ماركسية الأصول الدينية
مقتبسة من تهافت الاصولية لشاكر النابلسي
بقلم الدكتور رضا العطار
بتصرف
ridhaalattar@yahoo.com
هناك شرخ كبير، بين دعاة الاصولية وبين جمهورها، وتباين واضح، وكأن هذه الجماهير غير مصدقة وغير موقنة من صحة الدعوة الاصولية، خاصة وان
غالبية هذه الجماهير من الشباب اليانع الذي ولد وتربى وعاش في العالم العربي وسط قيم مجتمع استهلاكي، ذي قيم غربية في معظمها، وكان من الصعب عليه ان يعيش في جلابيب الاباء والاجداد
واباء الاجداد واجداد الاجداد ومن هم قبلهم، قبل مئات السنين - - - فلا احد في العصر الحديث يعيش في جلباب غيره.
فبينما دعاة الاصولية يعيشون في الماضي بثقافته وطقوسه وقيمه واسواقه ولباسه وطعامه وشرابه وسلوكه اليومي وكذلك باشكالهم الغريبة، ولحاهم الطويلة جدا، وشواربهم المحفوفة وثيابهم
القصيرة، وكأنهم قادمون من كوكب آخر، يعيش جمهورهم في عالم آخر، مختلف كل الاختلاف، وكأنه يعيش في الماضي السحيق.
لكن جمهور الاصولية يعيش في ظل القيم الدينية الحديثة (الاستهلاك والترقي الاجتماعي). فهو جمهور يلبس الجينز ويرقص على انغام موسيقى
غربية، ويأكل الهمبركر، ويشاهد الافلام الامريكية ويقرأ المجلات الغربية ويرتاد مقاهي الانترنت والنوادي الرياضية وله صداقات مع الجنس الاخر في المدرسة والجامعة والعمل.
ان دعاة الاصولية انفسهم لا يحجمون عن استخدام منتجات الحضارة الحديثة، فهم لا يركبوب الابل والبغال والحمير بل انهم يركبون الطائرات والسيارات والسفن، ولا ينيرون بيوتهم بقناديل
الزيت بل يستعملون الكهرباء، ولا يأكلون باطباق من الفخار بل باطباق من الصيني ولا يغتسلون في الانهار والغدران، بل في حمامات حديثة مجهزة بالبانيوهات والمياه الساخنة، ولا يقرؤن طوال
الليل في الكتب الصفراء بل يشاهدون قنوات التلفزيون المختلفة، ولا يستعملون الحمام الزاجل لارسال مكاتيبهم بل يستخدمون الانترنيت، ولا ينشرون خطاباتهم على ورق البردي اوالعظام
اوالصخور اوجلد الحيوان بل ينشرونها على المواقع الالكترنية - - - لذا نراهم يعيشون مفارقة وتناقض عميقين.
فهم يدعون الى (الجهاد) ويدفعون الشباب الغض الى الذبح والانتحار، لكنهم يمنعون اولادهم من القيام بذلك. وهم يرفضون الحضارة الغربية وقيمها، خاصة ما يتعلق منها بالجنس والمرأة بالدرجة
الاولى، وفي الوقت ذاته يستعملون وسائلها ونتاجاتها. فشيوخهم يفتون بكراهية وتحريم المظاهرات والانتخابات طبقا (لفتوى) الشيخ فوزان الفوزان، كقيمة من قيم الحداثة السياسية، وفي الوقت
نفسه يلجأون الى اسلوب استعمال المظاهرات في احتجاجهم على سلوك الحكومات العربية او في ذمهم للغرب، ويشاركون في كل انتخابات تشريعية او بلدية ولهم ممثلون في مجالس النواب والنقابات
والمجالس المحلية.
وهم يتبعون في تنظيماتهم السياسية الطراز الينيني الشيوعي، فالامير لديهم هو بمثابة (السكرتير العام) ومجلس الشورى هو بمثابة (اللجنة المركزية) وهم قد استعاروا من الماركسيين النطاق
المفاهيمي ولا سيما فكرة الثورة، ثم افعموه بمصطلحات قرآنية للدعوة الى الوعظ التبشيري والدعاية - - - فالجماهير التي كانت تتظاهر في القاهرة وعمان وبيروت وطهران في الخمسينيات من
القرن الماضي تحت الراية الحمراء، هي نفسها التي تسير اليوم الراية الخضراء او الصفراء (راية حزب الله) - - - وفلان الذي كان ماركسيا او بعثيا او قوميا هو اليوم اسلاموي. وهكذا يكون
العلماني.
ولنتذكر ان المفكر الاسلاموي الايراني الدكتور على شريعتي، ت 1977 منظر التشيع المعارض، كان قارئا نهما - لفرانز فانون - الماركسي، وصاحب الكتاب الشهير (المعذبون في الارض).
ولعل هذا الانفصام البادي في الشخصية الداخلية والخارجية والظاهرية والباطنية والليلية والنهارية، هو الذي انقص كثيرا من صدقية هؤلاء الاصوليبين وخاصة عند الجمهور الشعبوي وجعل دعوتهم
اقرب الى الهزل منها الى الجد. وهو ما يذكرنا بعناصر (الالوية الحمراء) الذين كانت الاصولية على شاكلتهم، من حيث ان العناصر الاصولية لم يستطيعوا الاندماج اجتماعيا وثقافيا في المجتمع
العربي والغربي الحديث، فاختاروا العنف السياسي للتعبير عن ازمتهم الاحتماعية والثقافية.
كذلك نجد ان الحركات الاصولية الارهابية في العالم العربي اقرب الى الحركات الماركسية منها الى اية حركات اخرى. وهو ما لاحظه – اوليفيه روا – حين اشار الى الرغبة نفسها عند الاصوليين
والماركسيين في (التوليف بين الثورة واللاهوت). ويضرب روا امثلة على ذلك بالجنرال حفيظ الله امين في افغانستان، وبول بوت في كمبوديا، والدرب المنير في بيرو. ويقول روا ان سائر هذه
الحركات سعت خلف رطانة ماركسية دوغمائية من اجل اختراع نموذج (قومي) جديد، استنادا الى (انتلجنسيا خرقاء)
ويخلص روا، الى ان الارهاب ليس ابتكارا اسلاميا بقدر ما هو مرجعية مشتركة بين كل حركات التحرر اللاهوتي الماركسي. فالترجمة الماركسية العالمية المعتمدة التي كانت تتيح للبعض ان يتفهم
اعمال عصبة - بادر ماينهوف - الالمانية او الالوية الحمراء لا بل خاطفي الطائرات من الفلسطينين، لا تتيح لهم فهم معنى احتجاز الرهائن في غياب المرجعية المشتركة لجميع هذه الحركات
الارهابية.
• تهافت الاصولية لشاكر النابلسي