لهم حتى يتبن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين-التوبه  آية 43). والعفو لا يأتي الا بعد التقصير، وحاشى رسول الله من التقصير.

هذا النوع من الجهاد مقر شرعا وفي كل الاديان ومن يناصر الاعداء، وخاصة في حالة تعرض الدولة لعدوان خارجي لدولة الاسلام والمسلمين فهو خارج عن الملة شرعاً وقانوناً ولا تقبل له شهادة مهما كان التبرير، فمن حق المسلمين رد العدوان بالقوة المماثلة، يقول القرآن: ( الحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فأعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم، البقرة،  آية   194). وهنا يجب ان تتوفر الرغبة والعزيمة والارادة عند المُعتدى عليه، والرغبة هي القوة المعنوية لدى النفس الانسانية في تحقيق الهدف، والعزيمة هي التطبيق العملي للرغبة، والارادة هي القرار الاستراتيجي لضمان مستقبل الدولة..لذا من اخل بهذا التوجه القرآني فقد اخل بشريعه الاسلام. فأين  وجه الشرعية الدينية بالاحتلال العراق؟ أما التبرير الشرعي بأنهم مستضعفون فهذا يتناقض مع النص الصريح فمن ساهم يالأحتلال وساعد المحتلين على التدمير فهو خارج عن الملة وفاقداً للشرعية، فالأسلام ليس دينا حسب بل عدالة أجتماعية وقانونا دستوريا حديا لا يقبل التأويل. من هنا أكتسب عالميته، ومن هنا جاءت الآية الكريمة: (ومن يبتغِ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه، آل عمران 85).

ونتيجة لهذا الاتجاه الخاطىء في فهم آيات الجهاد  طمست عزيمة الجهاد من الناحية التاريخية وتم ربطها بالسياسة والسلطة الزمنية منذ بداية الفتوحات الاسلامية على عهدي الامويين والعباسيين حين لم يُفرق بين الجهاد والقتال، لذا كلما تهددت السلطة عمدت الى حل تناقضاتها بتوجيه الناس نحو الحرب  الذي سمته جهاداً- انظر عهد صدام حسين- وهذا مخالف تماماً لهدف ايات الجهاد الاسلامي الاساسية. لذا حين فقدت الشرعية اخذوا يلهون الناس بالمتفجرات والقاعدة وغيرهما من الخزعبلات ، لكن الاسلام لا يجيز ابدا قتل المواطنين بالتفجيرات بحجة الدفاع عن الوطن، ومن يتجاوز على الحرمات فهو والمحتلين في الميزان سواء. فالجهاد ضد الأحتلال واعوانه وليس ضد الناس الآمنين.

ان بداية تطبيق ايات الجهاد كانت على حروب الردة في عهد الخليفة الاول ابي بكر الصديق(رض) حين بررته الخلافة بأمتناع العرب عن دفع الزكاة المقررة في الاسلام، لكن الحقيقة ان اجتماع السقيفة كان متسرعا لعدم اكتمال النصاب القانوني فيه، لأن الأجتماع تم قبل دفن الرسول وأنشغال الغالبية في مراسيم الدفن، وكان من عادات العرب ان لا يجتمعون على أمر الا بعد أنقضاء فترة الحزن على الميت، فكيف اذا كان مع الرسول (ص)؟ قضية فيها نظر؟.، ولأن مفهوم الزكاة كان لازال حديث عهد ٍ بالمسلمين، لكن ذلك الاجراء المتسرع كان مبررا من وجهة نظرهم لتخوف الخلافة من تفكك وضياع الاسلام وهو لا زال وليدا ,والقبائل العربية التي اسلمت لم تصل الى مرحلة الوعي التام للدعوة الاسلامية بعد، لان أسلامها لم يعد سوى ان قياداتها هي التي اسلمت بعد فتح مكة (سورة الفتح 1-3،)، ولكن مهما قيل في الردة فهي بحاجة الى دراسة اعمق واشمل مما نحن نفهما الان، وما يجب ان ندخلها في مناهجنا المدرسية دون الوقوف على مفرداتها الصحيحة، لذا فأنها تبقى مشوشة في فكر الطالب دون تثبيت وهذا خطىء منهجي كبير.

وفي عهد الخليقة الثاني عمر بن الخطاب (رض) تطور الامر حين عمت الفوضى بعد ان سحقت حركة الارتداد، والنصوص التاريخية التي أوردها المؤرخون هنا غامضة ومتداخلة لم تعطينا تفاصيل الذي حدث بالضبط وكيف حدث؟، سوى ذكرها لتوجه الجيوش نحو الفتوحات الخارجية، حتى عدها البعض أمتصاصاً للفتنة الداخلية وتقوية الدولة مادياً ومعنويا، وهذا هو راي المستشرقين الذين لم يُرد عليهم من احد لحد الان بالحجة والبرهان من قبل مؤرخينا ان كانوا يملكونها وفي السكوت رضى. وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض)، استمرت الفتوحات هي الاخرى لازاحة الاحتلال الرومي والفارسي عن ارض العرب في العراق والشام، وهذا مبرر شرعأً وقانوناً، لكونها ارضاَ عربية محتلة. لكن في عهد الخليفة الرابع علي بن ابي طالب (ع) توقفت حركة الفتوحات، ولا ادري ان كان الامام له وجهة نظر معينة لم ينقلها لنا المؤرخون، او ان الدولة توسعت فخاف الامام على تمزقها وضياعها، ومصادرنا التاريخية تسكت عن الحقيقة هنا، وعندي ان الرأي الثاني أقرب للقبول.، ومن ناحية اخرى فقد توسعت الدولة ولم يعد بالامكان السيطرة على فتوحات اخرى فاصابها التوقف. فقضية الفتوح خارج جزيرة العرب لا زالت بحاجة ماسة لدراسة علمية موثقة لبيان الحقيقة التاريخية والشرعية فيها خارج نطاق التصور الفكري والعاطفة الدينية، بعد ان ظهر الكثير من المؤرخين الاجانب التي عدوها أعتداءً وتجاوزا على الشرعية الوطنية لاوطانهم وهم يطالبون اليوم بأعتذار العرب والمسلمين لهم رسمياَ عنها. وانا اعتقد ان العرب والمسلمين بحاجة لان يقدموا تفسيرا تاريخياً مبررا لها لاقناع الدول التي فتحت بوجهة نظرهم، لعلها تزول العُقد التاريخية المستعصية في فهمها واهدافها، واذا ما اقتضى الامر بتقديم اعتذار رسمي عنها للدول الخارجية التي فتحت عنوة دون رغبة منها، حتى نقف مع المقياس الحضاري حين نطالب بالتعويضات المادية والمعنوية من الدول الاستعمارية التي احتلت اراضينا سابقاً ولا زال بعضها محتلا الى اليوم.

بقي لنا ان نبين الفرق بين الجهاد والعنف وما رمي به المسلمون اليوم. فقد كتب الاستاذ معز الدين الخطيب تحليلا علميا لها، نقتطف جزءً منه مع التصرف فنقول: "ان من غير الصحيح الاكتفاء بدرس ظاهرة العنف ومظاهر الخلط بينه وبين الجهاد ضمن الاطار الفقهي، فهو لاشك في ازمة بحاجة الى توضيح، لا سيما وان ظاهرة العنف هي ظاهرة عالمية لا تقتصر على الاصولية الاسلامية فحسب، لكن ارتباط المنظمات الاسلامية المتطرفة بها يعود الى فهم خاطىء في مفاهيم الجهاد الاسلامية حين دمجوا العنف بالجهاد ولم يتركوا للحوار مكانة خاصة وان الحس الديني العالي لهؤلاء الجماعة وتكوينهم النفسي والفقهي الخاص بهم اشعرهم بالتهديد المستمر الذي لا بديل عنه الا العنف والالتزام به، ناهيك عن العوامل الاخرى الخاطئة في مفهموم  تاويل النص الديني وقراءته قراءة احادية صرفة وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة في التفسير" ، معز الدين الخطيب، القاعدة والجهاد، دار الحياة ،سنة 2005).

لاشك  ان هناك فرقاً واضحا بين الجهاد والعنف، فالاول يتميز بوضوح الهدف ووضوح الوسيلة والالتزام باحكام الشرع ومكارم الاخلاق التي جاء بها الاسلام، قبل القتال واثناء القتال وبعد القتال، هذا الشرط لم يتوفر حتى عند الفتوحات الأولى للمسلمين، ولكل منه شروطه الدينية والاخلاقية، فلا قتل للبشر،  ولا قلع للشجر، ولاتدمير للثروة والموارد، وضرورة الخلاص من فكرة مقاتلة الكفار سواءً حصل الاعتداء منهم أم لم يحصل، ولا رق ولاأماء ولاعبيد كما حصل بعد كل فتح جديد، كما هو في مفهموم نظرية التشدد الحالية، مستندين الى قول الامام الشافعي: (الجهاد فريضة يجب القيام به سواءً حصل من الكفار أعتداء أم لم بحصل (كتاب الأم ج4 ص168). وهذا التوجه يتعارض مع نص الاية الكريمة: (أدعُ الى سبيلِ ربك بالحكمةِ والموعظة الحَسَنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربكَ هو أعلمُ بمن ضَل َعن سبيله ِوهو أعلمُ بالمهتدين، النحل 125.)، والاجماع على ان الجهاد هو في سبيل الله واعلاء كلمته وليس بسط سلطة الاسلام على الناس بالقوة وهنا مكمن الخطأ في نظرية الأمام الشافعي الممارسة اليوم. ولنا في ايات الجهاد ما يثبت ما نقول. لكن ما يدعيه الفقهاء بأن أية السيف المتمثلة بالأية (5) من سورة التوبة قد نسخت اكثر من 120 آية من أيات الجهاد لهو اعتداء منطقي على الايات القرآنية، علما ان النسخ لم يكن قد جاء في الايات القصار وأنما جاء في الرسالات المتعاقبة من موسى (ع) الى محمد (ص). (انظر كتاب كيف نتعامل مع القرآن للشيخ محمد الغزالي ص82-83).

ان الاية الكريمة 256 من سورة البقرة، جاءت عامة لكل الناس (لا أكراه في الدين قد تبين الرشد ُمن الغي)، لذا فهي تتقاطع مع شعار الفتوح المعلن عند البلاذري في كتابه فتوح البلدان: (أسلم تسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وان لم تسلم تدفع الجزية نظير حماية الدولة لك).

ان الاية الكريمة وضعت سُنة لكل الناس دون تمييز في الحرية الدينية والمدنية دون أكراه، لان الحرية هي هبة الله الى الناس، وليست هبة احد من الناس، فاذا تتبعنا آية الجزية في سورة التوبة يقول الحق: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، التوبه 29). فالأية الكريمة ليست عامة، بل وضعت شروطا ًدقيقة لتطبيقها عملياً حين لا يكونوا من المؤمنين بالله واليوم الاخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، كقتل النفس الانسانية بدون جرم مرتكب، وان يبدأوا هم بقتال المسلمين بدلالة الاية عن يدٍ وهم صاغرون.

الديانات المنزلة كلها تؤمن بالله واليوم الاخر، ولا تؤمن بقتل النفس الانسانية بدون سبب مبرر، لذا فأن تفسير النص يحتاج الى اعادة نظر في قراءته،  وما يعزز هذا الراي ما ورد بنص الاية الكريمة يقول الحق: (ان الذين أمنوا بالله واليوم الاخر والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، المائدة والبقرة  169،62). فشرط الآية هو الأيمان لاغير، وهم مؤمنون بنص الآية الكريمة، هنا نلاحظ ان شعار الفتوح السابق يصح بالحوار لابالقتال. لذا لابد من اعادة النظر في هذه الاشكالية الدينية الكبرى- اشكالية الفتوحات- لكي نضع حدا للاراء المتضاربة وحتى يخرج الاسلام  منها سليماً معافى.

اما العنف كما تمارسه بعض الجماعات المتزمتة الى تنسب الى الاسلام كما في القاعدة وطالبان والسلفية المتزمتة، فينقصه الوضوح في الرؤية وقصور الاهداف وخطأ الوسائل ومخالفة الضوابط الشرعية، ويعتبر اجتهاد افراد اوجماعات معزولة عن المجتمع، والا كيف نفسر قتل المسلمين بأيدي المسلمين أنفسهم وعن قصد مسبق كما عند الجهاديين اليوم. رأي يخالف رأي الناس وهي لا تمثل امة الاسلام، بل تشكل قطيعة معها حين يصبح الجهاد بنظرها صحيحاً لكل راضٍ عنها غير منكر لها. 

وحقيقة القول ان تفسير أيات الجهاد بالمنطق السلبي قد كلفنا الكثير ارواحاً ومالاً وسمعة عند الاخرين، واتهمنا وأتهم الاسلام بالارهاب والارهابين تجاوزا علينا وعلى النص الديني دون مبرر سوى التشدد في آحادية الرأي الخاطىء والاصرار العنيد عليه من قبل بعض الفقهاء ورجال الدين، فهل من نهاية لهذا الموقف الخاطىء الخطير، كما في قضية كتاب الآيات الشيطانية لسلمان رشدي الذي صنعنا نحن منه بطلا عالميا مدافعا عن حرية الأخرين، وكما في قضية الفلم المسيئىء للرسول الكريم، هذة التحديات تقابل بالرأي والرأي الأخر بالدليل والبرهان، والحجة هي الدليل، لا بالسيف حتى نكون فعلا من الحضاريين.                                            

 Back Home Next