Back Home Next

الاصولية وجنايتها على الاسلام

مقتبسة من تهافت الاصولية لشاكر النابلسي
 بقلم الدكتور رضا العطار بتصرف

ridhaalattar@yahoo.com

يقدم لنا الباحث هاشم صالح في كتابه – معضلة الاصولية الاسلامية – مجموعة من قراءات لكتب مفكرين عرب وفرنسيين في الاصولية واشكالها المختلفة - - - ففي كتاب – الدين والسياسة على الساحة الاسلامية – للباحث التونسي والاستاذ في جامعة ليون بفرنسا محمد شريف فرجاني ، نقتبس اهم ما جاء في كتابه وهو ظاهرة العنف الديني، فيقول: ان القرآن الكريم مثله مثل سائر النصوص الدينية والتأسيسية الكبرى ذو موقف مزدوج من قضية العنف! بمعنى انه يحتوي على آيات تُحمّل العنف، وآيات توصي بالسلم والابتعاد عن العنف.  وسبب هذا – وهو المهم جدا – ان الظروف والوقائع التاريخية التي جاءت فيها هذه الايات. 

ومن هنا ننادي دائما بان ندرس الاديان من داخل التاريخ وليس من فوق التاريخ، كما يفعل معظم الفقهاء.  وهو السبب الرئيسي لزيادة العنف الديني - - - ورغم ذلك فايات السلام في القران الكريم 49 آية اكثر من آيات العنف - - - وكما ان هناك آيات للعنف في القران الكريم فهناك آيات عنف في الانجيل ايضا. ومنها ما يقال على لسان السيد المسيح (ولا تظنوا اني جئت لأحمل السلام الى الارض. ما جئت لأحمل سلاما بل سيفا. جئت لأفرق بين المرء وابيه والبنت وامها، فيكون اعداء الانسان اهل بيته. (متي 10 : 34 – 36). والتاريخ المسيحي مليء باعمال العنف الفظيعة بين المسيحيين انفسهم وبين المسيحيين واعدائهم من الديانات الاخرى. 

يعتقد فرجاني بان الاسلام كان سياسيا قبل ان يكون دينيا والدليل على ذلك انه قبل اكمال الرسالة الاسلامية بسنوات طويلة كان الرسول عليه السلام قد اقام صرح دولة في المدينة المنورة بعد هجرته اليها مباشرة وبذا فان اول دولة علمانية هي دولة النبي محمد (ص) وتشكيل هذه الدولة يكاد يكون عصريا.  واليك ايها القارئ الكريم اسماء الوزارات في هذه الحكومة:

  1. وزارة التربية والتعلبم وتشمل ادارات لتعليم القرآن وتعليم القراءة والكتابة، الافتاء، الفقه، الامامة.

  2. وزارة الحج وتشمل ادارات السقاية وامارة الحج.

  3. وزارة الخارجية وتشمل ادارات السفراء والتراجمة

  4. وزارة الاعلام وتشمل ادارات الشعراء والخطباء

  5. وزارة الدفاع وتشمل ادارات امراء القتال وجنده ( ما يعرف اليوم برئاسة الاركان)  الحرس النبوي، والاستنفار، وما يعرف اليوم بدائرة التعبئة، وصاحب السلاح وهو ما يعرف اليوم بمستودعات السلاح، ومتاع السفر وهو ما يعرف اليوم بالنقل العسكري، وخاذلوا الاعداء، وهو ما يعرف اليوم بدائرة الاستخبارات العسكرية، ومبشّروا النصر وهو ما يعرف اليوم بدائرة التوجيه المعنوي والناطق الرسمي.

  6. وزارة المالية، وتشمل عمال الجباية والخراج وعمال الزكاة والصدقات، والخارصون، وهم عمال الضريبة، الذين يقدرون اثمان ثمر الشجر.

  7. وزارة الداخلية وتشمل ادارات صاحب العسس وهو ما يعرف اليوم بمدير الامن العام، والعين، اي دائرة المباحث، والسجان، اي مصلحة السجون، والمنادي اي الناطق الرسمي ومقيم الحدود اي ما يعرف اليوم بالجلاد.

  8. وزارة الصحة وتشمل ادارة متولي التطبيب والعلاج.

  9. وزارة الاوقاف، وتشمل فارضوا المواريث والنفقات وامامة الصلاة والاذان.

  10. الديوان النبوي ويشمل ادارات الكتابة والترجمة، الخاتم، والحجابة وتعني بلغة اليوم التشريفات الملكية او الجمهورية.

ان هذا التنظيم السياسي والاداري والعسكري في دولة النبي الكريم لم يكن موجودا كله وبهذا التفصيل عند العرب قبل الاسلام، وان ما قام به نبي الاسلام في اواخر حياته من نشاط واجراءات سياسية وادارية ومالية كانت اجراءات وقرارات لم يقم بها اي نبي او رسول آخر في تاريخ الاديان البشرية كلها. حيث اقتصرت مهمة الانبياء والرسل من قبل على الدعوة الدينية فقط دون ممارسة اي سلطان سياسي او اداري كما فعل نبينا  عليه السلام، وبذلك كان اول وآخر الانبياء الذين جمعوا بين الدالين:

دال الدين ودال الدنيا.

علينا ان لا نخلط بين الدين وبين الاصولية، فالدين (ايمان) والاصولية (عقيدة) – والاصولية جعلت من الايمان معتقدا تستعمله لخدمة اغراضها السياسية - -  الدين بيان وقيم واخبار بينما الاصولية اجتهادات ومراقبة وعقاب. فجمهور الاصوليات هم من اتباع التدين الشعبي الذي يختلط فيه الدين بالخرافات والاساطير والشعوذات.

الدين يهدف الى تكوين اناس صالحين ودعاة خيرين ينشرون المحبة بين افراد المجتمع، بينما الاصولية تهدف الى تكوين ارهابيين بدعوى الدفاع المسلح عن النصوص المطلقة التي لا جدال فيها، فاما معنا واما الموت.  وهذا ما حصل منذ فجر التاريخ حتى الان فالفيلسوف سقراط كان ضحية الاصولية اليونانية، واسحاق رابين كان ضحية الاصولية اليهودية، وانور السادات كان ضحية الاصولية الاسلامية.  فالارهاب (كالقاعدة) ما هي الا حماية الحقيقة المطلقة الذين يعتقدون انهم يملكونها وحدهم.  

ان الخلاف الحاد الذي بين الليبرالية والاصولية العربية يتمركز حول دعوة الفكر الليبرالي الى قراءة النصوص الدينية قراءة تاريخية كما نادى بها ابن رشد قبل الف عام حين قال ان لهذه النصوص معنى ظاهر واخر باطن ومعنى للخاصة ومعنى للعامة وليست قراءة حرفية تسليمية - - -  ومعنى هذا ان الليبراليين يقفون في صف المعتزلة ويقولون بخلق القرآن متدرجا حسب الاحداث التاريخية.  ولم يكن مكتوبا منذ الازل في اللوح المحفوظ، كما تقول الاشاعرة والاصولية.

فالاشاعرة قد انكروا وجود القوانين الطبيعية التي تتحكم بهذا الكون وهذا يعني الغاء النظرية السببية في التاريخ وبالتالي الغاء العقل والتفكيرعلما بان القرآن قد اقرّ السببية ولكن ليس بوضوح العلم الحديث فقد ذكر القرآن السبب والسببية تسعة مرات: منها

(انا مكنا له في الارض واتيناه من كل شئ سببا) من سورة الكهف.  ولكن الاشاعرة والاصولية ينكرون ان القرآن قال بالسببية.

ليست الاصولية قاصرة على الاسلام وحده لكنها موجودة في الاديان السماوية الاخرى فهناك اصولية مسيحية متشددة في امريكا الى درجة تمنع تدريس نظرية داروين للتطورفي المدارس والجامعات في بعض الولايات المتحدة الامريكية حتى الان. فالاصوليات جميعها تشترك معا في قواسم مشتركة واحدة وهي التطرف والغلو والتشدد ومعاداة النظريات العلمية ومنع اعمال العقل في النص الديني.  

ان ارتفاع وتيرة رمي الاسلام بالعنف ظهرت بعد احداث 11سبتمبر 2001 عندما اصبح الاسلام في عين هذه العاصفة الكارثية وما خلفته الحملة العسكرية على العراق 2003 من آثار وظهور العداء المسلح بين السنة والشيعة، هذه الاحداث كلها ليست غريبة في تاريخ جنايات الاصولية على الاسلام.

فهل ننسى المجازر الرهيبة التي حصلت بين الكاثوليك والبروتستانت في القرون الوسطى؟، وهل ننسى المجازر المذهبية في ايرلندا الشمالية حديثا؟ وهل ننسى الصراع الدموي بين البوذيين والهندوس؟ - - -  ومن هنا نرى ان هناك فرقا بين دين، كتنزيه راق، وروحانيات سامية،  ومبادئ اخلاقية عالية،  وبين اصولية ترى ان عقيدتها لم تتحقق الا من خلال سلطوية سياسية قهرية دموية.  

لقد البست الاصولية الدين الاسلامي لباسا غير اللباس الالهي  فمصطلحات (دار الحرب  والسلام) و(الولاء والبراء) و (الاسلام هو الحل) ليست من القرآن.  وقد نشاهد طوفانا من مقالات السلفية/الاصولية يدافعون فيها عن هذه الشعارات و يدارونها ويطبخونها بالبهارات الاسلامية كي تبدو حلوة الطعم شهية المذاق للفتية والصبيان في المدارس والمساجد فلا ذكر لهذه الشعارات في القرآن ولكنها في واقع الامر جزءلايتجزء من الايديولوجية الاصولية التي نسمعها في خطابات (القاعدة).

ان مفهوم الولاء والبراء، حتى يعرف المسلم من يوالي ومن يعادي ومن يحب ومن يبغض ويكره ؟!

فاما الولاء فمعناه ان يوالي المسلم اخوانه المسلمين، يحبهم ويرحمهم وينصرهم وينضم الى جماعتهم، ظاهرا وباطنا - - واما البراء فمعناه ان يتبرأ المسلم من غير المسلمين، يبغضهم ويعاديهم ويحاربهم بلسانه ونفسه وماله.

·تهافت الاصولية لشاكر النابلسي   *

www.alattaronline.com