ان انجح الوسائل التي تمكننا من تغير الصورة
السلبية للانسان العربي لدى الغرب، ان نغير اولا نمط حياتنا العامة من نظم وقوانين ونواميس التي لن يتم الا اذا
غير الانسان قناعاته وافكاره ومنهاج حياته، والقرآن الكريم يقول (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بانفسهم) سورة الرعد، وايضا (ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم) سورة
الانفال. وهاتان الايتان لقيتا صداهما في الفكر الغربي وايدهما كثير من فلاسفته وحكمائه.
فقال الروائي الامريكي اوسكار وايلد (ان الذي يغير العصر هو نحن وليست المبادئ) –
وقال الكاتب الامريكي هنري ثورو (الاشياء حولنا لا تتغير، بل نحن الذين نتغير)
وقال الفيلسوف الألماني لودفيج وتنجتشاين (ان اهم ما في التغيير هو تغيير سلوكياتنا)
وقال الفيلسوف الامريكي الفن توفلر (مسؤولية التغيير تقع علينا)
وقال المفكر الامريكي جيم ولز (العالم لن يتغير، ما لم نتغير نحن)
ويجب ان نلاحظ ان هناك نوعين من التغير : التغير الاصغر والتغير الاكبر. التغير الاصغر يبدأ حين تبدأ تزكية
النفس البشرية، اي تطهيرها بالايمان. وعندما تتطهر النفس تصبح قابلة للتغير الاكبر، وهو تغير المجتمع كله - -
يقول القرآن الكريم (قد افلح من زكاها) سورة
الشمس -
ويقول (قد افلح من تزكّى) سورة الاعلى - - -
والقرآن الكريم يوجه كلماته الى فرعون الذي طغى
ورفض دعوة التغير ويخاطبه بقوله (هل لك الى ان تزكى واهديك الى ربك فتخشى) سورة النازعات. - - -
يجب ان ننتبه الى ان التغيير على الارض هو من
صنع الانسان بالدرجة الاولى وان دور الله في صنع التاريخ ياتي بعد دور الانسان :
(ذلك بان الله لم يكن مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى
يغيروا ما بانفسهم) |
ان التغيير هو طريق الرشد الذي نادى به الاسلام. والرشد خلاف الغي، اي الاستقامة على طريق الحق. وهو هداية تغيير
اليقينات السابقة. والاسلام اراد ان يقيم الرشد بالرشد، اي ان يحدث التغيير السلمي العقلاني بالفكر والخطاب، لذا
ركز الاسلام على كلمة الرشد وذكرها في القرآن الكريم في اربع سور هي (الانعام والشعراء و مريم وفاطر)
لا سبيل الى التغيير الان في العالم العربي الا بتبني الخطوات
التالية :
-
انتاج الفكر النقدي الذي يساعد على الانتقال من
القطعي الى المبرهن عليه. ومن المسلّم به الى التنافس فيه، ومن القراءة العابرة للتاريخ الى القراءة التاريخية
للنص، لجعله في متناول العقل ومتكيفا مع متطلبات الحياة الاجتماعية.
-
تبني القطيعة الجارحة مع التراث، فالحضارة
الحديثة ابنة لثلاث قطائع اورثت الوعي الاوربي : اكتشاف غاليلو لكروية الارض وداوين لنظرية التطور وفرويد
للاشعور. - - وهكذا لم تعد الارض مركز الكون ولا الانسان جاء من المجهول ولا العقل سيد بيته بل اتضح انه محكوم
باللاعقل. اي اللاشعور. الغريزة - والتراث الديني يردع ورثته عن التنصل منه ومن اوامره ونواهيه – كما ان التثبت
العصابي كالاصولية والسلفية يغذي النرجسية الفردية بوتائر عالية مما يجعلها تلعب دور العائق الذهني.
-
كسر المحرمات الغيبية التي يحكم بها الاموات
الاحياء، لان المثقف تعريف هو مع الحداثة وضد القدامة ومع العقل ضد النقل ومع التجديد ضد التقليد ومع
الديمقراطية ضد التوتاليتارية ومع الحرية ضد الاستعباد.
اقترنت صورة الانسان العربي في اذهان الغرب منذ
اعتداءات 11/9 بالارهاب. وحصل ذلك على خلفية تستند فيها على مرتكز ديني عقائدي، هل هناك ما يسوغ اعمال العنف في
الاسلام ؟ فلا علاقة للعرب وارهابهم اليوم بالاسلام الصحيح. - - فهل اصبح العرب اليوم بلا دين ؟ - - نحن لم نفهم
انفسنا قبل ان ندع الغرب يفهمنا – من من العرب الان يفهم نفسه فهما سليما لكي يدع غيره يفهمه فهما سليما ايضا ؟
الجانب المظلم من الاستشراق ساعد على عدم فهمنا من قبل الغرب – وهو جانب محدود ومتعصب وقليل الخبرة، لكن
المسؤولية الكبرى في عدم فهم انفسنا وفي عدم فهم الغرب لنا تقع علينا نحن الذين اقمنا قطيعة معرفية وثقافية
وسياسية واقتصادية مع الغرب واصبحنا نخاطبه من كهوف وجحور تورا بورا، ومن وراء متاريس الجهل والامية والفساد
السياسي والاخفاق العلمي والعسكري.
فكيف نريد للغرب ان يفهمنا ويعرفنا من وراء ستار حديدي اقمناه بانفسنا لانفسنا - - ان هذا الستار هو عدائنا
للاخر وتكفيره - واعتبار الاخر (دار حرب) علينا الجهاد ضده وضد قيمه الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية
- - - فهل ان مجرد فتح قنوات التواصل بين الغرب والشرق يُعد كافيا لتحقيق التفاهم بين ضفتي البحر الابيض
المتوسط، وهل ان الحوار بين الاديان او بين الحضارات، كافية لاعادة الثقة بين العرب والغرب وتحسين صورة الانسان
العربي عند الغربيين ؟
على العربي ان يحسن صورته في الداخل اولا، قبل ان يحسنها في الخارج - - كيف نريد ان تبدو صورتنا ناصعة في الخارج
وهي صورة كالحة في الداخل ؟ - - وقبل ان نتفاهم ونتواصل مع الغرب، علينا ان نتفاهم ونتواصل مع انفسنا – وهذا
التواصل لن يتم الا بتبني الفكر النقدي وليس الفكر الاجتراري – كما لن يتم الا بالقطيعة مع الماضي والكف عن
البكاء عما فات ومات.
* أسئلة الحمقى لشاكر النابلسي