{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.
كلُّ مَنْ يغيّرُ كلاماً اّنما هو ظالم، ظالمٌ لنفسهِ وظالمٌ لغيره، فما بالك لو انّه بدّل في كلام الله تعالى؟!.
وانَّ من اخطر المتلاعبين بكلام الله تعالى، المغيّرين والمبدّلين، هم فئة التكفيريّين والمتزمّتين والمتطرّفين، مِّنَ الَّذِينَ {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}.
والذين يغيّرون ويبدّلون الكلام هم احد ثلاثة:
فامّا لتضليل الراي العام، وخداع الناس والضحك على ذقونهم، خاصة السذّج والمغفّلين والجهلة الذين يصدِّقون بسرعة ويقتنعون بلا تفكير.
واما لتبرير منكر او شرعنة خطأ، كما في قوله تعالى {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
او للتجارة، كما في قوله تعالى {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}.
وانّ من اسوء طرق التّبديل والتّغيير، هي التي تعتمد على المتشابه من آيات الذكر الحكيم، والتي يسخّرها الذين في قلوبهم زيغٌ عن الحق للتستّر بها لارتكاب الجريمة ومن أشدها اثارة الفتنة في المجتمع.
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وانّ اوّل من لجأ الى المتشابه من الذكر الحكيم هم الخوارج الذين سخّروا الفهم الخاطئ للقرآن الكريم لارتكاب اعظم الجرائم بحق الامة، والتي تقف على راسها اتهام امير المؤمنين عليه السلام بالكفر! ثمّ قتلهِ في محراب الصّلاة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام ٤٠ للهجرة.
انّهم بذلوا كلّ وقتهم وجهدهم (المعرفي) يلوون عنق الحقيقة التي تتحدث عنها آيات القران الكريم، وكل ذلك من اجل:
تبرير فشلهم وخطئهم، بعد ان فرضوا موقفهم في الحرب، ليشعروا ويلمسوا خطأهم بعد حين.
تضليل الراي العام من خلال سعيهم لرمي مسؤولية اتخاذ القرار الخطأ وفرضه في ساحة الحرب على الاخرين، وعلى الامام علي عليه السلام تحديداً.
ولذلك كانوا مستعدين لتكفير الناس واتهامهم بالشرك، ومن ثم إصدار احكام القتل بتهمة الردة، على ان يعترفوا بجريمتهم.
كما انّهم، بالتكفير، برّروا عصيانهم لاوامر الخليفة والامام المفترض الطاعة بكل المقاييس الامام امير المؤمنين (ع).
ولذلك قال عليه السلام لمّا سمع قول الخوارج [لا حكم إِلاَّ للهِ]: كَلِمَةُ حَقّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ، في إشارة الى توظيفهم المنحرف لمفهوم الحاكمية.
كما قال عليه السلام في معنى الخوارج لمّا أنكروا تحكيم الرّجال؛
{إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ، وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ. وهذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْتُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، لاَ يَنْطِقُ بِلِسَان، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَان، وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ.
وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، وقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)، فَرَدُّهُ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بسُنَّتِهِ; فَإِذَا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ حُكمَ بسُنَّةِ رَسُولِهِ فَنَحْنُ أَوْلاَهُمْ بِهِ}.
وهكذا كانت محنة أمير المؤمنين عليه السلام مع اوّل مجموعة جاهلة في الاسلام، سعت الى توظيف المتشابه من آيات الذكر الحكيم والتأويل المنحرف للقرآن الكريم بما يخدم أهدافها وأجنداتها، لترتكب الجرائم البشعة التي شرعنوها بفهمهم المنحرف.
واستمرت هذه المدرسة من ذلك اليوم تكفّر المسلمين وكلّ من لا يعتقد بما تذهب اليه من عقائد باطلة وافكار منحرفة، الى يومنا هذا، فهل نستغرب انهم يكفّرون اليوم شيعة امير المؤمنين (ع) بعد ان كفّروا الامام نفسه طالبين منه ان يستغفر الله على كفره وهو من هو؟ حتى قال عليه السلام:
ان من يجرؤ على تكفير امير المؤمنين (ع) الذي كانت علاقته برسول الله (ص) كما يصفها هو عليه السلام:
{وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل.
وَلَقَدْ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى بِهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ [أَنْ] كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَك مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْم عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ.
وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذ فِي الاِْسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ.
وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلى الله عليه وآله) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: «هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَى مَا أَرَى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيّ، وَلكِنَّكَ وَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْر} انّ من يكفّر عليّاً هذا، هل تنتظر منه ان يتردّد في تكفير شيعته؟ وانّ من أهدر دم عليٍّ هذا ليقتله في محراب الصّلاة في مسجد الكوفة، صائماً وراكعاً وساجداً، هل تتوقّع انّه سيتّقي الله بدماء شيعته؟!.
وصدق عليه السلام عندما قال لمّا قتل الخوارج؛ فقيل له؛ يا امير المؤمنين، هلك القوم اجمعهم! فقال؛
انّ امير المؤمنين عليه السلام هو اوّل ضحايا منهج التكفير الذي بدأه الخوارج والذي استمر على مرّ التاريخ الى اليوم، فهو اوّل شهيد بسبب الفكر التكفيري الذي زرعه المنحرفون في الامة، من الّذين يتّبعون ما تشابه من آيات الذكر الحكيم.
فسلامٌ على امامِ المتقّين يوم وُلد ويوم جاهد في الله حقّ جهاده، ويوم استُشهد في محراب الصلاة على يدِ اوّل مجموعة تكفيرية في تاريخ الاسلام! ويوم يُبعث حياً في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدر.