دور الاخوان المسلمين في مصر ورياح التغيير
مقتبسة من تهافت الاصولية لشاكر النابلسي
بقلم الدكتور رضا العطار
بتصرف
ridhaalattar@yahoo.com
عندما تاسست جماعة اخوان المسلمين في مصر عام 1928 ، كانت مصر قبل هذا التاريخ وبعده تعج بالفكر الليبرالي المصري والفكر الليبرالي
الشامي الذي جاء لاجئا اليها وهاربا من الاضطهاد العثماني والاستعمار الفرنسي وملاحقته للمثقفين القوميين الذين كانوا يطالبون الاستقلال والحرية. وكان هذا هوالفكر الليبرالي قبل 1928
– اما بعد هذا التاريخ فقد ظهر بعض الاعلام من امثال طه حسين وقاسم امين وعبد العزيز فهمي ومحمد حسين هيكل، كما كان كل هؤلاء يؤمنون بمساواة المرأة بالرجل بالحقوق والواجبات، والحرية
السياسية والا جتماعية والثقافية، وكان معظم هؤلاء اما انهم درسوا في الغرب، او اطلعوا على الثقافة الغربية وقرأوها.
وهؤلاء جميعا اغتبطوا لسقوط الخلافة الاسلامية في تركيا عام 1924 ، بينما واجه شيوخ الازهر هذا الحدث بغضب شديد وممانعة قوية. فملؤا الصحافة
بامتعاضهم وسخطهم، كان اشهرهم مصطفى صبري الوكادي، آخر مفتي للديار العثمانية الذي اصدر كتابا يحمل عنوان (النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والامة) - - - وعندما جاء الاخوان
المسلمين وجدوا هذا السد الكبير من الفكر والثقافة الغربية امامهم. وكان عليهم ان يستعينوا بالسلطة السياسية لمواجهة هذا المد الفكري والثقافي التغريبي، فعرضوا على الملك امكانية بعث
الخلافة من جديد على يديه وتنصيبه خليفة على المسلمين، باعتبار ان مصر اكبر بلد عربي واكثر بلد يضم عددا كبيرا من علماء الدين. واقتنع الملك بذلك واتصل بالشيخ مصطفى المراغي شيخ
الازهر الذي ايد الفكرة ودعا اليها. لكن بعدما ظهر كتاب علي عبد الرزاق (الاسلام واصول الحكم) ينفي فيه وجود دولة دينية في الاسلام، كان كافيا لفشل المشروع.
وكرر الاخوان المسلمون المحاولة مرة اخرى 1937 لتتويج الملك فاروق في الازهر واعلان تنصيبه خليفة المسلمين،
مستغلين حب الشعب الجارف للملك الشاب، لكن حزب الوفد العلماني وكان قويا في تلك الفترة مما مكنه من وقف ذلك وعدم تنفيذه. وكان الاخوان المسلمون يطمعون من وراء ذلك في الوصول الى
السلطة اولا عن طريق الخليفة الجديد فاروق ومحاربة الافكار والقيم الغربية كالحداثة التي بدات تنتشر في مصر سياسيا وثقافيا وعلميا.
قام الاخوان المسلمون باقناع الملك فاروق بالغاء الاحزاب، والابقاء على حزب واحد وهو حزب الله اي حزبهم فقط، ومصادرة كل الصحف والمجلات الموجودة
ومنع الخلاعة في السينما والمسرح والاذاعة واعادة رجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لمراقبة الناس وحثهم على اداءالصلاة وتطبيق الاحكام الشرعية ومنع الاختلاط في المدارس والعمل
وجعل مواقيت العمل تتفق مع مواعيد الصلاة والوقوف في وجه التغيير الذي بدأه جده محمدعلى باشا الكبير.
وكأن الاخوان اقتنعوا بالاستراتيجية الاصولية وهي ان الطريق لاقامة الخلافة الاسلامية تبدأ باسلمة المجتمع اولا
بمثل هذه الخطوات - - - وهذا ما يعملون عليه منذ ثمانين عاما حتى الان – ولكن يبدو ان طوفان الحداثة الغربية الغامر الذي اصاب اطرافا من العالم العربي لم يسمح لهم بتحقيق هدفهم الذي
كان سياسيا بالدرجة الاولى ويستعمل الدين كمطية للوصول الى كرسي الحكم.
كان الاخوان اوفياء للقصر، فكانوا يطلقون على الديوان الملكي الذي كان يعج بالراقصات الايطاليات اسم (الديوان الاسلامي).
يحمّل معظم الباحثين الغربيين المتخصصين في (الاسلام السياسي) مسؤولية الاخوان المسلمين تصاعد وتيرة الاصولية الى
الحد الذي نشاهده هذه الايام ونحن في عام 2009 فحيث تتمركز الاصولية في السعودية واليمن، يرى المستشرق الفرنسي فرانسوا بورغا الذي عاش في العالم العربي سنوات عدة ان الاخوان المسلمين
المصريين في اليمن والذين هربوا من ملاحقات نظام عبد الناصر لهم، لعبوا دورا مهما في اشتداد عضد الاصولية فيها. فهم قد جاءوا الى اليمن وعملوا في التعليم والتدريس وذهبوا باعداد
كبيرة الى الجزائر عام 1973 ليساهموا في خطة تعريب التعليم، فنفذوا منها الى المناهج التعليمية والى الاعلام والى الالتقاء بجموع الناس في المساجد والمناسبات الدينية.
وتعد حركة (مجتمع السلم) احد الاحزاب الجزائرية الكبيرة واكثر الاحزاب تاثرا بالاخوان المسلمين. وقد تاسست هذه الحركة سنة 1990 وشارك الحزب في
جميع الاستحقاقات السياسية التي جرت في البلاد ولها حوالي اربعين نائبا وثلاثة وزراء - -
والسبب في تسميته الحركة (مجتمع السلم) وليس مجتمع المسلم هو انه بعد الانفراج السياسي والتعددية في الجزائر تاسست حركة المجتمع الاسلامي وشاركت
في الانتخابات البلدية والتشريعية وحتى الرئاسية/ حيث نافس مرشحها ورئيسها محفوظ نحناح الرئيس عبد العزيز بو تفليقة. وبعد الغاء نتائج الانتخابات التشريعية عام 1992 وما بعدها، وضعت
الدولة الجزائرية قانونا جديدا للاحزاب يقضي بعدم احتواء اسم اي حزب على كلمة اسلامي او اسلام، لان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة ولا يجوز ان يقحم في التجاذبات السياسية. فغيرت
الحركة اسمها من (حركة المجتمع الاسلامي) الى (حركة المجتمع السلم)
تهافت الاصولية لشاكر النابلسي