فيروس الطائفية، كيف نشأت
فاتحة الالفية الثالثة لشاكر النابلسي
بقلم الدكتور رضا العطار
ridhaalattar@yahoo.com
يلاحظ الباحث العربي عبد الله خليفة، ان العرب في الماضي لم يعرفوا مسمى الطوائف، وانما عرفوا مسمى الفرق، الاقل وقعا من مسمى الطوائف
والذي لا ينسب الى اختلاف الاعراق والاديان ولكن ينسب دائما الى الاختلاف في الاراء والافكار - - - وهذه ظاهرة صحية في تاريخ الحضارات الانسانية. فقد انتجت هذه الفرق كما هائلا من
الثقافة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. كذلك اسهمت مساهمة كبيرة في بناء الحضارة العربية والاسلامية طيلة القرون الماضية. فنشأت فرقة الخوارج والمعتزلة والمرجئة
والاشعرية وفرق الشيعة المختلفة حتى غدت في مجملها 198 فرقة والتي اصبحت هي المغذي الرئيسي لتيارات الفكر الاسلامي - - - كانت هذه الروافد تشكل التيارات المختلفة على مر العصور
الماضية طيلة خمسة عشر قرنا.
فلم تكن لكل فرقة امكنة عبادة خاصة بها، فكان المسجد يجمع كل هذه الفرق كل يوم على دين واحد وطريق واحدة وان اختلفت الاحكام في الفروع ولكنها ظلت واحدة في اصول العقيدة - - - ورغم ان
العالم الاسلامي بعد ذلك انقسم الى خمسة مذاهب رئيسية، الا ان التسامح المذهبي الذي عشناه في الماضي، قد انقلب الان بقدرة ابليس الى تعصب مذهبي طاغي مقيت، ففقهاء المذاهب لم يتعصبوا
لمدارسهم الفقهية ولم يورثوا زعامة هذه المبادئ لاولادهم واحفادهم ولم يستغلوها لتحقيق مآرب واهداف سياسية او مالية عريضة. بل انهم قالوا بان مذاهبهم هي اجتهاد، لاتلزم احدا. فمن شاء
اخذ بها ومن لم يشأ تركها. واصبح امام المسلم الحرية الواسعة لأختيار اي من هذه المذاهب يتبع.
عندما رحل الاستعمار العثماني عن المشرق العربي عام 1918 تحول العالم العربي بالتدريج من عالم تحكمه العصبية العربية كما وصفها ابن خلدون في مقدمته المشهورة الى عوالم من المسيحيين
ومسلمين ودروز منقسمين الى عدة طوائف ولكل منهم زعيمه ومرجعيته وهو ما يعرف في العالم العربي بالاقليات، تلعب دورا مهمة في مجريات الحياة العربية.
يعتبر الوطن العربي الان من اكثر بلدان العالم تعرضا لفايروس الطائفية وذلك لاسباب معروفة وظاهرة وقد بدأ هذا الفيروس يستيقظ من سباته الطويل، بعدما وجد البيئة الملائمة، ويستفحل اثره
ومضاره في الجسم العربي بفعل بعض هوامش الحرية التي اتيحت للعالم العربي بعد كارثة 11 سبتمبر 2001
والان النية المبيتة في اعادة تشكيل خارظة العالم العربي السياسية والاجتماعية والثقافية لكي لا يكون الوطن العربي مزرعة اخرى لموجات اخرى للارهاب.
لا اريد ان استعرض العوامل التاريخية التي ادت الى بروز الطائفية العربية الان بهذا الشكل المقزز - - - فمن المعلوم ان وقوع العالم العربي تحت الاحتلال العثماني عام 1535، كان له
الاثر البعيد في نشوء وازدياد الحس الطائفي. فقد كانت البلاد ذات تشكيل اجتماعي مختلف الاعراق من الاتراك والارمن واليهود والفرس وغيرهم، كما كان فيها المسلمون والمسيحيون وعبدة النار
ومظاهر الطبيعة والملاحدة. فالدولة العثمانية كانت تعلم بان الدعوة الى الوحدة العربية ستشكل اكبر الاخطار على كيانها المهزوز، كما كانت تعلم ايضا بوجود الحلم العربي في الخلاص من
النير الاجنبي، فكان السبيل الوحيد للمحافظة على مستعمراتها تحت الطربوش العثماني الاحمر هو اثارة النعرات الطائفية في كل مكان، كان العراق، ذو الغالبية الشيعية اول الضحايا، حيث حُرم
ابنائه من الدراسة الأولية طيلة اربعمائة سنة من حكمهم البغيض، كان هذا كافيا لغرس بذور الشحن الطائفي الذى نشاهد فيروسه اليوم في معظم ارجاء الوطن العربي.
• فاتحة الأفية الثالثة، لشاكر النابلسي، مع تعليق هامشي لكاتب السطور
• www.alattaronline.com